داخل زنزانة مليئة بالحشرات، زُج بالطفل عوض جاغوب بعد اعتقاله على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، أمضى فيها خمسة أيام، ينام على أكياس من القش، وبين قطط وضعت لإخافته.
مرّت الأيام ثقيلة على عوض وعائلته، لا سيما أنه تعرض للضرب المبرح خلال اعتقاله، وعانى من آلام في جسده نتيجة انقضاض الجنود المدججين بالسلاح على جسده الغض بالضرب والركل.
مشاهد وتجربة عاشها عوض الطالب بالثانوية العامة، من قرية بيتا جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، لم تكن سهلة على مخيلة طفل لاستيعابها، أو الخروج من صدمتها بسهولة.
ويعاني المئات من الأطفال الفلسطينيين من أوضاع نفسية غاية بالصعوبة، نتيجة تعرضهم للاعتقال على يد قوات الاحتلال، ما ينعكس على قدرتهم على الاندماج مع محيطهم فور الإفراج عنهم، وعلى قدرتهم على العودة للجلوس على مقاعد الدراسة، جنباً إلى جنب مع أقرانهم الأطفال، الذين لم تتشوه طفولتهم بتجربة الاعتقال.
اقــرأ أيضاً
يتحدث عوض عن تجربته في الاعتقال لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "اعتقلت من داخل مخبز كنت أعمل فيه خلال أيام العطل الأسبوعية، اختطفني الجنود فجأة واتهموني بالمشاركة بإلقاء الحجارة على القوات الإسرائيلية، وألقوا بي في الجيب العسكري، وظلوا يضربوني بوحشية حتى وصلنا لمركز التوقيف".
وبعد الإفراج عن عوض، تحدى الوضع الذي عاشه بدعم من عائلته ومختصين نفسيين كانوا حريصين على إعادة دمجه بالحياة والعودة للمدرسة، وتخطي التجربة التي مر بها.
وعن تلك الفترة يقول: "قررت العودة للمدرسة، فقد كنت في مرحلة الثانوية العامة، واستطعت مواصلة الدراسة، والآن أدرس اللغة الإنكليزية في سنتي الأولى بالجامعة".
المرشد التربوي في جمعية الشبان المسيحيين بنابلس، سامي صنوبر، تعرّف على عوض بعد الإفراج عنه، وكان أحد الذين ساعدوا عوض على تخطي الأزمة النفسية التي عاشها خلال فترة اعتقاله.
يقول صنوبر لـ"العربي الجديد": "من خلال عملنا واحتكاكنا بالأطفال بعد تحررهم من سجون الاحتلال، فإن ما يقرب من 10% منهم يستطيعون العودة للمدرسة، وتخطي التجربة الصعبة والصدمة التي عاشوها خلال الاعتقال.
ويضيف: "بالنسبة لعوض، فقد استطاع تجاوز المحنة التي مرّ بها، والتي كانت قاسية عليه بشكل كبير، فقد تعرض لتعذيب نفسي قاس، وحبس داخل زنزانة قذرة مليئة بالحشرات والقطط، ليسجل تحدياً رائعاً وينجح بالثانوية العامة".
وتعتقل إسرائيل في سجونها نحو 300 طفل، يتعرضون لمعاملة مهينة، وأساليب تحقيق قاسية، وتعذيب جسدي خلال عملية الاعتقال، إضافة للشتم بألفاظ بذيئة، بحسب هيئة الأسرى والمحررين الفلسطينية (حكومية).
ويشير المرشد التربوي إلى أن أصعب ما يتعرض له الطفل الأسير هو "الصدمة أو اضطراب ما بعد الصدمة، حتى لمن لم يتجاوز اعتقاله عدة ساعات".
وأضاف: "مؤشرات الصدمة أن الطفل يكون غير متقبل لما حصل معه، إضافة لتكرار للصور التي عاشها، وتكرار المشاعر السلبية، وهذا ينعكس على الناحية النفسية إلى الناحية السلوكية، فتصبح لديه عصبية زائدة، ويصبح غير قادر للتخطيط للمستقبل، ويشعر بالانفصال عن الواقع، نتيجة أساليب معينة من التعذيب خلال الاعتقال ومراحل التحقيق".
وخلال وجود الطفل المحرر بالمدرسة ستتكرر صور الاعتقال والتحقيق في مخيلته، وتشتته عن التعليم والتركيز، بحسب صنوبر.
ويتابع: "يكون الطفل في مرحلة ما بعد الإفراج عنه مشتتاً بين أمرين، هل هو طفل عاد للمدرسة، أم أنه رجل عاش تجربة قاسية وخرج منها؟!".
اقــرأ أيضاً
يتحدث المرشد التربوي عن حالة طفل تعامل معها بعد الإفراج عنه وتعرضه للضرب والتعذيب النفسي، ويقول: "عند مراجعة عائلة ومدرسة الطفل، تبين لنا أنه يعاني من حالة انفصال عن الواقع، يشعر أنه يعيش في واقع آخر، لكن من خلال المتابعة من قبل المرشدين النفسيين، واهتمام الأهل، تمكن هذا الطفل من العودة لحياته بشكل طبيعي".
ويستدرك بالقول: "أغلب الطلاب لا يعودون للمدرسة بعد الإفراج عنهم، أو أنهم يفكرون بتركها لولا تدخل الاختصاصيين ودعم الأهل، أو توجيههم للتعليم المهني".
وعن السبب وراء ترك الطلاب لدراستهم بعد الإفراج، يقول صنوبر: "يخرج الطفل غير فاهم لنفسه وغير قادر على التخطيط لنفسه أكاديمياً ومهنياً، وغير متقبل للتجربة التي مرّ بها، وفاقداً الثقة لذاته ولمجتمعه".
عن إحدى الحالات الصعبة التي تعامل معها الاختصاصي النفسي سامي صنوبر، قال: "أحد الأطفال اعتقل بعد إطلاق النار عليه، وعندما خرج من السجن كان يعاني من أمراض نفسية، لم تكف معها الجلسات الإرشادية، بل إنه يعالج بواسطة أدوية للتخفيف من أعراض الصدمة التي تعرض لها، لكنها لا تشفيه".
وتجد بعض المدارس والمعلمين صعوبة بتقبل الطفل بعد تحرره، وبعضها كان يرفض استقبال الطفل أو يجد صعوبة بالتعامل معه.
الطفلة "ساجدة" اعتقلت على أحد الحواجز الإسرائيلية، وأمضت ستة أشهر داخل السجن، تعرضت خلالها لتعذيب نفسي وتهديد بقتل أمها، وكانت ممن واجهوا صعوبة في تقبل إدارة المدرسة لوجودها بين الطالبات.
اعتقلت ساجدة وهي طالبة بالصف الأول الثانوي، وأفرج عنها وكانت زميلاتها قد بدأن الدراسة بالثانوية العامة، لكنها أصرت على مواصلة تعليمها، وبتدخل اختصاصيين ومرشدين، قدموا الدعم الكافي لها، إضافة لإعطاء الهيئة التدريسية جلسات توعية وتثقيف في كيفية التعامل مع الأسيرة المحررة، تمكنت ساجدة من تخطي محنتها، والنجاح بمعدل عالٍ بالثانوية العامة.
وعن ذلك يقول صنوبر: "هناك مدارس ترفض تقبل الطفل المحرر، وأساتذة يجدون صعوبة بالتعامل مع الطفل نفسه، عدا عن عدم تقبل الطلاب لهذا الطفل، لذلك فنحن لا نتعامل فقط مع الطفل المحرر، وإنما تقع على عاتقنا مسؤولية توعية الطلاب والهيئة التدريسية".
ويمضي بالقول: "الطفل يدخل السجن وهو طفل، قد يمضي ستة أشهر فقط، لكنه يخرج وهو يعاني من اضطراب هوية، "هل أنا رجل أم أنني طالب مدرسة وما زلت طفلاً؟!، وهذا ينعكس على المحيطين به، وكيفية التعامل معه".
ويشير إلى أن بعض الأطفال يعودون للمدرسة شهراً أو شهرين، لكنهم لا يستطيعون أن يكملوا، ولسان حالهم يقول "لقد كبرت عن هذه المرحلة"، وهناك كثير من حالات لأطفال تركوا المدرسة بسبب المحيط وعدم التفهم والتقبل لهم.
ويعاني الأطفال المحررون من سجون الاحتلال من تراجع أكاديمي بشكل واضح، حتى لو كان الاعتقال لساعات.
اقــرأ أيضاً
مشاهد وتجربة عاشها عوض الطالب بالثانوية العامة، من قرية بيتا جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، لم تكن سهلة على مخيلة طفل لاستيعابها، أو الخروج من صدمتها بسهولة.
ويعاني المئات من الأطفال الفلسطينيين من أوضاع نفسية غاية بالصعوبة، نتيجة تعرضهم للاعتقال على يد قوات الاحتلال، ما ينعكس على قدرتهم على الاندماج مع محيطهم فور الإفراج عنهم، وعلى قدرتهم على العودة للجلوس على مقاعد الدراسة، جنباً إلى جنب مع أقرانهم الأطفال، الذين لم تتشوه طفولتهم بتجربة الاعتقال.
يتحدث عوض عن تجربته في الاعتقال لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "اعتقلت من داخل مخبز كنت أعمل فيه خلال أيام العطل الأسبوعية، اختطفني الجنود فجأة واتهموني بالمشاركة بإلقاء الحجارة على القوات الإسرائيلية، وألقوا بي في الجيب العسكري، وظلوا يضربوني بوحشية حتى وصلنا لمركز التوقيف".
وبعد الإفراج عن عوض، تحدى الوضع الذي عاشه بدعم من عائلته ومختصين نفسيين كانوا حريصين على إعادة دمجه بالحياة والعودة للمدرسة، وتخطي التجربة التي مر بها.
وعن تلك الفترة يقول: "قررت العودة للمدرسة، فقد كنت في مرحلة الثانوية العامة، واستطعت مواصلة الدراسة، والآن أدرس اللغة الإنكليزية في سنتي الأولى بالجامعة".
المرشد التربوي في جمعية الشبان المسيحيين بنابلس، سامي صنوبر، تعرّف على عوض بعد الإفراج عنه، وكان أحد الذين ساعدوا عوض على تخطي الأزمة النفسية التي عاشها خلال فترة اعتقاله.
يقول صنوبر لـ"العربي الجديد": "من خلال عملنا واحتكاكنا بالأطفال بعد تحررهم من سجون الاحتلال، فإن ما يقرب من 10% منهم يستطيعون العودة للمدرسة، وتخطي التجربة الصعبة والصدمة التي عاشوها خلال الاعتقال.
ويضيف: "بالنسبة لعوض، فقد استطاع تجاوز المحنة التي مرّ بها، والتي كانت قاسية عليه بشكل كبير، فقد تعرض لتعذيب نفسي قاس، وحبس داخل زنزانة قذرة مليئة بالحشرات والقطط، ليسجل تحدياً رائعاً وينجح بالثانوية العامة".
وتعتقل إسرائيل في سجونها نحو 300 طفل، يتعرضون لمعاملة مهينة، وأساليب تحقيق قاسية، وتعذيب جسدي خلال عملية الاعتقال، إضافة للشتم بألفاظ بذيئة، بحسب هيئة الأسرى والمحررين الفلسطينية (حكومية).
ويشير المرشد التربوي إلى أن أصعب ما يتعرض له الطفل الأسير هو "الصدمة أو اضطراب ما بعد الصدمة، حتى لمن لم يتجاوز اعتقاله عدة ساعات".
وأضاف: "مؤشرات الصدمة أن الطفل يكون غير متقبل لما حصل معه، إضافة لتكرار للصور التي عاشها، وتكرار المشاعر السلبية، وهذا ينعكس على الناحية النفسية إلى الناحية السلوكية، فتصبح لديه عصبية زائدة، ويصبح غير قادر للتخطيط للمستقبل، ويشعر بالانفصال عن الواقع، نتيجة أساليب معينة من التعذيب خلال الاعتقال ومراحل التحقيق".
وخلال وجود الطفل المحرر بالمدرسة ستتكرر صور الاعتقال والتحقيق في مخيلته، وتشتته عن التعليم والتركيز، بحسب صنوبر.
ويتابع: "يكون الطفل في مرحلة ما بعد الإفراج عنه مشتتاً بين أمرين، هل هو طفل عاد للمدرسة، أم أنه رجل عاش تجربة قاسية وخرج منها؟!".
يتحدث المرشد التربوي عن حالة طفل تعامل معها بعد الإفراج عنه وتعرضه للضرب والتعذيب النفسي، ويقول: "عند مراجعة عائلة ومدرسة الطفل، تبين لنا أنه يعاني من حالة انفصال عن الواقع، يشعر أنه يعيش في واقع آخر، لكن من خلال المتابعة من قبل المرشدين النفسيين، واهتمام الأهل، تمكن هذا الطفل من العودة لحياته بشكل طبيعي".
ويستدرك بالقول: "أغلب الطلاب لا يعودون للمدرسة بعد الإفراج عنهم، أو أنهم يفكرون بتركها لولا تدخل الاختصاصيين ودعم الأهل، أو توجيههم للتعليم المهني".
وعن السبب وراء ترك الطلاب لدراستهم بعد الإفراج، يقول صنوبر: "يخرج الطفل غير فاهم لنفسه وغير قادر على التخطيط لنفسه أكاديمياً ومهنياً، وغير متقبل للتجربة التي مرّ بها، وفاقداً الثقة لذاته ولمجتمعه".
عن إحدى الحالات الصعبة التي تعامل معها الاختصاصي النفسي سامي صنوبر، قال: "أحد الأطفال اعتقل بعد إطلاق النار عليه، وعندما خرج من السجن كان يعاني من أمراض نفسية، لم تكف معها الجلسات الإرشادية، بل إنه يعالج بواسطة أدوية للتخفيف من أعراض الصدمة التي تعرض لها، لكنها لا تشفيه".
وتجد بعض المدارس والمعلمين صعوبة بتقبل الطفل بعد تحرره، وبعضها كان يرفض استقبال الطفل أو يجد صعوبة بالتعامل معه.
الطفلة "ساجدة" اعتقلت على أحد الحواجز الإسرائيلية، وأمضت ستة أشهر داخل السجن، تعرضت خلالها لتعذيب نفسي وتهديد بقتل أمها، وكانت ممن واجهوا صعوبة في تقبل إدارة المدرسة لوجودها بين الطالبات.
اعتقلت ساجدة وهي طالبة بالصف الأول الثانوي، وأفرج عنها وكانت زميلاتها قد بدأن الدراسة بالثانوية العامة، لكنها أصرت على مواصلة تعليمها، وبتدخل اختصاصيين ومرشدين، قدموا الدعم الكافي لها، إضافة لإعطاء الهيئة التدريسية جلسات توعية وتثقيف في كيفية التعامل مع الأسيرة المحررة، تمكنت ساجدة من تخطي محنتها، والنجاح بمعدل عالٍ بالثانوية العامة.
وعن ذلك يقول صنوبر: "هناك مدارس ترفض تقبل الطفل المحرر، وأساتذة يجدون صعوبة بالتعامل مع الطفل نفسه، عدا عن عدم تقبل الطلاب لهذا الطفل، لذلك فنحن لا نتعامل فقط مع الطفل المحرر، وإنما تقع على عاتقنا مسؤولية توعية الطلاب والهيئة التدريسية".
ويمضي بالقول: "الطفل يدخل السجن وهو طفل، قد يمضي ستة أشهر فقط، لكنه يخرج وهو يعاني من اضطراب هوية، "هل أنا رجل أم أنني طالب مدرسة وما زلت طفلاً؟!، وهذا ينعكس على المحيطين به، وكيفية التعامل معه".
ويشير إلى أن بعض الأطفال يعودون للمدرسة شهراً أو شهرين، لكنهم لا يستطيعون أن يكملوا، ولسان حالهم يقول "لقد كبرت عن هذه المرحلة"، وهناك كثير من حالات لأطفال تركوا المدرسة بسبب المحيط وعدم التفهم والتقبل لهم.
ويعاني الأطفال المحررون من سجون الاحتلال من تراجع أكاديمي بشكل واضح، حتى لو كان الاعتقال لساعات.