وكتب الطبيب حسام عدنان، المناوب في مشفى عفرين، في الليلة الماضية حين وصلت إليها الطفلة إيمان ذات العام والنصف، كلاماً مؤثراً على صفحته على "فيسبوك": "اليوم صباحاً وصلتنا هذه الطفلة إلى مشفانا بعفرين. خرج والدها بها من خيمته التي تبعد عن مشفانا بضعة كيلومترات لأنها تعاني من نزلة تنفسية بسيطة. أحضر كل ما يملك في خيمته المهترئة ليدفئها... أشعل نفسه ليجعل من جسده موقداً يدخل الدفء لقلبها الصغير. ضمها بكل ما يملك من قوته، واحتضنها بقلبه، وأغدق عليها بدموعه الدافئة يرطب وجهها الندي، ومشى منذ الخامسة فجراً بين الثلوج والرياح. مشى بين ما تبقى له من ركام وطنه. تعثر حينا فجعلها فوق رأسه باغتته الرياح فحماها بظهره".
وأضاف عدنان: "بين الحفر المملوءة جليداً مشى بحذائه المهترئ. تجمدت أطرافه لكن بقي قلبه يحضنها. مشى لساعتين ثم وصل لمشفانا. بصعوبة بالغة فصلنا جسده وقلبه عنها، ثم كشفنا على وجهها الملائكي وجدناها مبتسمة لكن كانت بلا حراك".
وتابع" (...) إنها ميتة ومنذ ساعة. كان يحمل جثتها على الطريق وهو لا يدري... يا قهر العالم كله. يا عجزي وانكساري وكل دموع الأرض... يا بحراً من عجز... يا أهل الشام والعراق والرافدين والحرمين والنيل والأناضول والعائمين على بحار نفطهم الأسود سواد قلوبهم... وكل أرض عليها بشر... كلكم شاركتم بقتلها".
Facebook Post |
وشارك مئات السوريين صورة الطفلة مع تعليق الطبيب عليها بكلماته المؤثرة، وضجت صفحات مواقع التواصل بالخبر المفجع والكارثي المستمر، مع استمرار أزمة مئات الآلاف من النازحين في الشمال السوري الذين باتوا يقطنون ما يشبه المخيمات، فيما لا يزال الكثيرون منهم يبيتون في العراء وتحت الأشجار، بعد موجة النزوح الأخيرة التي هجرت الآلاف إثر تقدم قوات النظام على مناطق في ريفي إدلب وحلب.
وكان يوم الأربعاء قد شهد فاجعة مشابهة، قضت خلالها عائلة كاملة مؤلفة من أب وأم وطفلتين إثر اختناقهم داخل خيمتهم وهم نيام، بسبب سوء المواد المستخدمة في التدفئة. وكتب الصحافي مضر حماد الأسعد: استشهاد صطيف حمادي أبو رواد وزوجته وابنته هدى حمادي (14 سنة)، والطفلة حور حمادي ابنة ابن الشهيد وهاد حمادي، وافتهم المنية اليوم في (مخيم الضياء كفرومة في بلدة كللي) بعد عناء وقهر لا تحمله الجبال، وذلك إثر اختناقهم داخل الخيمة البدائية، بعد مناشدة أغلب المنظمات الإنسانية لتأمين الخيام لنا لننتقل لمكان أكثر أمناً بعد اقتراب الخطر من أطفالنا، لكن قدر الله وما شاء فعل، وكان للقدر كلام آخر. ولم يعودوا بحاجة للخيم. هذا ما كتبه شقيق من وافته المنية وعائلته نتيجة الوضع الإنساني الكارثي للنازحين نتيجة إجرام الأسد ودوله الحليفة القذرة".
وحركت صورة العائلة مشاعر الممثل والفنان السوري مكسيم خليل، الذي شاركها وكتب معلقاً بكلمات مؤثرة: "من البرد في عيد الحب قُتل الحب... من القهر سُرق الحب... تباً لمنظمات الإنسانية تترك إنسانها يموت... تباً لمنظمات الطفولة تترك ملائكتها تموت... تباً لمنظمات دينية تترك ابن الله امام عينها يُقتل... تباً لأنظمة سياسية وجهها ملائكيٌ و شيطانها يفعل... تباً للفنون واجهتها رسالةُ حب ومضمونها خذلان... تباً لرياضةٍ تبيع حب جمهورها عند أول بيان... تباً لشخوص تهرب من واقع محبيها لعالم الهذيان... تباً لإعلام مأجورٍ يدّعي الحب وتباً لعيده أول نيسان... تباً لأوطان تطلب الحب والوفاء بالقهر والحرمان... تباً للإرهاب وتباً لمموليه من محبي رؤوس الأموال... وتباً لي لا أغيّر في واقعه شيئاً".
Facebook Post |
وقضى الطفل أحمد عبد الوهاب (6 أشهر)، بسبب البرد، بعدما لجأ مع ذويه إلى مخيم أطمة في ريف إدلب الشمالي من مدينة خان شيخون التي هجرتهم منها قوات النظام، منتصف العام الماضي.
وشارك الناشط عبيدة دندوش صورة الطفل أحمد معلقاً: "إذا كان حدى فينا بردان كتير بقول يا زلمة رح موت من البرد. بس ما كتير منفكر بهاي الكلمة. يا ترى حدى فكر أنو ابنو الصغير كان الصبح عم يلعب اجى الليل وكان برد فمات الولد...".
Facebook Post |
وشارك الناشط الإعلامي محمد الضاهر صورة نسوة يحملن أطفالهن وهم يفرون هرباً من الأموات من قراهن وبلداتهن سيراً على الأقدام، إثر تقدم قوات النظام إليها، معلقاً: "آلاف العوائل تنزح سيراً على الأقدام باتجاه الحدود السورية التركية نتيجة القصف الروسي العنيف التي يستهدف مدينة الأتارب الآن في ظل البرد القارس لا مأوى لهم، اللهم كن عوناً لأهلنا النازحين ولعنة الله على من خذلهم... قمة القهر والألم في الصورة الثلوج تغطي الأشجار ولا مأوى غيرها".
Facebook Post |
ونشرت مهجرة من ريف حلب مقطعاً مصوراً تشرح فيه مأساة الآلاف من النازحين الذين يغادرون منازلهم بسبب شدة القصف نحو المجهول، في ظل الظروف الجوية القاسية، ونقص في الاستجابة لمساعدة النازحين.
Facebook Post |
ومن شمال إدلب إلى لبنان، حيث أعدت قناة "حلب اليوم" مقطعاً مصوراً يظهر الوضع الكارثي الذي يعيشه اللاجئون، ولا سيما الأرامل منهم، في أحد مخيمات عرسال اللبنانية.
Facebook Post |
ومنذ بداية فبراير/شباط الحالي توفي 9 مدنيين في مخيمات الشمال السوري بسبب البرد أو الأمراض التي يسببها البرد، معظمهم من الأطفال، وذلك في ظل استمرار موجات النزوح للمدنيين من أرياف ادلب وحلب نحو الشمال.
وقالت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقرير، أمس الخميس، إنها وثقت مقتل 167 سورياً، بينهم 77 طفلاً، بسبب البرد في سورية منذ مارس/ آذار عام 2011.
وتضرب المنطقة عاصفة ثلجية قاسية حملت اسم "كريم"، اقتلعت مئات الخيام داخل الكثير من المخيمات، فيما يمضي المئات من النازحين لياليهم وأيامهم في العراء، بسبب عدم توفر المأوى أو حتى خيمة داخل مخيم، مع تزايد أعداد النازحين إثر الهجمات التي يشنها النظام على ريفي حلب وإدلب.
وأحصى فريق "منسقو الاستجابة"، في بيان صدر عنه يوم الأربعاء، نزوح 36 ألف شخص خلال الساعات الـ48 التي سبقت إصدار البيان، وبلغ عدد النازحين 462 ألف شخص منذ 16 يناير/كانون الثاني الماضي إلى تاريخ صدور البيان. ووصل عدد النازحين منذ نوفمبر/ تشرين الثاني (بداية الحملة العسكرية البرية لقوات النظام) لأكثر من 845 ألف نسمة. أما المخيمات فبلغ عددها، حسب التقرير، 1259 مخيماً، يقطنها نحو مليون و22 ألفاً من النازحين، منها 348 مخيماً عشوائياً.