يرفضُ عبد الله ولد السداتي (17 عاماً) أن يطلع أي شخص على هاتفه. بالنسبة إليه، فهو ملكية خاصة جداً. في داخله أسرار لا يقبل أن يكشفها أحد، وحتى والداه. يقول: "هذه خصوصيتي. في أوقات فراغي، أتحدث من خلاله مع أصدقائي. في أحيان كثيرة تحاول والدتي معرفة ما في داخله لكنني أمنعها، وأحرص على استعادته بسرعة حين تستعمله لمكالمة هاتفية".
في الوقت الحالي، يستخدم رقماً سرياً لمنع أي شخص من الاطلاع على محتوياته. يضيف: "هذا لا يعني أن في داخله فضائح أو صوراً. لكن من الطبيعي أن يكون هناك أغنيات ومقاطع فيديو يتداولُها الشباب". وعادة ما يحفظ الشباب في هواتفهم صوراً ومقاطع فيديو كثيرة، ويحرصون على تبادلها في ما بينهم للتسلية.
وبالإضافة إلى الصور ومقاطع الفيديو، تجد أغاني كثيرة في هواتفهم، يحمل بعضها طابعاً كوميدياً، أو سخرية من الفئات الشعبية المهمشة. وقد تشعر أن هناك منافسة في ما بينهم، إذ يسعى كل واحد منهم لامتلاك أكبر قدر من الأغنيات أو الرنات الغربية، وخصوصاً تلك التي تتضمن ايحاءات جنسية. هناك أيضاً صور ومقاطع فيديو تشجع على العنف والكراهية والعنصرية.
وبعيداً عن رقابة الأهل، يتبادل الشباب "أسرار هواتفهم الشخصية". وأحياناً، يتفاخرون بالحصول على صور حصرية لأشخاص في أوضاع حميمة، أو صور مفبركة لشخصيات مشهورة. وتساعد بعض المواقع الإلكترونية في انتشار هذه الظاهرة بسبب التطبيقات المجانية.
في السياق، يقول أحمد ولد صال سي إن "هواتف الشباب كنز من الأسرار الشخصية التي تعكس ذوق وشخصية صاحبها. هي أيضاً ذاكرة تحفظ كل ما يهم الشخص، عدا عن كونها مكتبة صوتية". يعترف أنه يحفظ في هاتفه "صوراً مثيرة وأغنيات هابطة، ويمضي غالبية أوقات فراغه في مشاهدتها وتجديدها من حين إلى آخر". يصف الأمر بـ "الموضة بين الشباب بهدف الاستمتاع. هذا حال جميع الأجيال. على سبيل المثال، كان الشباب مدمنين على المجلات الإباحية والأفلام الممنوعة، فيما نجد تسليتنا اليوم في الهواتف المحمولة".
ويرفض أن يطلع أحد على هاتفه خشية اكتشاف ما يحتويه، مشيراً إلى أنه أصبح لدى بعض الشباب هاجس يتمثل في الحصول على صور فتيات والتفاخر بها في هواتفهم. برأيه، فإن هذه التسلية من خلال الهواتف لا تعني انتهاك خصوصية الآخرين.
اقرأ أيضاً: صانعات الألبان في موريتانيا
لعل أخطر ما في هذه الظاهرة هو تصوير عائلات وفتيات على الشاطئ أو في المنتزهات، ونشر هذه المقاطع والصور على المواقع وتحميلها على الهواتف. وتجدر الإشارة إلى أنه في الآونة الأخيرة، انتشرت فيديوهات لفتيات بعض العائلات المعروفة في موريتانيا. أيضاً، انتشرت صور لنساء عاريات أثناء تجريبهن ملابسهن، وأخرى لفتيات يرقصن وهن في كامل زينتهن. حتى أن الشباب لم يترددوا في وضع الاسم الثلاثي للفتيات وعناوينهن وأرقام هواتفهن.
من جهته، يؤكد سيدي محمد ولد أعل (29 عاماً)، وهو صاحب محل للكمبيوتر، أن عدداً كبيراً من الشباب يطلبون منه تنزيل صور وأفلام إباحية على هواتفهم، بالإضافة إلى مقاطع فيديو حديثة لأعراس خاصة في البلاد. وتجدر الإشارة إلى أن البعض يملكون صوراً التقطوها لفتيات خلسة. يضيف أن "الشباب لا يدركون أن هذه الأمور خطيرة في مجتمع محافظ كالمجتمع الموريتاني، لأنها قد توصلهم إلى السجن، أو يعمد أهل الفتاة إلى الانتقام منه".
في هذا الإطار، يقول الباحث في علم الاجتماع ناجي ولد محمد عالي لـ "العربي الجديد" إن كثيراً من الشباب يستخدمون الهواتف والكاميرات الرقمية بهدف انتهاك خصوصية الناس بدافع التسلية ونشر الفضائح. يضيف أن "أضرار تقنية الاتصالات كثيرة، لكن أخطرها هو الاستخدام السيئ للهاتف النقال، وخصوصاً من قبل الشباب الذين يجدون في التصوير الفاضح طريقة للابتزاز والتشهير. ويتفاخرون بكم الصور والأفلام التي تحتويها هواتفهم النقالة".
يتابع أن الهواتف النقالة "تتضمن تقنيات متطورة، لافتاً إلى أن تركها في أيدي الصغار من دون رقابة يمكن أن يشكل خطراً كبيراً. يضيف أن "الكثير من الآباء يعتبرون أن الهاتف وسيلة اتصال فقط، ويحرصون على اقتناء أحدثها من دون دراية بخطورتها ومساوئها". ويرى الباحث أن الاستغلال الأمثل للتكنولوجيا لا يكون بهذه الطريقة، واصفاً الظاهرة بـ "غير اللائقة في المجتمعات المحافظة". ويدعو إلى توعية الشباب حول مخاطرها وأضرارها.
اقرأ أيضاً: سياحة تحت نخيل موريتانيا