وتكشف مصادر حكومية مصرية أن صفقة جرارات القطارات "حسمت بقرار سياسي، وليس بقرار اقتصادي"، في إطار رؤية الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لتنويع رؤوس الأموال الأجنبية التي تتعاون معها الحكومة المصرية في مشروعاتها الكبرى، بهدف أن تكون للقاهرة علاقات اقتصادية بشركات كبرى ودوائر اقتصادية واستثمارية مؤثرة في كل من الدول التي يعنى السيسي بدعمها له، سياسياً واقتصادياً. وتوضح المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة عندما بدأت التفكير في صفقة الجرارات تواصلت مع عدد من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا وإيطاليا وفرنسا وهولندا، وجاءت العروض الأفضل منتصف العام الماضي من شركتي "جنرال إليكتريك" الأميركية و"سيمنز" الألمانية، إلا أن العرضين كانا متباينين تماماً من حيث المميزات التي ستحصل مصر عليها جراء التعاقد. فبينما اهتمت الشركة الأميركية بإطالة فترة التعاقد إلى 15 سنة، وتقديم دعم فني وقطع غيار طويلة الأجل، اهتمت الشركة الألمانية بأمر آخر وهو الدور الاجتماعي للصفقة، فعرضت على القاهرة أن تبرم عقداً مع مصنع تابع لوزارة الإنتاج الحربي، بحيث تنقل إلى مصر خبراتها الهندسية والمواد الخام والأجزاء التي يتعذر إنتاجها في مصر، وأن تبدأ مشروعاً مشتركاً مع ذلك المصنع المصري لإنتاج جسم الجرار في مصر، بمواد خام مصرية أساساً، ما يعني توفير ملايين الدولارات في بند المواد الخام، وتوفير مئات من فرص العمل المؤقتة، وإنعاش الطلب من بعض مصانع الحديد والصلب المصرية.
وتضيف المصادر: "لم تجد الحكومة المصرية صعوبة في اكتشاف أن العرض الألماني، من الناحية الفنية والاجتماعية والاقتصادية أيضاً أفضل بكثير من العرض الأميركي، إلّا أن تزامن المشروع مع نجاح دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية، وكذلك تولي شركة سيمنز الألمانية نفسها تشغيل وإدارة مشروعات زيادة إنتاج الكهرباء على مستوى الجمهورية، جعل السيسي والمسؤولين المختصين يفضلون منح المشروع للشركة الأميركية لأسباب سياسية بحتة، تتمثل في ضرورة تنويع مصادر الاستثمار والشراكة الأجنبية في المشروعات الحكومية". وبحسب المصادر ذاتها، فإن القاهرة كانت قد حسمت أمرها بمنح المناقصة، بالأمر المباشر، للشركة الأميركية منذ بداية العام الحالي، لكن حدثت خلافات بين الجانبين حول موازنة المشروع، بسبب اختلاف سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، على خلفية قرار تعويم العملة المحلية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهو ما عطل إبرام العقود لعدة أشهر، حتى صدر قرار أميركي، في أغسطس/ آب الماضي، بتجميد وتأجيل بعض المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر، فأسرعت الحكومة خطواتها لإبرام التعاقد، على أمل أن يساهم توقيت التعاقد في تخفيف حدة التوتر بين البلدين.
ويعكس حديث المصادر استخدام السيسي وحكومته لعقود الشراكة مع المستثمرين الأجانب كأداة للتقرب من الدول الأجنبية وإرضائها، وهو أسلوب انتهجه السيسي بانتظام منذ صعوده للسلطة، فأسند إلى شركة "روس آتوم" الروسية تنفيذ وتشغيل وإدارة محطة الضبعة النووية تقرباً من موسكو، على الرغم من المعارضة الشعبية والتقنية لإنشاء تلك المحطة، والحديث عن ضعف مردودها مقابل ما ستتكبده مصر من أموال نظير الاقتراض طويل الأجل من روسيا لتمويلها، فضلاً عن شراء مصر مقاتلات من طراز "ميغ 29" وطوافات من طراز "كا 52 كا". كما منح السيسي الشركات الألمانية، وأبرزها "سيمنز"، عقوداً لإنشاء ورفع كفاءة محطات الكهرباء الرئيسية على مستوى الجمهورية، ومكنها من إنشاء شركات بالمساهمة مع الجيش، بقيمة إجمالية تخطت 8 مليارات يورو. ويعتبر مراقبون أن هذا التعاقد هو حجر الأساس في اعتراف برلين بشرعية السيسي، واستضافته مرتين، وزيارة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إلى القاهرة في مارس/ آذار الماضي، وتراجع ضغوط ألمانيا على مصر لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، واقتصارها على ضمان السماح لمنظماتها الإنسانية بالعمل في بعض المشروعات، بالتعاون مع الوزارات المصرية المعنية. وبعد ذلك تم الاتفاق على شراء مصر غواصتين من طراز "تايب 42-209". وفي الوقت نفسه، حصلت شركة "إيني" الإيطالية العملاقة للنفط والغاز على حق تشغيل وإنتاج الغاز الطبيعي من حقل "ظهر" العملاق، ليضاف إلى سلسلة مشروعاتها في مصر، والتي جعلت منها الشريك الأساسي للقاهرة في ذلك المجال، ساحبة البساط من شركة "بريتش بتروليوم" البريطانية، خصوصاً على صعيد الحقول المكتشفة حديثاً. وسبق أن قالت مصادر دبلوماسية، لـ"العربي الجديد"، إن صفقة عودة السفير الإيطالي إلى القاهرة، جيامباولو كانتيني، رغم عدم تحقيق تقدم في تحقيقات مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، كانت قائمة في جزء منها على منح تسهيلات ومزايا إضافية لعملاق الطاقة الإيطالي. أما فرنسا، فكان نصيبها من عطاءات السيسي 950 مليون يورو، مقابل شراء حاملتي الطوافات من طراز "ميسترال"، والمحتمل حالياً أن يتم تأجير واحدة منهما إلى روسيا، خصوصاً بعدما امتنعت باريس عن بيعهما إلى موسكو مقابل 900 مليون يورو فقط لأسباب سياسية. كما اشترى السيسي من باريس 24 طائرة مقاتلة من طراز "رافال" مقابل 5.2 مليارات يورو، في ظل تراجع الطلب العالمي عليها.