أطفال السودان ضحايا الاقتصاد الموازي

13 ابريل 2015
واقع مظلم يعيشه أطفال السودان (Getty)
+ الخط -
اكتمل العام الدراسي وبدأ طلاب المدارس وأسرهم في السودان، التخطيط للعطلة التي تمتد لما يقارب الثلاثة أشهر لتغطي موسم الصيف كله. محمد، طفل لم يبلغ من العمر عشرة أعوام، يقف عند محطة المواصلات وتحت لهيب الشمس الحارقة، وهو ينادي على المارة، ويتصبب من جبينه العرق: "لفة، لفة، لفة... يلا يا مستعجل "، في إشارة للركاب للتوجه نحو محطة المواصلات العامة.

عمل لمساعدة العائلة

يقول محمد لـ"العربي الجديد " إنه يدرس في السنة الخامسة أساسي، ويؤكد أنه حصل على درجات متقدمة خلال الامتحان النهائي، ويوضح أنه عادة يعمل في العطلة لمساعدة عائلته، بعدما توفي والده في حادثة سير قبل ثلاثة أعوام. ويضيف: "والدتي تعمل في ذات المدرسة التي أدرس بها وتقوم ببيع الحلوى للأطفال، في مقابل حصولي على التعليم".

ويذكر أنه يخرج للعمل منذ الساعة السابعة صباحاً وحتى الحادية عشرة ليلاً، وأن كل مهمته أن ينادي على الركاب، ويأخذ منهم أجرة المواصلات وإنزال كل منهم في محطته. ويؤكد أنه يتقاضى مقابل ذلك 50 جنيهاً في اليوم، ويردف: "أسلمها إلى والدتي وتعطيني منها خمسة جنيهات لأشتري الحلوى".

ويرى الخبير الاقتصادي كمال كرار أن قضية عمالة الاطفال انتشرت خلال العقدين الماضيين، بسبب الفقر والحرب والنزوح. ويؤكد أن لهذه الظاهرة أثاراً اقتصادية سيئة، فضلا عن زيادة حجم الأمية بالبلد وخلق عمالة غير ماهرة ومدربة، الأمر الذي يلقي بظلاله على حجم الناتج القومي المستقبلي، ويضيف: "عمالة الأطفال تنعكس على مستوى الأسرة من ناحية زيادة المدخول، وعلى المؤسسات المشغلة كونها تخفض من أكلاف الإنتاج، ولكنها تلحق الضرر الكبير ببنية الإنتاج وبنوعية سوق العمل، وكذلك بمستقبل الاقتصاد الذي يفتقد للكفاءات المتعلمة".

عبدالله ، عمره 12 عاماً وهو من سكان الريف، يقول لـ"العربي الجديد": "نأتي في الإجازات من قريتنا إلى الخرطوم أنا وأبناء عمي للعمل. نستيقظ عند الفجر ونقوم بستئجار "الدرداقة" (حاملة بثلاث عجلات) بعشرة جنيهات، وندخل بها للسوق ونقوم بحمل احتياجات رواد السوق مقابل جنيهين وأحياناً خمسة جنيهات، حسب بعد المسافة التي ننقل بها الحاجيات". ويضيف "في أوقات كثيرة، تنخفض حركة رواد السوق ولا ننجح في تحصيل أي جنيه، وأحياناً نستطيع تحصيل بين 50 و70 جنيهاً".

حال عبدالله ومحمد هو حال عدد كبير من الأطفال في السودان، ممن يستغلون عطلة المدارس السنوية في العمل بالأشغال الهامشية، كباعة متجولين في الأسواق والاحياء فضلاً عن غسل السيارات، إضافة الى أعمال أخرى.

التزام ضعيف بالاتفاقيات
ورغم أن السودان وقّع على جميع الاتفاقيات الدولية والإقليمة الخاصة بعمالة الأطفال، وسن قوانين تحدد العمر المسموح به لعمل الاطفال بـ 18 عاماً، وينص قانون العمل السوداني على حظر العمل نهائياً، للأحداث بين الثامنة مساء والسابعة صباحاً. إلا أن الالتزام بالاتفاقيات والقوانين ضعيف جداً، بسبب العوز والفقر والحروب المنتشرة في أطراف البلاد الغربية والجنوبية، بحيث ينشط الأطفال في السوق الموازية أو السوداء.


وأخيراً بدأت وزارات الرعاية الاجتماعية والعمل والتربية والتعليم تحركات للحد من عمالة الأطفال، بعدما تفاقمت هذه الظاهرة كثيراً. وحظرت وزارة العمل منذ فترة، عمل الأطفال دون سن الثامنة عشرة في مجال التعدين الأهلي في مناطق الذهب، بعدما قام الكثير من المنقبين باستجلاب الأطفال واستغلالهم هناك، باعتبارهم عمالة رخيصة ومستضعفة.

ويقول الباحث الاجتماعي وحيد الدين عبد الرحيم لـ"العربي الجديد"، إنه برغم المحاذير فيما يتصل بعمالة الأحداث وما ورد في القوانين من نصوص تقيد هذه الظاهرة، إلا أننا نجد أطفالاً في سن السابعة والثامنة والعاشرة ينزلون إلى سوق العمل، الأمر الذي يعرضهم لمخاطر كبيرة من الناحية السلوكية، فضلاً عن إحداث خلل في العملية التربوية. ويضيف أن "الطفل يتعلم أشياء مؤذية كتعاطي السلسيون "مادة مخدرة " ويتعرض لضغط وأحياناً للتحرش، إلى جانب التقاطه لثقافات وأعمال لا تتسق مع سنه، الأمر الذي من شأنه أن يخلق جيلاً يحمل سلوكيات سيئة تنعكس على بنية المجتمع في المستقبل".

ويؤكد الخبير الاقتصادي محمد الناير أن عمل الاطفال غير مجاز قانونياً، ويشرح لـ"العربي الجديد "أن الاطفال عادة يقومون بمهن هامشية غير مفيدة للاقتصاد". ويستثني الناير ألاطفال الذين يساعدون أهلهم خلال العطل المدرسية، في مهن غير مرهقة، كونها تؤسس لشخصية مندفعة للإنتاج بعد إنهاء المراحل الدراسية.

إقرأ أيضا: حواجز المليون في سورية
المساهمون