استمع إلى الملخص
- في بلدة ميس الجبل، أدى القصف اليومي إلى دمار كبير، بينما تضررت مدافن الطائفة المسيحية في رياق، مما تطلب جهودًا كبيرة لإعادة ترميمها.
- تستمر الانتهاكات الإسرائيلية في لبنان وغزة، حيث تستهدف المقابر منذ بداية حرب غزة في أكتوبر 2023، مما يزيد من معاناة الأهالي والأوضاع الإنسانية المتردية.
لم يرحم جيش الاحتلال الإسرائيلي الأموات في لبنان، بل لاحقهم إلى مثواهم الأخير، واستهدف الطيران الحربي مدافن اللبنانيين في أكثر من منطقة وبلدة بشكل مباشر أو غير مباشر. وخلّفت الاعتداءات الإسرائيلية أضراراً جسيمة في بعض المدافن التي اقتُلعت بشكل كامل بواسطة الجرافات، في حين تطايرت الأضرحة والتوابيت ورفات وعظام الموتى في مدافن أخرى، وباتت بحاجة لإعادة بناء وترميم متكامل. واقتصرت الأضرار في بعض المقابر على تشقق الجدران أو تكسر الأبواب.
وأثار مشهد جرف وتدمير وقصف عدد من المدافن، آخرها في العديسة وعيناثا (الجنوب) وغيرهما، حالة من الغضب والسخط بين الأهالي الذين تضررت قبور أجدادهم أو آبائهم وأحبائهم، وبرزت تساؤلات حول الهدف الحقيقي خلف استباحة جيش الاحتلال للمقدّسات وحرمة الموت، سواء من خلال استهدافه دور العبادة أو المدافن. ويكشف رئيس بلدية يارون (قرية جنوبية حدودية)، علي تحفة، لـ"العربي الجديد"، أن "الاستهداف الإسرائيلي لمدافن البلدة كان يتم بشكل يومي، قبل أن أغادر البلدة مؤخراً"، ويوضح أن "العدو الإسرائيلي قصف المدفن الجديد للطائفة الشيعية، وهو المدفن المستحدث بعد عام 2000، والذي يقع عند الحدود الشرقية للبلدة، أي عند الحدود مع فلسطين المحتلة. وأصيب هذا المدفن بأضرار جسيمة كونه يشرف على الحدود، كما تم تدمير بعض الأضرحة بشكل كامل، ومن ضمنها أضرحة جديدة. واستُهدف مدفن آخر في البلدة للطائفة الشيعية، وهو مدفن قديم أصيب ببعض الأضرار".
يستهدف العدو الإسرائيلي الأحياء والأموات وأماكن العبادة وكل ما ينبض بالحياة
ويأسف تحفة للأضرار التي لحقت بأضرحة والدته ووالده وعمه وأصدقائه في المدفن الحديث، ويقول: "العدو يستهدف الأحياء والأموات والمساحات الخضراء وأماكن العبادة وكل ما ينبض بالحياة، وكأنه على عداء مع الحياة. وهو لا يفرق ولا يميز، حيث نجده يستهدف الكنائس والجوامع في الوقت نفسه، كما فعل في حرب يوليو/ تموز 2006. كما يقصف المرافق العامة والدور الثقافية، لكننا سنصبر على أوجاعنا، على أمل العودة إلى أرضنا، حيث سنقوم حينها بترميم المدافن وإعادة إعمار كل ما هدّمته آلة القتل والدمار الإسرائيلية".
أحد مواطني بلدة بليدا (قرية جنوبية حدودية)، فضّل عدم الكشف عن هويته، يوضح لـ"العربي الجديد"، أن رئيس البلدية "يعاني من وضع عائلي خاص، وهو غير قادر على التصريح الإعلامي"، ويكشف أن "بلدة بليدا تضم مدفنين للطائفة الشيعية، وقد أظهرت الصورة الجوية التي وصلتنا أن العدو الإسرائيلي جرف القبور في المدفن الجديد لجهة الشرق، والذي يضم أضرحة الشهداء وعدد من أهالي البلدة، لكن لم يتمكن أحد من معاينة المدفن على أرض الواقع لتقدير حجم الأضرار. أما المدفن الآخر، فهو مدفن قديم لجهة الغرب، تعرّض سابقاً للقصف الإسرائيلي، ولا نعرف اليوم إن كان لا يزال قائماً أم تمّ جرفه".
من جهته، يقول رئيس بلدية ميس الجبل (قرية جنوبية حدودية)، عبد المنعم شقير، لـ"العربي الجديد": "لم تردنا بعد معطيات دقيقة بشأن جرف المدافن، ولا نعرف حتى تفاصيل بشأن الدمار الحاصل في البلدة لأن جميع الأهالي نزحوا. لكن ما يمكن قوله إن القصف والضرب يتم بشكل يومي، وحجم الدمار والخراب كبير. وفي حال جُرفت مدافن البلدة، فهذا ليس بجديد على العدو الإسرائيلي. مَن يهجّر الناس ويقصف المدنيين وحتى الأطفال والنساء والشيوخ، ويدمّر المنازل ويضرب المدارس والمساجد والحسينيات ومراكز العبادة، لا يمكن أن نتفاجأ عندما يستهدف الأضرحة والمدافن".
بدوره، يشير خوري رعية مار مخايل في بلدة رياق (البقاع)، الأب جورج صدقة، إلى أن "الاستهداف الإسرائيلي لم يكن مباشراً للمدافن، إنما تم قصف عدد من المباني السكنية المحاذية العائدة لحزب الله. لكن جراء قوة القصف تساقطت أعمدة من تلك المباني على عدد من مدافن الطائفة المسيحية". يتابع في حديثه لـ"العربي الجديد": "أصيب نحو أربعة مدافن بأضرار جسيمة وبدمار كامل، حتى أن التوابيت برزت للعلن، في حين اختلّت البنية الهندسية لنحو 15 مدفناً، أصبحت اليوم بحاجة إلى الهدم وإعادة البناء، ما يتطلب أكثر من مائة ألف دولار أميركي وفق التقييم الأولي لتغطية تكاليف الترميم وإعادة البناء وتشييد جدار الدعم الكائن بين المدافن والمباني السكنية التي لحقت بها الأضرار الجسيمة. كما أن نحو 30 مدفناً إضافيّاً أصيبت بأضرار طفيفة من تكسّر الأبواب أو تشققات في الجدران".
ويلفت صدقة إلى أنهم قاموا برفقة عدد من شباب البلدة بـ"تنظيف المدافن المتضررة على مدى يومين، وجمع ما أمكن من عظام الموتى ووضعها في توابيت جديدة وفي المدافن التي لم تتضرر". يضيف: "سنواصل العمل لإزالة الردم والركام عن المدافن الأخرى ولملمة ما تبقى منها، خصوصاً أن الأهالي ممتعضون مما حدث، وتأثروا كثيراً لما أصاب أضرحة أمواتهم وأحبائهم". ويختم حديثه قائلاً: "لا الأحياء ولا الأموات مرتاحون في لبنان، فالأضرار تطاول الجميع ولا تفرّق بين المذاهب والطوائف. ونحن بدورنا نعيش قلقاً يوميّاً من أن يتم استهداف المنطقة بالقصف والصواريخ، ونشهد وقوع انفجارات متكررة، وقد أصيبت المرة الماضية كنيسة في البلدة، بطريقة غير مباشرة، وكذلك بعض المنازل".
يُذكر أن الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مركزاً للهيئة الصحية الإسلامية في منطقة الباشورة (وسط بيروت)، منذ نحو فترة، طاولت أضرارها جزءاً من المدافن المجاورة. هذا، ويعكف الجيش الإسرائيلي منذ بداية حرب غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، على تجريف واستهداف المقابر في غزة، وتستمر انتهاكاته في لبنان على نحو مماثل.