تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع العربية. " تجاوُز حالة التهميش التي يعيشها المترجم يتطلّب وجود عمل مؤسّسي مدعوم من قِبل الدول"، يقول المترجم الكوسوفي.
■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
- علاقتي الفعلية مع العربية بدأت عام 1972. وقتها زرتُ، لأوّل مرّةٍ، مدينتَي بغداد والبصرة في العراق لمدّة قصيرة، ثم انتقلتُ إلى دراسة اللغة العربية والترجمة في القاهرة سنة 1974.
■ ما أول كتاب ترجمتَه وكيف جرى تلقّيه؟
- أوّلُ كتاب ترجمته هو "الوعد الحق" لطه حسين، وكان ذلك عام 2014، وقد جرى تلقّيه بصورة جيّدة من قِبل القارئ باللغة الألبانية.
■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
- آخر ترجماتي رواية "القرصان" للكاتب القطري عبد العزيز آل محمود، والتي صدرت عن "دار بوزوكو" بالتعاون مع "معهد الدراسات الشرقية" في كوسوفو، وهي روايةٌ تُسهم في فهم القواعد التي رُسمت في الخليج قبل اكتشاف النفط؛ إذ يتّكئ فيها الكاتب على سيرة شخصيةٍ تاريخية هي أرحمة بن جابر الجلهمي (1760 - 1826) التي أحاطتها الذاكرة الشعبية الخليجية بأساطير عديدة ولّدت اختلافات حول تقدير مكانتها. كما أنجزتُ ترجمةً لرواية "الكرنك" لنجيب محفوظ، وهي في انتظار النشر.
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟
- إلى جانب الاختلافات بين اللغتَين الألبانية والعربية في القواعد والأسلوب الكتابي، فإنّ ثراء اللغة العربية بالمفردات ومترادفاتها العديدة، وتعدُّد اللهجات العامية العربية، مسائل تجعل مهمّة المترجم غير يسيرة. ولكن يصبح من السهل على المترجم تجاوز هذه العقبات كلّما زادت تجربته وتمرُّسه في ترجمة الأعمال الأدبية العربية. وما ساعدني على الاهتمام بالترجمة من اللغة العربية هو ذلك الارتباط الوثيق بين الأدب العربي والألباني، نتيجة التاريخ الوثيق الذي يربط الألبانية بالبلاد العربية.
■ نلاحظ أنَّ الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معيّنَين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- صحيح، فالمترجم غالباً ما يكون محكوماً بقوانين العرض والطلب، ويسعى إلى ضمان نشر ترجمته. وفي المقابل، تسعى دُور النشر إلى تحقيق أرباح مادية، ومن شروطها نوعية العمل المترجم، حيث يأتي الإنتاج الأدبي على رأس القائمة. إلى جانب ذلك، وللأسف الشديد، فإنَّ حقول الإنتاج المعرفي الأخرى، تظلّ مجهولة ومهمَّشة لدى القارئ الألباني.
وعموماً، فإنَّ تجاوُز حالة التهميش هذه يتطلّب وجود عمل مؤسّسي مدعوم من قِبل الدول والمؤسّسات المعنية، مثل دُور البحوث والجامعات ومراكز الدراسات وغيرها. كما أنَّ ترجمة كلّ لون معرفي تتطلّب خبرةً ودرايةً به، وهذا أيضاً يشكّل تحديّاً أمام المترجم الذي تمرَّس على ترجمة الأدب، لكن التنقّل بين حيّز الترجمة الأدبية وغيرها من الحقول المعرفية يظلّ في حيّز الممكن.
■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسّسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟
- لسوء الحظ لا يوجد تعاون من هذا النوع، ولا أعلم على من يقع التقصير. ولكن نحن كمهتمّين بالترجمة، نجد أنفسنا في خانة "الأخ الأصغر" الذي ينتظر ويتطلّع إلى أن يهتم به ويلتفت إليه "الأخ الأكبر" في المؤسّسات الثقافية والرسمية المهتمّة بالنشر والتعريف بالثقافة العربية.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهمّ أن يصل إلى العالم؟
- التنوُّع الكبير هو الصفة الجامعة التي يُمكن أن نصف بها الأدب العربي، انطلاقاً من تنوُّع الثقافات والمجتمعات واللهجات العربية من المغرب حتى المشرق، كذلك سعة وعمق المخزون والتجربة الحياتية للمجتمعات العربية، وتعدُّد النظم السياسية واختلاف مستوى الرفاهية. كلّ هذه العوامل جعلت الأدب العربي الصادر في المغرب، مثلاً، يختلف من حيث الشكل والموضوع عن الأدب المصري أو الخليجي أو السوري. السمات السابقة، تجعل من الأدب العربي كنزاً مدفوناً ينتظر من العالم أن يأتي لاكتشافه، وهذا ما نسعى إلى القيام بجزء يسير منه، عبر تجربتنا المتواضعة.
بطاقة
مترجم كوسوفي من مواليد 1952 في بريشتينا. بعد الدراسة الثانوية التحق بـ"جامعة الأزهر" في القاهرة، وتخرّج منها عام 1979. عمل في الإدارة بعد عودته إلى بلاده. ومع انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكّك يوغوسلافيا وما تبع ذلك من تغيّرات شملت دواوين العمل الحكومي، عمل مدرّساً للغة الإنكليزية، قبل أن يعود في 2003 إلى العمل الإداري؛ مديراً لمكتب مفتي عام جمهورية كوسوفا، حتى تقاعده سنة 2017.
صدر له عددٌ من الترجمات من العربية إلى الألبانية؛ هي: "الوعد الحق" لطه حسين (2014)، و"رجالٌ في الشمس" لغسّان كنفاني (2015)، و"قلب الليل" لنجيب محفوظ (2016)، و"القرصان" لعبد العزيز آل محمود (2019). وقيد النشر "الكرنك" لنجيب محفوظ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الترجمة كفعل سياسي
كان صدور "رجال في الشمس" لغسان كنفاني بالألبانية في 2015 بترجمة أيوب رمضاني حدثاً ثقافياً يعيد الاعتبار إلى الأدب والقضية الفلسطينيين. في تقديمه للرواية أشار الشاعر والروائي والسياسي الكوسوفي بسنيك مصطفى، إلى أن ترجمة كهذه تساعد الألبان في معرفة ذاتهم ومأساتهم الجماعية بشكل أفضل، و"بهذا المعنى فإن المترجم يتجاوز حدود العمل اللغوي والأدبي والثقافي البحت ويتحول إلى ناشط اجتماعي وحتى سياسي".
في مقال سابق له في "العربي الجديد"، يُشير الأكاديمي والكاتب الكوسوفي السوري محمد م. الأرناؤوط إلى أنَّ رمضاني قرأ رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني أثناء دراسته في القاهرة خلال السبعينيات، لكنه تذكّرها فجأةً بعد عشرين سنة بعد ما حلّ بالألبان في كوسوفو من تهجير بعد انهيار يوغسلافيا التيتوية، فقرّر في 2006 أن ينقلها إلى الألبانية، ولم تصدر الرواية إلّا في 2015.
ويرى الأرناؤوط أن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت نشاطاً كبيراً في الترجمة من الآداب الأجنبية إلى الألبانية، وبالتحديد بعد سقوط آخر قلعة للستالينية والجدانوفية في أوروبا (ألبانيا)، حيث كانت الترجمة تتم وفق المعايير الماركسية - اللينينية أيضاً، ولذلك حُرم الألبان خلال عقود من التعرّف على الأدب العالمي باعتباره من نتاج "البرجوازية المنحطة".
ومع أن نظام أنور خوجا (1945 - 1985) كان يؤيد سياسياً الفلسطينيين في كفاحهم لأجل حقوقهم واعترف بـ"منظمة التحرير الفلسطينية" وافتتح لها مقراً في تيرانا، إلا أن الأدب الفلسطيني بقي مجهولاً تماماً كما هو الحال مع آداب الشعوب الأخرى. وعلى العكس من ذلك كان النصف الآخر للألبان في يوغسلافيا التيتوية (كوسوفو) قد تعرّف على الأدب الفلسطيني مترجماً إلى الألبانية منذ سبعينات القرن الماضي، ضمن الاهتمام بآداب شعوب دول عدم الانحياز سواء عبر اللغة الفرنسية وغيرها، ثم من خلال اللغة العربية مباشرة مع افتتاح قسم الاستشراق في جامعة بريشتينا عام 1973.