■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
- بدأت علاقتي بـ اللغة العربية منذ سن الطفولة: بدايةً في الشارع من خلال اللعب مع أقراني من الأطفال. بعد ذلك في المدرسة، ثم في جامعة القاهرة، وتحديداً في كلية الآداب؛ حيث ازداد اتصالي باللغة والأدب العربيَّين.
■ ما أوّل كتاب ترجمتِه وكيف جرى تلقّيه؟
- أوّلُ كتابٍ ترجمتُه كان الجزءَ الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ. ومنذ ذلك الحين، قمتُ بترجمة أكثر من خمسة عشر عملاً له. وقد كان ردُّ فعل القارئ باليونانية إيجابياً، حيث أقبلَ بنهمٍ على مطالعة أعمال محفوظ من خلال ترجمتي له إلى اليونانية. وسرعان ما ارتبط اسمي باسم نجيب محفوظ في ذهن القارئ باليونانية. ولهذا السبب، قمتُ بكتابة عمل أدبي كعرفان منّي بالجميل لتلك العلاقة الروحية بيني وبين صاحب "أولاد حارتنا". أيضاً، قمتُ بترجمة أعمال لكتّاب آخرين معاصرين. في الآونة الأخيرة، ترجمتُ بعض الأعمال الشعرية لشعراء من العصر الحديث.
■ ما آخر إصداراتك المترجَمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
- أنهيتُ ترجمة رواية "اللجنة" للكاتب صُنع الله إبراهيم، وأيضاً أنتظر بسعادةٍ بالغة صدور ترجمتي لكتاب "دعاء الكروان" للكاتب الكبير طه حسين.
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجِمة من اللغة العربية؟
- في البداية كانت العقبات التي تواجهني تتعلّق بشكلٍ رئيسي بانعدام خبرتي في الترجمة. كنت أستخدمُ طريقةَ الترجمة الحرفية للنص، كي أكونَ أمينةً في الترجمة. لكن سُرعان ما علمتُ أن المترجِم الجيّد ليس عليه بالضرورة أن يكون أميناً في نقل النص المُترجَم كما هو في لغته الأم، ولكن عليه أن يكون أميناً في نقل روح النص ومضمونه حتى لو تطلّب ذلك إجراء بعض التعديلات أثناء قيامه بالترجمة، كي يستطيع القارئ اليوناني فهم العمل المُترجَم بصورة كاملة. على كلّ حال، عندما أُترجِم من العربية إلى اليونانية أشعر بأنني في مكاني الطبيعي. إنه أمر ممتِع وساحر في الوقت نفسه.
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معيّنَين، ولا يشمل - الفكرُ بقيّةَ الإنتاج المعرفي العربي. كيف تنظرين إلى هذا الأمر، وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
الأزمة الاقتصادية في اليونان جعلت الكثير من دور النشر تُحجم عن القيام بترجمة أعمال أدبية كما في السابق... أصبح اختيار الأعمال محدوداً جدّاً؛ فدورُ النشر أصبحت تطلبُ فقط ترجمةَ الأعمال التي ستدرّ لها ربحا مادياً، وهذا الأمر لا يتماشى، في الكثير من الأحيان، مع رغبة المترجِم وخياراته.
ومع ذلك، فالفكر العربي موجودٌ في النثر والشعر على حدّ سواء، ولهذا فإني أقوم باختيار الأعمال التي تحوي فكراً ورسالة يريد الكاتب أن يوصلهما إلى القارئ بخصوص العالم العربي المعاصر. بالفعل هذه الأعمال تُثبت أن الثقافة العربية الحديثة هي ثقافة مكتملة الأركان، وليست في حاجة لأن تشعر بالغيرة من الثقافة الغربية. على العكس من ذلك، هي تُثبت كيف أثّرت في الثقافة الغربية كما هو الحال بالنسبة لي؛ حيث أنها أثّرت بشكل كبير في أعمالي الأدبية، كما أني كتبتُ العديد من المقالات حول الثقافة العربية الحديثة، ولا أحد يستطيع أن ينكر، مثلاً، دور إدوارد سعيد وأفكاره في ما يخصّ الفكر العربي الحديث.
■ هل هناك تعاونٌ بينك وبين مؤسّسات في العالم العربي أو بين أفراد، وما شكل التعاون الذي تتطلعين إليه؟
- للأسف لا. ليست هناك أية مُساعدة. في الماضي كانت تُوجد مساعدات من خلال "الهيئة القومية للكتاب" و"المركز القومي للترجمة" في مصر. الآن، باتت الترجمة تعمد بشكل أساسي على رغبة ودافع المُترجم لترجمة عمل ما دون مقابل مادي في أغلب الأحيان، أو بمقابل ضئيل جدّاً بالنسبة إلى جهده. وهذا ليس أمراً جيّداً، فالمترجم إنسان لديه احتياجاته، ولا بد أن يكون هناك مقابل مادي للأعمال التي يقوم بترجمتها. أتمنّى أن يتحسّن الوضع في القريب العاجل بالنسبة إلى المترجِم. أعتقد أن الحل يوجد عند بعض البلدان العربية الغنية التي تستطيع بسهولة تمويل مشاريع خاصة بترجمة ونشر الأدب العربي.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
- هناك الكثير من الأسباب، من أهمّها تنوُّع الأعمال الأدبية. أيضاً، لا بدّ أن نذكُر أن العالم العربي يتكوّن من اثنتين وعشرين دولة، وعلى الرغم من أن كل دولة لها تاريخها وحضارتها، إلا أنها جميعاً تشكلّ الهيكل العام للأدب العربي. هذا الأمر لا يحدث في أي مكان آخر في العالم، ربما فقط في دول أميركا اللاتينية، لكن بدرجة أقل. لهذا أعتقد أنه يوجد تشابه بين بعض عناصر الأدب العربي وأدب أميركا اللاتينية.
كما أن اللغة العربية هي لغة فريدة من نوعها، فكل كلمة تحوي الكثير والكثير من المعاني، الأمر الذي لا بد أن يأخذه المُترجِم بعين الاعتبار عند قيامه بالترجمة. أيضاً عليه أن يعرف تاريخ وثقافة اللغة التي يُترجِم منها.
أما في ما يخص الجزء الثاني من السؤال، فإن جميع الثقافات مهمّة ويجب أن نطّلع عليها. أيضاً، فإن التفاعل بين الآداب مهمّ من أجل تطوُّر الإنسان والإنسانية، ومن أجل فهم الآخر، وما يقدّمه من معرفة. كما أن الثقافة العربية تُعدُّ واحدة من أهمّ الثقافات في العالم؛ إذ قدّمت للإنسانية الكثير من المعارف القيمة.
بطاقة
بيرسا كوموتسي كاتبة ومترجِمة يونانية، وُلدت في القاهرة وعاشت في مصر وأكملت فيها دراستها الجامعية، قبل أن تنتقل إلى اليونان. لكن مصر واصلت الحضور كمكان في جميع أعمالها الروائية السبعة. ترجمت إلى اللغة اليونانية قرابة أربعين عملاً من اللغة العربية، من بينها 18 روايةً لنجيب محفوظ حيث اقترن اسمها باسمه. وستصدر لها قريباً ترجمة لرواية "اللجنة" لصنع الله إبراهيم و"دعاء الكروان" لطه حسين.