أزمة هونغ كونغ تنحسر: الحكومة تتراجع وانتكاسة للصين

16 يونيو 2019
شهدت هونغ كونغ تظاهرات عدة(كارل كورت/Getty)
+ الخط -

بعد نحو 22 عاماً على انتقال هونغ كونغ من السيادة البريطانية إلى السيادة الصينية، رغم حكمها الذاتي، إلا أن علاقاتها مع بكين تبقى دائماً محفوفة بالمخاطر. فعدا عن المحاولات الحثيثة للحزب الشيوعي الصيني، في دمج هونغ كونغ أكثر بالصين، إلا أن الخطوات الاقتصادية، مثل إنشاء خط للقطار السريع ثم إنشاء جسر رابط بين الصين وهونغ كونغ وماكاو، جعل من مشروع القانون الصادر في برلمان هونغ كونغ، المتعلق بتسليم مطلوبين للصين، بمثابة قنبلة موقوتة بالنسبة للمعارضين، الذين لم يتركوا فرصة إلا وأبدوا فيها احتجاجهم على محاولات ربطهم بالصين. وعدا ثورة المظلات عام 2014 التي عمدت فيها الصين إلى تسمية المرشحين للرئاسة في هونغ كونغ، فإن الانتفاضة الشعبية الحالية، كرّست رغبة سكان المنطقة الساحلية في الاستقلال التامّ عن الصين.

وفي سياق قانون تسليم المطلوبين، أعلنت رئيسة السلطة التنفيذية لحكومة هونغ كونغ كاري لام، أمس السبت، أن مشروع القانون المثير للجدل حول تسليم مطلوبين للصين "سيتم تعليقه" إلى أجل غير مسمى، وذلك بعد أسبوع من تظاهرات غير مسبوقة شهدتها المستعمرة البريطانية السابقة. وقالت لام للصحافيين إن "الحكومة قررت تعليق مشروع القانون"، موضحة إنها "اتخذت هذه الخطوة استجابة لحالة الاستياء الشعبية واسعة النطاق بسبب هذا الإجراء، الذي كان من شأنه تمكين السلطات من إرسال بعض المشتبه بهم للمثول أمام المحاكم في البر الرئيسي الصيني". ولفتت إلى أن "الحكومة سوف تدرس الأمر أكثر من أجل مصلحة هونغ كونغ الكبرى". وقالت إن "المجلس سيوقف عمله بما يتصل بمشروع القانون إلى حين الانتهاء من الاستماع إلى الآراء"، مؤكدة "لا ننوي تحديد موعد لهذا العمل". وقالت "أرغب في أن أؤكد أن الحكومة تتخذ موقفاً منفتحاً. وليس لدينا أي نية لتحديد موعد نهائي لهذا العمل".

وأوضحت لام أن "مشروع القانون كان ضرورياً لسدّ ثغرات أمنية ووقف تحول هونغ كونغ، المركز المالي العالمي، إلى ملاذ لمجرمين"، لكنها أقرّت بأن إدارتها قللت من شأن المعارضة الشعبية له. وتابعت "أشعر بالأسف الشديد للخلل في عملنا ولعوامل أخرى تسببت بجدل وخلافات في مجتمعنا بعد فترات هدوء نسبي في السنتين الماضيتين"، مشدّدة على أنها "ستتبنّى موقفاً صادقاً ومتواضعاً في قبول النقد" بشأن تعامل الحكومة مع هذه القضية. وأدلت لام بتصريحاتها بينما من المتوقع تنظيم احتجاج جماهيري آخر اليوم الأحد، بعدما أسفرت اشتباكات تحولت إلى عنف يوم الأربعاء الماضي، عن إصابة حوالي 80 شخصاً، بينهم 22 من رجال الشرطة.

وكانت خطوة لام متوقعة، مع إعلان صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" ومحطات "ناو تي في" و"تي في بي" و"ار تي اتش كي"، أمس، نقلاً عن مصادر حكومية، أن الإدارة تفكر في إرجاء اعتماد مشروع القانون المثير للجدل في البرلمان. ومع معارضة أطراف عدة مشروع القانون، بينهم محامون ومنظمات قانونية نافذة وغرف تجارة وصناعيون وناشطون ودبلوماسيون غربيون، ذكرت "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" أن "لام عقدت مساء الجمعة اجتماعاً طارئاً مع مستشاريها فيما كان مسؤولون صينيون يجتمعون من جهتهم في مدينة شينزين المجاورة في محاولة لإيجاد وسيلة للخروج من المأزق". وكانت لام التي عينتها لجنة مؤلفة إلى حد كبير من الموالين لبكين، رفضت طويلاً سحب مشروع القانون.



واعتبرت البرلمانية المؤيدة للصين، آن شيانغ، أنه "يجب أن نهدّئ غضب السكان. أعتقد أن إرجاء النظر في مشروع القانون لفترة ليس بالأمر السيئ". لكن برلمانيين آخرين موالين لبكين بشدة نصحوا لام بعدم الرضوخ لمطالب المتظاهرين. وقالت البرلمانية ريجينا أب لصحافيين، إنه "إذا رضخت الحكومة للعنف والتأثير الخارجي، فهذا الأمر سيجعل على المدى الطويل هونغ كونغ غير قابلة للحكم". وأعلن منظمو الاحتجاجات أنهم "لن يقبلوا سوى بسحب كامل لمشروع القانون لا إرجاء التصويت عليه". من جهته، دعا جيمس تو، النائب من معسكر الديمقراطيين، رئيسة الحكومة إلى الاستقالة. وقال إن "مصداقية رئيسة حكومتنا فقدت، وباتت حكومة لا يمكن أن تحظى بمصداقية للحكم بعد الآن".

بدوره الجار الصيني، كان مؤيداً بقوة لمشروع القانون، مبدياً دعمه الكامل لحكومة لام. ووصفت السلطات الصينية التظاهرات في هونغ كونغ بأنها "أعمال شغب"، لكنها حاولت منذ ذلك الحين النأي بنفسها مع تصاعد الغضب الشعبي. وقال السفير الصيني لدى بريطانيا لو تشاومينغ، لهيئة الاذاعة البريطانية، إن "الحكومة المركزية في الصين لم تصدر تعليمات أو أوامر بخصوص مشروع القانون الذي بادرت إليه حكومة هونغ كونغ".
وانتقدت الصين ما سمته "تدخلاً أميركياً في شؤون هونغ كونغ، مع تشديد مشرّعين أميركيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مواقفهم، لإعادة التأكيد على "التزام الولايات المتحدة بالديمقراطية وحقوق الإنسان في هونغ كونغ". وقدّم أعضاء في المجلسين، يوم الخميس، مشروع قانون يحمل اسم "حقوق الإنسان والديمقراطية في هونغ كونغ"، وهو إجراء يهدد بإلغاء الوضعية الخاصة لهونغ كونغ كشريكة تجارية للولايات المتحدة.
وهدف مشروع القانون إلى ممارسة ضغوط على هونغ كونغ لمنع إقرار قانون تسليم المطلوبين إلى الصين. وقال 10 من رعاة مشروع القانون، وهم 8 أعضاء من مجلس الشيوخ وعضوان من مجلس النواب، في بيان، إنهم "سيؤكدون مجدداً التزام الولايات المتحدة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون في وقت يتعرض فيه الحكم الذاتي في هونغ كونغ للاعتداء عبر تدخل الحكومة الصينية والحزب الشيوعي". ولم يتم تحديد موعد حتى الآن للتصويت على مشروع القانون.

مشروع القانون دفع وزارة الخارجية الصينية، يوم الجمعة، إلى استدعاء مستشار سفير الولايات المتحدة لدى بكين، روبرت فوردن. وقالت الخارجية، في بيان، إن نائب وزير الخارجية الصيني لي يوتشينغ، استدعى فوردن، إلى مقر الوزارة، وأبلغه أن ما يحدث في هونغ كونغ، شأن داخلي صيني، وعلى الدول الأخرى عدم التدخل به. وأضاف البيان، أن لي أبلغ فوردن بضرورة أن تتعامل الولايات المتحدة مع هونغ كونغ، بشكل محايد ومنصف، وأن الصين سترد على تصرفات الولايات المتحدة. وأعلن عدد من السياسيين الأميركيين، بينهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، دعمهم للمتظاهرين ضد مشروع القانون في هونغ كونغ.

وشهدت هونغ كونغ يوم الأربعاء الماضي أضخم احتجاجات منذ إعادتها لحضن الصين، حيث أطلقت الشرطة الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع على متظاهرين أغلقوا الشوارع الرئيسية وحاولوا اقتحام البرلمان للتنديد بالقانون الذي يسمح بتسليم المطلوبين إلى الصين القارية. وتدير هونغ كونغ، شؤونها الداخلية باستقلالية، إلا أنها تتبع لجمهورية الصين الشعبية، في السياسات الخارجية والدفاعية، ويرى مراقبون أن تأثير حكومة بكين على هونغ كونغ يتزايد باطراد.
(فرانس برس، أسوشييتد برس)


المساهمون