أزمة سد النهضة: تعثر الإعداد لقمّة قارية مصغرة

12 سبتمبر 2020
تحول فيضان النيل إلى ذريعة لتبرير تأجيل الاجتماعات (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

تواجه مفاوضات قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي عقبات سياسية وفنية أدت لإرجاء الجولة الجديدة للاجتماعات بين مصر وإثيوبيا والسودان إلى أجل غير مسمى، تحت ستار يسهل ترويجه في الأوساط الدبلوماسية وخلال الاتصالات بين العواصم المعنية، يتمثل في أزمة فيضان النيل المدمر الذي شرد وقتل آلاف السودانيين بمناطق عديدة. لكن مصادر دبلوماسية وفنية مصرية وسودانية تؤكد وجود مشاكل حقيقية تعوق استئناف المفاوضات المباشرة، وأن دولاً عدة، على رأسها الولايات المتحدة والصين وروسيا تجري اتصالات بالأطراف الثلاثة وجنوب أفريقيا، رئيسة الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، من أجل الاتفاق على شكل جولة المفاوضات المقبلة ومحدداتها، على أمل أن تكون الأخيرة، خصوصاً بعد فشل الجولات المتتابعة على مدى ثلاثة أشهر، تخللها نجاح إثيوبيا في إتمام الملء الأول الفعلي للسد.


الاتصالات تركز حالياً على إعداد قائمة موحدة من البنود محل الخلاف

وأفادت المصادر أن الاتصالات التي جرت خلال الأسبوعين الماضيين، كانت في سياق عقد قمة قارية مصغرة جديدة بين الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا وزعماء الدول الثلاث وأعضاء مكتب الاتحاد الأفريقي، لكن إثيوبيا ومصر رفضتا ذلك لأسباب مختلفة. فالأولى غاضبة بسبب حجب جزء من المساعدات الأميركية لها، وفي الوقت نفسه تتهرب من تسجيل المزيد من الالتزامات على نفسها في إطار شكل الاتفاق المنشود، تحديداً مسألة الإلزامية وقواعد اللجوء إلى التحكيم وصلاحياته وسلطاته. كما تتذرّع إثيوبيا لبعض العواصم بالأحداث الداخلية التي تشهدها البلاد، وخلافات رئيس الوزراء أبي أحمد مع قوميتي أورومو وتيغراي، لتبرير عدم عودتها السريعة لطاولة المفاوضات، لا سيما أن إهدار الوقت معها ليس في مصلحة الطرفين الآخرين.

أما مصر فرفضت عقد القمة لسبب وحيد، هو عدم ممارسة الاتحاد الأفريقي أي ضغوط تذكر على إثيوبيا، لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال القمتين المصغرتين السابقتين في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين، وعدم انعكاس التعهدات المقطوعة خلال القمتين بأي صورة على الأطروحات الإثيوبية خلال المفاوضات، رغم التنازلات المصرية البادية في قبول الحديث عن أسس المحاصصة الجديدة لمياه النيل والمرونة المصرية والسودانية في بعض البنود الفنية.

وذكرت المصادر أن الاتصالات تركز حالياً على إعداد قائمة موحدة من البنود محل الخلاف، وآراء كل دولة بها، وعرضها على المراقبين جميعاً، والدول التي تطلب ممارسة دور وسيط، بما فيها الصين وروسيا. والغرض من هذه القائمة هو استجلاب حلول مختلفة ثم تنقيتها بواسطة جنوب أفريقيا لتكوين وثيقة موحدة بالمشاكل والمقترحات، على أن يقتصر دور الوفود الفنية في المستقبل على مناقشة عناصر هذه الوثيقة فقط، من دون إعادة النقاش في أمور سبقت دراستها.

وسبق أن رفضت إثيوبيا في جولة المفاوضات الأخيرة دراسة الطلب المصري بالربط الكامل بين سد النهضة وسد الروصيرص والسد العالي، لإبقاء المناسيب المائية معقولة فيها جميعاً، كما رفضت المقترح السوداني بالربط فقط لمنع حدوث ضرر أو خطر جسيم. في المقابل، رفضت كل من مصر والسودان الرؤية الإثيوبية، التي تصرّ على عدم الربط خلال فترة الملء باعتبار أن الربط سيؤدي لعرقلة الملء الثاني للسد العام المقبل.

كما تمتنع إثيوبيا عن تقديم برنامجها للملء المستمر والدائم للسد، ورفضت أيضا إطلاع مصر والسودان أو أي من المراقبين على خطتها للاستخدامات الخاصة بالمياه، سواء كانت مخصصة لإنتاج الطاقة أو الزراعة أو غيرها. وهو أمر كان أيضاً خارجاً عن صلاحيات لجنة الصياغة، الأمر الذي أدى إلى اتفاق الدول الثلاث على تغيير ما كان متفقاً عليه سلفاً من تقديم صياغة موحدة لرئيس جنوب أفريقيا باعتباره رئيس الاتحاد الأفريقي، وتقديم مذكرة من كل طرف بأسباب الفشل ومقترحات الصياغة من كل طرف.
وما زالت الخلافات واسعة على المستوى القانوني الذي تتطابق فيه الرؤى المصرية والسودانية، وتتعدد فيه محاولات إثيوبيا للتهرب. فبعد التفاهم على إلزامية الاتفاق، تجادل أديس أبابا في لجنة الصياغة بأن الإلزام يقتصر فقط على اللجوء الإلزامي لفض المنازعات، من دون أن تترتب أي مسؤوليات عليها حال عدم الالتزام، وهو قصد يخالف تماماً ما ترمي إليه دولتا المصب.


تمتنع إثيوبيا عن تقديم برنامجها للملء المستمر والدائم للسد

وتتضمن المواضيع القانونية المختلف عليها عدم التوافق الكامل على مدى إلزامية الاتفاقية التي سيتم توقيعها، وثانيها عدم التوافق على آلية فض المنازعات التي ستنشأ مستقبلاً حول تشغيل السد والملء، وثالثها رغبة إثيوبيا في تحويل الاتفاقية إلى اتفاق للمحاصصة في مياه النيل وإلغاء اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، ورابعها وأحدثها رغبة إثيوبيا في انتزاع موافقة مصر والسودان على إقامتها مشروعات مائية أخرى على مجرى النيل الأزرق وتطبيق القواعد الاسترشادية الخاصة بسد النهضة عليها، الأمر الذي ترفضه مصر نهائياً.

وعقب فشل الجولة الماضية قال وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس، إن التوصل لاتفاق بشأن سد النهضة، يحتاج إلى إرادة سياسية، وأن استمرار المفاوضات بصيغتها الحالية لن يقود إلى تحقيق نتائج عملية، مقترحاً دوراً أكبر للخبراء والمراقبين في التوصل لهذه المسودة المدمجة. وذكرت كل من مصر والسودان أن الدول الثلاث توافقت على اختتام جولة المفاوضات الحالية دون التوافق على مسودة الاتفاق المدمجة التي كان مفترضاً تقديمها لرئاسة الاتحاد الإفريقي في 28 أغسطس الماضي، كما سيترك الخيار لكل دولة من الدول الثلاث بمخاطبة رئاسة الاتحاد الأفريقي بشكل منفرد.

وتسعى إثيوبيا إلى اقتران اتفاق الملء والتشغيل باتفاق جديد ينظم محاصصة جديدة لمياه النيل الأزرق، وبصورة "عادلة"، على حد قولها، تتعامل واقعياً مع استفادة مصر من كميات أكبر بكثير من حصتها المنصوص عليها، واستفادة السودان المتوقعة من كميات إضافية أيضا حال البدء في ملء السد النهضة وتفعيل مصفوفات التدفق في حالتي الفيضان والشح المائي.