أسطورة التوت

18 فبراير 2016
شجرة التوت تحمي دمهما المختلط من الضياع فتشربه جذورها(Getty)
+ الخط -
رُويت أسطورة من قرون طويلة تحكي قصة شجرة التوت، وما السبب في تحوّل ثمارها من لونها الأصلي "الأبيض" إلى اللون "الأحمر" وكيف كانت شجرة التوت الشاهد على الجريمة الأولى!


في أحد البلاد البعيدة، هناك شاب وفتاة مغرمان، وليست لهما طموحات فيمن حولهما سوى تركهما يكملان حياتهما سوياً، معاً يستطيعان تحقيق الأحلام، غير أن المجتمع المتمثل في أسرهم -بصفة خاصة- رفض ذلك الاقتران، وعندما حصروا الاختيارات وسلّما إلى قناعتهما بأنها حياتهما وهي لمرة واحده فقط، قررا الهرب.

بعد تحديد الميعاد والمكان، حزما أمتعتهما، وتحركا للغابة مبكراً، وشاءت الأقدار أن تصل الفتاة وبعد لحظات يظهر واحد من الحيوانات المفترسة وبين أسنانه قطعة لحم بقايا من صيد طازج، تخاف الفتاة وتهرب وتُسقط شالاً لها تحت الشجرة، يشمه الحيوان ويتذوقه بين شفتيه وأسنانه المليئة بالدماء وعندما يكتشفه غير صالح للأكل يتركه ويسير في طريقه.

يصل الشاب ويجد "شال" حبيبته مُلقى على الأرض ملطخاً بالدم فيعتقد موتها، فيُخرج خنجراً ويضعه في جنبه حتى يتخلص من حياته، وفي هذه اللحظة تظهر حبيبته وتجده يحتضر فتقدم على التخلص من حياتها هي أيضاً، ويسيل دمهما ويختلط في حضور شجرة التوت، الشاهد الوحيد، والتي تحمي الدم المختلط من الضياع فتشربه بجذورها، وهنا فقط يتحول لون ثمرة التوت من الأبيض للأحمر، كشاهد، لكل الأجيال القادمة، على القصة.

لم أكلف نفسي مجهوداً لأحكي قصة الشاطر حسن وست الحسن، ولا "حواديت" قبل النوم.

ما يشغلني حقاً في تلك القصة هو مرور قرون كثيرة عليها وعلى الرغم من ذلك فالجانب الأكثر ظُلمةً فيها مازال متحرراً، يغتال أرواحاً كثيرة كل يوم.

عادة ما تروى تلك الأساطير كنوع من أنواع "التنفيس" أو التعبير عن الغضب من سلوكيات معينة، وعادة لا تحمل الحل بقدر ما تسلط الضوء على المأساة.

وبرغم أن المأساة مر عليها وقت طويل إلا أن "سلطة المجتمع" في إقامة النماذج الراضي عنها فقط مازالت موجودة، وفي الأسطورة لها صورة افتراض المعرفة بالصالح والضار للشاب والفتاة واستخدام سلطة المنع في التفريق بينهما.

في إحدى اللحظات تخيلت نفسي وشجرة التوت نتحدث سوياً! وأنا في مزيج من الحزن والسخط والغضب أسألها عن سبب صمتها كل تلك السنوات، صمتها عن تكرار قصة تحول ثمارها؟ ولماذا لم تنذر أحدهم؟ لماذا لم توجه التنبيه؟ وإذا كانت فعلت فهل المشكلة لدينا نحن؟..
ضعف السمع مثلاً؟ أم شهوة سلطة؟ أم هذا ما وجدنا عليه آباءنا؟ أم ماذا!

حاولت تجميع كل قواي العقلية في محاولة للوصول لإجابات وافية لكني لم أصل إلا لجواب واحد، عش حياتك كما تريد، فهي واحدة ولك وحدك، وطبيعة الحياة أن تخسر شيئاً في مقابل المكسب، لذا قررت أن تكون تلك الخسارة في "المعيقات للتنفس"!

الكلام جميل، فباستطاعتك التمرد على القيود بالكلمات بكل بساطة، وأيضاً بالفعل، لكن المشكلة الحقيقية هي التزام المشاحنة باستمرار وحُمق وصاية من ليس له الحق فيها، فكل شخص يستطيع فعل ما يريد، لكن لماذا يحكم على البعض أن تسير حياته كرحلة الصيد يقتنص فيها حقوقه الأساسية -خاصة الخصوصية والاختيار- بعد معركة؟

كل المجهود الهادر من حياتنا يمكن توجيهه والاحتفاظ به لشيء أكبر من مجرد إقناع المجتمع والأهل أنها حياتنا فدعونا، والرأي ليس واجب التنفيذ.

التفاصيل الصغيرة في حيواتنا هي التي تصنع حياتنا كاملة، ووضع التحفز هذا قد يصنع بشراً لا يتحملون حتى الكلمة من كثرة الضغط التي قد تولد الانفجار في أي لحظة.

ولا حياة لمن تنادي!

(مصر)
دلالات