أطفال اليمن.. "جيل الصدمات" قادم

09 اغسطس 2017
(أطفال في الجيش اليمني، تصوير: صالح العبيدي)
+ الخط -

يُعاني أطفال اليمن من الآثار العميقة التي تتركها الحرب على كافة مناحي حياتهم. ويومًا بعد آخر، يتصدّر أطفال يمنيون عناوين الصحف العربية والعالمية وشاشات التلفزة والمواقع الإلكترونية، كقتلى وجوعى ومصابين بالكوليرا وبصدمات نفسية عميقة.

يحضر الجوع على موائدهم، والصمت في لياليهم الطويلة؛ في حين يحاول الآباء تدريبهم على تعلّم فنون الصبر في وقت مبكّر. إنهم أطفال اليمن، الذين يتحمّلون همومًا أكبر منهم، بعد أن صار كثير منهم خارج أسوار مؤسّسات التعليم ونوادي الترفيه والأمكنة التي يفترض أن يتردّدوا عليها.

وتتحدّث دراسة صادرة عن "منظمة يمن لإغاثة الأطفال" حول الآثار النفسية للحرب على الأطفال، بأن 58.2% من الأطفال اليمنيين ممن شملتهم الدراسة ينتابهم الخوف الشديد، فيما يعاني 37% من قلق دائم واضطراب نفسي. وأفادت الدراسة التي استهدفت عيّنة من الأطفال في محافظات أمانة العاصمة وعدن وتعز وأبين، بأن 36.4% من العائلات أفادوا بأن أطفالهم لا يشعرون بالأمان، و32.7% قالوا إنهم يعانون من مشاكل في النوم بسبب الخوف من أصوات الغارات الجوية ومضادات الطيران.

في حديثه مع "جيل" يقول رئيس منظمة سياج للطفولة في اليمن، أحمد القرشي: "للأسف الشديد تقديرات الخبراء والمختصّين، تؤكد بالإجماع بأن هناك ارتفاعًا كبيرًا جدًا في نسبة الآثار النفسية والسلوكية على الأطفال، بسبب الحرب، وآثارها في المناطق اليمنية، وذلك بسبب توسّع رقعة الحرب أيضًا، والاستخدام المفرط للقوّة، والرصاص، والضربات الجوية، خصوصًا في مناطق النزاع التي لا تزال تشهد ازدحامًا سكانيًا كبيرًا، سواء في صنعاء، أو تعز، أو صعدة، أو الحديدة، وغيرها من المحافظات اليمنية، انتشار مشاهد الدمار والقتل والدماء والخراب في كل المرافق ذات الصلة بالأطفال كالشارع والتلفزيون ومواقع الإنترنت، كلّها عوامل ساهمت في تعرّض الأطفال للصدمات والآثار النفسية البالغة".


الآثار النفسية للجوع
تتفاقم وتتّسع أبعاد الأزمة الإنسانية في اليمن ككرة ثلج، لتشمل في مساراتها الصعبة الكثير من متطلّبات الحياة اليومية. ولعلّ أول من يعاني من نقص هذه المتطلّبات هم أطفال اليمن، الذين يعجز آباؤهم عن تأمين ما يحتاجون له من غذاء في ظل تفشّي البطالة، وانقطاع مرتّبات أكثر من مليون يمني منذ حوالي عام، إضافة إلى فقدان آلاف فرص عملهم التي دمّرتها الحرب. وترتفع معدّلات الفقر بعد التضخّم الاقتصادي الذي طاول مقدرات البلاد، والانهيار المتسارع والكبير للريال اليمني، مما أسهم في انتشار الجوع بعد فقدان اليمنيين لكل فرص عيشهم.

نهاية يوليو/ تمّوز الماضي أعلنت الأمم المتحدة أن 80% من الأطفال اليمنيين يحتاجون لـ "مساعدة ماسة". وتضيف الأمم المتحدة بأن 17 مليون يمني بحاجة ماسّة للمساعدات الإنسانية، وأن قرابة 7 ملايين يعانون من الجوع.

وذكر بيان صدر عن صندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة "اليونيسيف" أن مليونين من أصل 12.5 مليون طفل في اليمن يعانون المجاعة الشديدة، وذلك على خلفية أسوأ انتشار لوباء الكوليرا وسط "أكبر أزمة إنسانية" في العالم.

من جهته، مسؤول الاتصالات في القسم اليمني لـ "اليونيسيف" بسمارك سوانجين، قال إن عدد الأطفال الذين يهدّدهم الموت بسبب المجاعة يتضاعف بسبب الكوليرا، لافتًا إلى أن التداعيات غير المباشرة للأزمة تشكّل خطرًا فتاكًا على القصّر اليمنيين، كما هي تداعيات الصراع المسلّح الدموي المباشر.


الفقر والسلوك
يؤكّد الطبيب النفسي عبد الله الشرعبي، في حديثه لــ "جيل" أن السبب الأوّل للأمراض النفسية هو الفقر وكلما زاد الفقر والجوع زاد المرض النفسي كالاكتئاب والوسواس القهري والإدمان، فعواقب الجوع وسوء التغذية في السنوات الأولى للحياة تظهر في عدم القدرة على التعلّم، وعدم القدرة على النوم، وأعراض كثيرة يصاب بها كثيرون، خصوصًا الأطفال الذين يصابون باضطرابات في السلوك على مدار الحياة".

انعدام الأمن واحدة من المشاكل والأسباب في التأثير النفسي على الأطفال، فالصواريخ التي تطلق من قبل طائرات التحالف العربي ما تزال تهدم بيوت البعض من اليمنيين حتى كتابة هذا التقرير، وصور أطفال في صعدة وتعز تبث على الإنترنت وهم تحت الأنقاض. الطائرات تقتل أحلامهم والمدافع تقض مضاجعهم والدمار يحيط بهم من كل النواحي. يهربون من رائحة الموت المنتشرة خارج منازلهم وملاجئهم ليجدوا صورها على التلفاز أو في الفضاء الإلكتروني، تلاحقهم في يقظتهم وأحلامهم.


الإعاقات والتجنيد
عبثًا يبحثون عن أمن مفقود وعن فسحة تأمل واكتشاف مفردات الحياة من حولهم. لقد فقد أطفال اليمن نعمة الأمن، ونعمة النوم بهدوء، ونعمة اللعب بطمأنينة والدراسة بفرح.

طفلة في الشهر الثامن من عمرها تتمدّد على سرير العلاج وقد بُترت يدها، وطفلٌ آخر في سنته الرابعة يبكي لأنه لا يعرف سببًا مقنعا لفقده يده وقدمه، وثالث في الصف الخامس الابتدائي فقد عينه، ورابع تشوّه وجهه وسادس وسابع، هي صور نراها كل يوم حولنا وعلى شاشة التلفزة العربية والعالمية.

أخيرا، وقبل أيام قليلة دقّت الأمم المتحدة ناقوس الخطر في أحدث تقاريرها عن أطفال في اليمن يتعرّضون للتعذيب والقتل والتجنيد. وتطرّق حقوقيون وناشطون يمنيون لمثل هذه القضايا وما زالوا يطلقون تحذيراتهم بين الحين والآخر.


الحرمان من التعليم السبب الأكبر
يقول الناشط السياسي والحقوقي اليمني توفيق عبد المجيد في حديث إلى "جيل": "لا شيء أوجع في بلادنا حاليًا من مأساة الأطفال الذين وجدوا أنفسهم أمام حرب فتحت عليهم أبواب الويلات، والضغوط النفسية التي أفرزتها الحرب، ورسمت معالم بؤس على حياة الكثير من الأطفال، وخاصّة الذين وقعوا تحت التأثير المباشر لها، كالتجنيد والزجّ بهم في المعارك حيث  فقدوا أطرافهم نتيجة القصف المباشر أو الألغام التي زرعتها المليشيا في أغلب المحافظات والقرى".

ويضيف توفيق "هناك أيضًا من الأطفال من وجد نفسه بسبب الحرب خارج نطاق التعليم، إما لأن مدرسته دمرت أو تحوّلت لثكنة عسكرية، أو لأنّه شرد من قريته ومدينته، وهناك بؤس آخر رسمته الحرب على أطفال اليمن الذين تحول معظمهم إلى باعة أو متسوّلين على الرصيف بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية لأسرهم، ومن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي سيجد عشرات الحالات من الأطفال، وقد أصبحوا ضحايا لهذه الحرب التي لا يعلمون عنها شيئًا سوى أنها أرعبتهم".


النزوح طريق الأطفال الصعب
الحرمان من التعليم، والنزوح المستمرّ، والتشرّد، والجوع، والحرمان من اللعب، كلّها عوامل كثيرة تلعب في التأثير النفسي على الأطفال. إذ يقول مهتمّون ومختصون نفسانيون، بأن هذا التشرّد يترك بصماته على الصحّة النفسية للطفل وتكيفه السلوكي مع المجتمع ويصبح محطّة مؤلمة من محطات حياته يصعب على الذاكرة تجاوزها بسهولة، كما يصعب عليه في المستقبل أن يتناسى آثارها لأنها ولطول فترتها ستصبحُ جزءًا من سيرة حياة مرّة.

المساهمون