أسرار زيارة السبهان للرقة والخرائط الكردية للمحافظة وشراء الأراضي

22 أكتوبر 2017
ما تبقى من دوار الدلة وسط الرقة (العربي الجديد)
+ الخط -
تنقل مصادر "العربي الجديد" من داخل الرقة، مدينةً ومحافظة، صورة قاتمة لما ينتظرها، إذ لا تلوح في الأفق إعادة إعمار قريبة، بينما تخطط قيادة القوميين الأكراد في سورية لتوسيع نفوذها في هذا البلد إلى المحافظة ذات الغالبية العربية، وتضع لهذا الهدف خرائط جديدة لنفوذها المستقبلي. أما زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، إلى الرقة، الأربعاء الماضي، برفقة مبعوث الرئيس الأميركي الخاص في "التحالف الدولي"، بريت ماكغورك، والصور التي بثتها وكالات الأنباء، فلا تبدو بعيدة عن العناوين العريضة المذكورة أعلاه.

وقال مصدر خاص من الرقة لـ"العربي الجديد"، فضل عدم الكشف عن اسمه، إن الوزير السعودي سلك طرق الخطوط العسكرية لـ"التحالف" للوصول إلى الرقة، إما عبر العراق، أو عبر الأردن، فسورية، مؤكداً أن السبهان لم يدخل من تركيا إلى الرقة. وأضاف أن هدف الزيارة الأساسي ليس الإعلان عن تقديم الدعم للنازحين من الرقة، بل لاستلام عدد من عناصر "داعش" السعوديين، والذين يتراوح عددهم بين 20 و30 عنصراً، بحسب الأرقام المتداولة. وبيَّن أن السبهان وعد أثناء تسلمه عناصر "داعش" ذوي التابعية السعودية بإعادة تأهيل بعض المشاريع الخدمية في محافظة الرقة.

وليس بعيداً من ذلك، أكد محللون سياسيون على وسائل إعلام عربية مختلفة، أن للزيارة أبعاداً تتجاوز حتى استلام عناصر سعودية منتمية إلى "داعش". وأشاروا إلى أنه من غير المؤكد أن لدى السعودية استعداداً في هذه المرحلة لتقديم أموال للمساهمة في إعادة الإعمار من دون ترتيبات دولية، ومؤتمر إقليمي أو دولي، تلتزم فيه دول عدة بتقاسم العبء المالي الكبير لإعادة الإعمار. ورجّحوا أن يكون ذلك المؤتمر في حال عقده، شاملاً، بمعنى أنه لن يكون خاصاً بالرقة، بل بإعادة إعمار كامل المدن السورية التي تعرضت للتدمير.

وقارن هؤلاء المحللون بين ما جرى للموصل من تدمير، وعدم التئام أي مؤتمر تحضيراً لإعادة إعمارها، وبين التسرع في الحديث عن إعادة إعمار الرقة، في إشارة إلى مهمة السبهان الاستخباراتية، على الأقل كونه يشغل منصب "وزير الدولة لشؤون الخليج العربي"، والرقة ليست ضمن نطاق المسمى الوظيفي للرجل. أما عن مغامرته بمرافقة قادة أكراد في "قوات سورية الديمقراطية"، فإنها ستترك أثراً سلبياً لدى الجانب التركي تحديداً. وقد تكون مصاحبة بريت ماكغورك للوزير السعودي رسالة مزدوجة للأميركيين والروس معاً، على خلفية صفقة صواريخ "أس 400"، التي جرى الحديث عنها أثناء زيارة الملك سلمان إلى موسكو أخيراً، ومقارنتها بصفقة مفترضة لشراء المملكة صواريخ "ثاد" الأميركية، خاصةً أن الصفقتين لا تزالان حبراً على ورق، ولم تدفع المملكة ثمن أي منهما.

لغز الصفقة الفرنسية
وفي ما يتعلق بلغز خروج عناصر "داعش" الأجانب، وعن الطرف الذي قاد المفاوضات مع التنظيم، وإلى أين وصل عناصر "داعش"، قال مصدر لـ"العربي الجديد" من الرقة، إن العناصر سلكوا اتجاهات عدة، وإن بعضاً منهم تم نقله إلى بادية دير الزور شمال الفرات، وبعضاً منهم استسلم لقوات "التحالف الدولي" و"قوات سورية الديمقراطية"، فيما استطاع عدد منهم الوصول إلى مناطق "درع الفرات" وعبروا إلى تركيا، ومنهم من ذهب إلى البادية السورية ما بين حمص وتدمر والبوكمال، حيث توجد قوات النظام السوري. وأكد المصدر أن كلاً من عناصر "داعش" الأجانب ذهب حسب تابعية جنسيته، نافياً خروج أي منهم برفقة دروع بشرية من المدنيين في الرقة. وقال "لم يكن خروجهم بحاجة إلى دروع بشرية، لأن من خرجوا من الرقة في اتجاه منطقة شمال الفرات في دير الزور عقدوا صفقة سلموا فيها بعض رعايا الدول المؤثرة إلى مسؤولين في استخبارات هذه الدول"، وفق تأكيد المصدر.

وكانت الأخبار الواردة من منطقة الرقة خلال الأسبوع الماضي، تحدثت عن قيام الطرف الفرنسي الممثل في "التحالف الدولي" بالتفاوض مع عناصر "داعش" الأجانب، بمن فيهم الفرنسيون، فيما تولى وجهاء عشائريون ترتيب استسلام عناصر "داعش" السوريين.

في غضون ذلك، أعلن مصدر لـ"العربي الجديد" أن الإدارة الأميركية ليس لديها الآن أي خطة لإدارة مدينة الرقة، مضيفاً أن "تصريحات الأميركيين كانت تقتصر على الجانب العسكري، وأن كل الوعود كانت خاوية وهدفها خدمة المعركة لا أكثر". وقال "لا أظن أن الولايات المتحدة ستُعطي دوراً مهماً للواء ثوار الرقة في هذه المرحلة، ولا مستقبلاً، ولا لأي جهة أخرى محسوبة على المعارضة والثورة (السورية)"، مشيراً إلى أن هذا الأمر حسمته واشنطن منذ بداية الحملة قبل عام تقريباً. وأوضح أن "أميركا والتحالف سعيا إلى تعقيد الأمور أكثر على جميع الأصعدة منذ البداية، انتهاء بإخراج أهل الرقة من المدينة، وتدميرها كاملة"، على حد تعبيره.

"إعادة الإعمار"
وعقَّب مصدر مطلع على الحديث عن دور الاتحاد الأوروبي في إعادة الإعمار، نافياً وجود أي توجه أوروبي في هذا الاتجاه. وقال لـ"العربي الجديد" إن "الاتحاد الأوروبي لن يساهم في إعادة الإعمار". وأضاف "هذا الإحجام الأوروبي أربك أميركا كثيراً"، متوقعاً أن يتخذ الأميركيون موقفاً مشابهاً للموقف الأوروبي حين تتسلم الخارجية الأميركية ملف الرقة، وملف سورية، من وزارة الدفاع، مرجعاً اعتقاده هذا إلى كون الطرفين "يشترطان التغيير السياسي في سورية أولاً".

وفي ما يتعلق بالمرحلة التالية للسيطرة على الرقة، قال المصدر ذاته إن طبيعة المرحلة الجديدة ستبدأ مع الانتهاء من الحرب على "داعش" حسب التفاهم الدولي، وخاصة بين الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي. وأوضح أنه "سيتم العمل على تمكين مؤسسات الدولة لتعود إلى العمل في كامل الأراضي السورية، يستثنى منها الجيش والأمن، لتبدأ بعدها مرحلة التغيير السياسي"، بحسب تعبيره.

حجم الدمار
وبدأت معركة حصار الرقة في 6 يونيو/حزيران الماضي، تعرضت خلالها المدينة لـ3829 غارة جوية، وآلاف القذائف المدفعية، قُتل فيها 1873 مدنياً حتى بداية أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وفق تقديرات حملة "الرقة تُذبح بصمت". لكن الحملة قدرت نسبة الدمار بـ90 في المائة من المدينة. وهذا ما نفاه المصور الصحافي، عبود حمام، الذي يزور الرقة بشكل يومي في الأيام الأخيرة، ضمن وفد إعلامي، بمرافقة عنصر من "قوات سورية الديمقراطية". وقدر حمام نسبة الدمار ما بين 40 و50 في المائة، معيداً تخبط التقديرات إلى حجم الركام، وحجم الصدمة، وعدم توافر صور بانورامية، وصور سابقة، يتم المقارنة بينها. وأضاف أن عودة النازحين ستستغرق أسابيع طويلة قبل سماح "سورية الديمقراطية" بذلك، في انتظار تمشيط المدينة، ونزع الألغام، وإزالة الركام من معظم شوارع المدينة. وتحدث حمام عن مهمته الصحافية، إذ يقيم مع مجموعة صحافيين في ناحية عين عيسى شمال الرقة، يتوجهون صباح كل يوم، منذ الثلاثاء، بإذن رسمي من "قوات سورية الديمقراطية"، وبمرافقة عنصر منها، ومع حلول الساعة الثانية ظهراً بالتوقيت المحلي (12 بتوقيت غرينتش) عليهم المغادرة والعودة إلى عين عيسى.


شراء الأراضي
وبالتزامن مع نهاية معركة الرقة التي أعلن عنها قادة "سورية الديمقراطية"، يوم الجمعة، أفادت مصادر محلية في كل من ناحية عين عيسى، وقرى تابعة لها، عن حركة شراء لأراض زراعية، وعقارية، يقوم بها أفراد أكراد، وبسعر بلغ ضعف سعر وحدة المساحة بالقياس إلى أسعار عام 2011، ومنها أرض عقارية في عين عيسى مساحتها 400 متر مربع اشتراها شخص كردي بسعر 25 مليون ليرة سورية (أكثر من 52 ألف دولار)، وأرض زراعية (غير معروفة مساحتها) في قرية المهرة شمال عين عيسى، بسعر يعادل ألفي دولار أميركي للهكتار.

إلى ذلك، ثمة خرائط كردية متداولة في شرق سورية، تتضمن كل منطقة تل أبيض، وصولاً إلى قرية تل السمن التي تبعد 40 كيلومتراً شمال الرقة، بحدود مشتركة مع تركيا تمتد 70 كيلومتراً. ويأتي ذلك على الرغم من أن عدد القرى التي تتبع إدارياً لمنطقة تل أبيض يصل إلى 630 قرية، بينها فقط 27 قرية كردية صافية تقع كلها غرب مدينة تل أبيض لجهة عين العرب (كوباني).

وكان الناطق باسم "قوات سورية الديمقراطية"، العميد طلال سلو، قد أكد يوم الجمعة، في خطاب إعلان السيطرة على الرقة، أن هذه القوات ستحمي وتدعم "مجلس الرقة المدني" الذي سيحكم المدينة ضمن ترتيبات مستقبلية لسورية اتحادية لا مركزية، و"ستدافع عنها" ضد أي "عدوان" من أي طرف، ما يعني أن الخطاب السياسي لم يقل حتى اليوم صراحةً إن مدينة الرقة تنتمي إلى غرب كردستان، أو "روج آفا"، حسب الأدبيات الكردية المستجدة.

ومساحة منطقة تل أبيض تعادل تقريباً نصف مساحة محافظة الرقة البالغة 19.620 ألف كيلومتر مربع (11 بالمائة من مساحة سورية البالغة 185.180 ألف كيلومتر مربع). لكن الكثافة السكانية قليلة في المحافظة إذا تم استثناء مدينة الرقة، بعدد سكان لا يتجاوز 1.1 مليون نسمة (2011)، منهم حوالي 200 ألف نسمة في منطقة تل أبيض كلها (حوالي عشرة آلاف كيلومتر مربع)، ونصيب مدينة تل أبيض منها لا يتجاوز 25 ألف نسمة في عام 2011.