ينتهي العام، ويبدأ كثيرون بإعلان اختياراتهم السينمائية المفضَّلة فيه. هذا تقليد متّبع في الغرب. عربٌ كثيرون يمارسون اللعبة نفسها، وهي مسلّية وجميلة، وتمتلك شيئًا من حِرفية مهنة الصحافة السينمائية. للناقد رأيٌ وموقفٌ وحضورٌ في هذا كلّه. المسألة برمّتها معقودةٌ على أرشفة واستعادة. الأرشفة معنيّة بالمعلومة. الاستعادة مرتبطة بمزيج التحليل والمزاج والقول الذاتيّ. لكن كثيرين يكتفون بلوائح تضمّ عناوين الأفلام فقط.
أبرز ما في هذا المجال متمثّل باختيار أفضل فيلم مُشَاهَد، أو بلائحة تضمّ 10 أو 20 فيلمًا مُصنّفًا في الفئة نفسها. هذه خيارات شخصية ـ ذاتية ـ فردية. مجلات سينمائية غربية تعتمد أحيانًا استفتاءات جماهيرية، أو ترتكز على أعلى الإيرادات، أو تستنتج الخلاصة وفقًا لكتابات نقّاد وصحافيين ومواقفهم وآرائهم وتحليلاتهم، أو تنشر لوائح بعناوين الأفلام المفضَّلة فقط. الاشتغال العربي مشابه، وإنْ يكن هناك التباس في الخطّ المخفيّ بين مُشاهَدات و"ترجمات"، وهذا جزئيٌ لا عام.
أبتعد عن مسائل كهذه. أطمح إلى نقاشٍ يتناول مسائل وقضايا ومفردات ومعالجات وآليات اشتغال. أسأل عن الجديد والمجدِّد. أحاول متابعة مسارات لن تُختزل بعامٍ أو أكثر. أجد في البُنى التي تصنع أفلامًا وسينمات مدخلاً إلى تبيان المستجدّ والمُجدِّد، أو إلى كشف المُكرَّر. التأريخ والأرشفة والتوثيق أنماطٌ مهمّة، لكن المعاينة والتنقيب والسجال أدوات أسلم في مقاربة هذين الجديد والمجدِّد، إنْ يكن هناك جديد ومجدِّد، خصوصًا في الجغرافيا السينمائية العربية وامتدادها الاغترابيّ. هذا حاصلٌ في اختبارات وتجارب ومغامرات تستحقّ كلّها متابعة وقراءة ونقاشًا، لا مجرّد لوائح باهتة، وإنْ تُتَابَع عند ظهورها على الشاشات بمقالاتٍ يغلب عليها الطابع الصحافي وإنْ بنَفَسٍ نقديّ.
اقــرأ أيضاً
السينما العربية فاعلة، خصوصًا في الربع الأول من القرن الـ21 غير المكتمل. فاعليتها موزّعة على مفردات كثيرة: اللغة والموضوع والمعالجة والتقنيات. لن يكون هناك مشروع متكامل أو أكثر، لكن الموجود كفيلٌ بقولٍ صادق مفاده أن السينما العربية تلك تُنتج إبداعًا وتصنع تجديدًا يحتاجان ـ بالتأكيد ـ إلى مواكبة ونقاشٍ دائمَين. التقنيات تتطوّر. الغرب يطرح سؤال التداخل بين المنصّات التلفزيونية الجديدة والإنتاج السينمائي مثلاً (المجلة الفرنسية الشهرية "دفاتر السينما"). العرب منفضّون عن سؤال كهذا، فالمؤسّسات التلفزيونية في بلادهم غير آبهة بسينما مستقلّة أو مغايرة أو ساعية إلى اختبار وتجديد (ولا بأي نوع سينمائيّ آخر)، وإنْ تكترث فاكتراثها محصورٌ بـ"ملء الهواء"، أي إكمال برمجة ناقصة.
هذا كلّه، ألا يستحقّ نقاشًا ومتابعة وتعليقًا، بدلاً من الانصراف إلى التقليديّ في مواكبة أحوال الإنتاج السينمائي العربي تحديدًا؟ هذا كلّه، ألا يمتلك ما يُثير حماسةَ تفكيكٍ وتحليلٍ وحوار؟ أم أن الأسهل يبقى في تدبيج لوائح مختصّة بما شوهد، وبما يُراد له أن يُروَّج أكثر فأكثر وفقًا لأمزجة شخصية وأهواء ذاتية؟ مجلات سينمائية نقدية وسجالية في فرنسا تمارس لعبة اللوائح تلك في أعدادها الصادرة في الشهر الأخير من كلّ عام. لكن، هل على الآخرين التماهي بها وتقليدها، من دون التنبّه إلى اشتغالاتها طوال العام، بحثًا وتنقيبًا ونقاشًا وتفكيكًا في المسائل السينمائية المختلفة، وفي المستجدّات المطروحة كتحدّيات في مواجهة صناعة السينما، وفي التقنيات الوافدة إلى الإنتاج السينمائي؟ ألا تمتلك السينما العربية، المصنوعة في الربع الأول من القرن الـ21 على الأقلّ، ما يُثير حماسة النقاش والتحليل والتفكيك والمواكبة، بعيدًا عن سذاجة اللوائح التي تُركّبها مجلات وصحف ومؤسّسات لتسلية عابرة لا تُفيد ولا تؤثّر؟
تساؤلات تُطرح عشية انتهاء عام وبداية آخر، في مناخٍ عربيّ ملبَّد في السياسة والأمن والاقتصاد والعيش اليومي، ومتمكّن ـ في الوقت نفسه ـ من صُنع نتاجٍ سينمائيّ يستحقّ مواكبة نقدية يومية، ومُشاهدة جماهيرية واسعة.
أبتعد عن مسائل كهذه. أطمح إلى نقاشٍ يتناول مسائل وقضايا ومفردات ومعالجات وآليات اشتغال. أسأل عن الجديد والمجدِّد. أحاول متابعة مسارات لن تُختزل بعامٍ أو أكثر. أجد في البُنى التي تصنع أفلامًا وسينمات مدخلاً إلى تبيان المستجدّ والمُجدِّد، أو إلى كشف المُكرَّر. التأريخ والأرشفة والتوثيق أنماطٌ مهمّة، لكن المعاينة والتنقيب والسجال أدوات أسلم في مقاربة هذين الجديد والمجدِّد، إنْ يكن هناك جديد ومجدِّد، خصوصًا في الجغرافيا السينمائية العربية وامتدادها الاغترابيّ. هذا حاصلٌ في اختبارات وتجارب ومغامرات تستحقّ كلّها متابعة وقراءة ونقاشًا، لا مجرّد لوائح باهتة، وإنْ تُتَابَع عند ظهورها على الشاشات بمقالاتٍ يغلب عليها الطابع الصحافي وإنْ بنَفَسٍ نقديّ.
السينما العربية فاعلة، خصوصًا في الربع الأول من القرن الـ21 غير المكتمل. فاعليتها موزّعة على مفردات كثيرة: اللغة والموضوع والمعالجة والتقنيات. لن يكون هناك مشروع متكامل أو أكثر، لكن الموجود كفيلٌ بقولٍ صادق مفاده أن السينما العربية تلك تُنتج إبداعًا وتصنع تجديدًا يحتاجان ـ بالتأكيد ـ إلى مواكبة ونقاشٍ دائمَين. التقنيات تتطوّر. الغرب يطرح سؤال التداخل بين المنصّات التلفزيونية الجديدة والإنتاج السينمائي مثلاً (المجلة الفرنسية الشهرية "دفاتر السينما"). العرب منفضّون عن سؤال كهذا، فالمؤسّسات التلفزيونية في بلادهم غير آبهة بسينما مستقلّة أو مغايرة أو ساعية إلى اختبار وتجديد (ولا بأي نوع سينمائيّ آخر)، وإنْ تكترث فاكتراثها محصورٌ بـ"ملء الهواء"، أي إكمال برمجة ناقصة.
هذا كلّه، ألا يستحقّ نقاشًا ومتابعة وتعليقًا، بدلاً من الانصراف إلى التقليديّ في مواكبة أحوال الإنتاج السينمائي العربي تحديدًا؟ هذا كلّه، ألا يمتلك ما يُثير حماسةَ تفكيكٍ وتحليلٍ وحوار؟ أم أن الأسهل يبقى في تدبيج لوائح مختصّة بما شوهد، وبما يُراد له أن يُروَّج أكثر فأكثر وفقًا لأمزجة شخصية وأهواء ذاتية؟ مجلات سينمائية نقدية وسجالية في فرنسا تمارس لعبة اللوائح تلك في أعدادها الصادرة في الشهر الأخير من كلّ عام. لكن، هل على الآخرين التماهي بها وتقليدها، من دون التنبّه إلى اشتغالاتها طوال العام، بحثًا وتنقيبًا ونقاشًا وتفكيكًا في المسائل السينمائية المختلفة، وفي المستجدّات المطروحة كتحدّيات في مواجهة صناعة السينما، وفي التقنيات الوافدة إلى الإنتاج السينمائي؟ ألا تمتلك السينما العربية، المصنوعة في الربع الأول من القرن الـ21 على الأقلّ، ما يُثير حماسة النقاش والتحليل والتفكيك والمواكبة، بعيدًا عن سذاجة اللوائح التي تُركّبها مجلات وصحف ومؤسّسات لتسلية عابرة لا تُفيد ولا تؤثّر؟
تساؤلات تُطرح عشية انتهاء عام وبداية آخر، في مناخٍ عربيّ ملبَّد في السياسة والأمن والاقتصاد والعيش اليومي، ومتمكّن ـ في الوقت نفسه ـ من صُنع نتاجٍ سينمائيّ يستحقّ مواكبة نقدية يومية، ومُشاهدة جماهيرية واسعة.