أشياء ما زالت تنقصني

13 اغسطس 2015
لن أطلب منها أن تعيد إليّ قداحتي (Getty)
+ الخط -
بمرور الوقت تفقد الأشياء معناها، تبدو هذه الجملة إنشائية، لكن الدقائق تصبح بالفعل أطول، ومعها تتضاءل أحلامي ورغبتي بلقاء تلك المرأة الغريبة التي نسيت أن تعيد إلي قداحتي، مرة أخرى تتحول إلى هواجس، أذهب يوميا للجلوس في نفس المقهى، اشتريت قدّاحتين، ونسختين من رواية واحدة لنابكوف، تحسبا لأي مصادفات، وشربت فنجانين من القهوة شديدة المرارة، وأنا أفكر بماذا سوف أقول لها إن جاءت؟ هل ستتذكرني أصلا؟.. لا.. لا لن أعرّفها بنفسي، ولن أطلب منها أن تعيد إليّ قداحتي.


أفقت من شرودي على أصوات أصدقائي الذين دائما ما يأتون متأخرين عن ميعادهم كأمور مسلّم بها، ينزعجون ويندهشون من لومي لهم، ثم يبدأون في الحديث عن تجاربهم الجنسية، وقلوبهم المحطّمة، نراقب الفتيات الجميلات وهنّ يدخنّ، ونضرب كفاً بكف نتعجب من تدابير الكون، ونندب حظنا، ونندب ثورتنا، وأحلامنا المجهضة، في شكل ذكريات نسترجعها كعواجيز جاوزوا الخمسين ونحن نلعب الورق، كأنه قد مر عليها خمسة وعشرون عاما، وليس أربع سنوات فقط.

الذي اعتاد الانتظار مثلي يصبح قلبه معلقا برنين الهاتف، بطرقات على الباب، بأعين الناس في الشوارع، بالشبابيك الموصدة بإحكام في شهر يوليو، برفقاء السفر الغرباء، بأقدام ورأس الكابتن خالد قمر، بالفتيات الوحيدات، برمية زهر، بصوت مارسيل خليفة، بالروايات الجديدة والأغاني القديمة، وطرقات سبق وأن لعبنا فيها كرة القدم.

مر ذلك الوقت الذي كنت تتصنع فيه الرصانة واللامبالاة، ولم تعد تمارين الصبر مجدية والمشرحة لا ينقصها القتلى، من يغيب لن يجد ذكرياته، ولا سريره، ولا انطباعاته المتخيلة، ولا ملابسه القديمة، عندما يقرر الرجوع لن يصبح الحنين حنينا، ولا الشوق شوقا، هل انتظرت سبع سنوات؟ ماذا عليك لو أصبحوا ثمانية؟ تسعة؟ عشرة؟ هل ينتظرك أنت أحد؟ هل يجدي أي شيء؟

لم يعد كافيا أن تجلس في المقهى مستغرقا في قراءة أحد كتبك، لن يتذكروك، سيضيع عمرك وأنت تسأل نفسك، تلومها وتندم، ولن تصل إلى إجابة دقيقة، وسيقتلك خجلك وترددك، ستقرر عدم معاودة الاتصال بهم، لكنك ستعاود الاتصال بهم، ولن يجيبوك!

هاتفي يرن، إنه أبي مرة أخرى بعد طول غياب، يخبرني بأنه يريد أن يراني، هو أيضا يعيش وحيدا في محافظة بعيدة، أنا لا أشعر بالحماس الكافي للذهاب، مشاعري ناحيته محايدة، لكنني أرغب في مغامرة، في فعل أي شيء يغير من مزاجي السيئ، ربما سيعرض عليّ أن يزوّجني مرة أخرى ربما يعطيني مائتي جنيه!

(مصر)
دلالات
المساهمون