أطفال وشباب ينتحرون

07 ابريل 2015

شباب تونسيون أمام مسرح في العاصمة (7 مارس/2015/الأناضول)

+ الخط -

لم يكن أحد يتوقع في تونس أن قيام ثورة فيها سيجعل جزءاً مهماً من الشباب التونسي يدفع ثمناً قاسياً، على الرغم من أنه شكل القوة الرئيسية التي غيرت موازين القوى، وأطاحت نظام الرئيس بن علي. ليس المقصود بهذا عدد شهداء الأشهر الأولى من الثورة، ولكن، فوجئ الرأي العام التونسي بتوالي انتحار عدد مذهل من اليافعين واليافعات في بعض ولايات الجمهورية، ومنها القيروان المعروفة بأنها المدينة الدينية في البلاد، والتي تحافظ على أقدم جامع في تونس، وقد بناه عقبة بن نافع.

شهدت سنة 2014 وحدها 203 حالات انتحار، الذكور منهم 74%. ومن بين هؤلاء 52 حالة تتراوح أعمارهم ما بين 16 و25 عاماً، في حين أن الشريحة العمرية التي يقل سن أفرادها عن 15 عاماً، فقد كانت نسبتهم 18 حالة، بينهم 6 أطفال و12 طفلة. وقد صعق الرأي العام التونسي، مطلع أبريل/نيسان الجاري، عندما أقدمت أربع تلميذات على محاولة انتحار جماعي لسبب تافه، عندما تناولن شرب دواء قتل الفئران، قبل مغادرتهن المدرسة في منطقة ريفية.

ولا يكاد يمر أسبوع من دون أخبار عن شبان تونسيين سقطوا قتلى في سورية أو العراق أو ليبيا. وقدرت صحيفة بريطانية أنهم 1900 قتيل. في حين ينتظر نحو ثلاثة آلاف آخرين مصيرهم المجهول والمحتوم. وعلى الرغم من ذلك، النزيف متواصل، بعد تسجيل اختفاء عائلات كاملة، قررت التوجه إلى سورية، بنسائها وأطفالها.

هناك عقدة لم تتمكن النخبة في تونس من تحديدها وتفكيكها ومعالجتها. فالمختصون في علوم التربية والنفس والاجتماع يتحدثون عن فقدان القدرة على الحلم، خصوصاً لدى شريحة واسعة من اليافعين واليافعات. وهذه حالة غريبة، تتناقض، في جوهرها، مع منطق الثورات، أن الثورة هي تفجير المكبوت، والاقتراب من الأحلام الجميلة، وأنها توفر الأرضية المناسبة للإبداع، بعد التخلص من المحرمات السياسية وغيرها. وبالتالي، الحرية هي المناخ الملائم للحلم والاستشراف وصناعة سيناريوهات المستقبل.

الأزمة في تونس، وفي غيرها من دول المنطقة، لم تكن سياسية فقط. كانت أكثر تعقيداً وشمولاً. ولعلها كانت تربوية وأخلاقية أساساً. انتهت مرحلة حكم بن علي بتشوهات فظيعة لجيل يشكو من ضياع القيم. وقد مرت، الآن، حوالى خمس سنوات، لم يشهد فيها القطاع التربوي والتعليمي أي تغيير يذكر. يعلل السياسيون ذلك بانشغالهم بإصلاح المؤسسات وإعداد الدستور ومواجهة الإرهاب، لكنهم لم يقدروا جيداً أن هذه السنوات الخمس زادت من حجم الخسائر، وعمقت هذا الاضطراب الشامل لدى الأطفال واليافعين والشباب. وما حدث هذه السنة من نزاع حاد بين الحكومة ونقابات الأساتذة، وهو يتسع، حالياً، ليشمل المعلمين وأساتذة التعليم العالي، عمق حالة الارتجاج في صفوف الشباب، وعمق الهوة بينهم وبين الساهرين على تكوينهم وتعليمهم.

من حق الإطار التربوي الدفاع عن حقوقه المالية. لكن، في المقابل، هناك بلد في حالة انتقال صعبة، وهناك بعد رمزي مهم يتمثل في السلطة المرجعية التي يجب إعادة بنائها لدى الشباب، وهي السلطة التي اختلت، تماماً، في السنوات القليلة التي خلت، وأحدثت أزمة ثقة حادة بين الرأسمال الرمزي لتونس، ممثلا في الأجيال الجديدة، والنخب صانعة السياسات والرموز، بحكم كونها القدوة، رغم أنفها، وذات السلطة الرمزية، حتى ولو أخلت بمقوماتها.

يبحث الشباب التونسي عمن يسمع أنّاته ويفهم طموحاته، ويساعده على تحقيق المصالحة بينه وبين نفسه والعالم، ويمد له يد المساعدة، من أجل أن يدرك موقعه الصحيح في الخريطة الجديدة للبلد. وعندما يشعر بأن الجميع قد أعطوه ظهورهم، وانشغلوا عنه في حرب المواقع والمصالح، عندها يعبر عن غضبه ويأسه بوسائل رهيبة، منها.. الانتحار.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس