أزمة باب المندب
لا شك في أن الصراع الجيو ـ سياسي بين الدول هو، بالأساس، للسيطرة على مناطق نفوذ جديدة تمكّنها من بسط نفوذها على دول صغيرة. في الصراع، تُعتمد كل الوسائل الاقتصادية والإعلامية والسياسية والمذهبية، لبسط النفوذ، فالصراع على المضائق والمنافذ البحرية يكمن في صلب هذه السياسات التي تعمل عليها إيران، للتحكّم بخطوط التجارة، ولبسط نفوذها الجيو ـ سياسي في الخليج.
فإيران تخوض صراعها في المنطقة، بالسيطرة على المنافذ البحرية في سورية ولبنان والعراق وغزة واليمن. فالاستراتيجية الإيرانية تأخذ بالاعتبار أن السيطرة على ممرات النفط والتجارة تمكّنها من اللعب على الساحة الإقليمية، وخصوصاً بعد أن عرفت أهمية خليج العرب، حيث تهدد باستمرار بإغلاقه في وجه الملاحة الدولية، في حال تعرضت لأي هجوم عسكري أميركي. لكن، بعد مد أنابيب جديدة لنقل النفط إلى موانئ خليجية أخرى، بعيدة عن الخطر الإيراني، فهمت إيران أن في وسعها الضغط على التجارة العالمية، باستخدام هذه الورقة للحصول على مكاسب سياسة. كان ردها سريعاً باستخدام القراصنة الصوماليين الذين أرعبوا العالم، وخصوصاً بسبب عدم وجود قانون دولي، يتعامل مع هذا الحالة الجديدة، لكن بعد الانفتاح الأميركي ـ الإيراني، انتهت قصة القراصنة، من دون معرفة تفصيل النهاية السعيدة. ومع خروج وحش التطرف "الداعشي" عن السيطرة، وسيطرته على أجزاء كبيرة من سورية والعراق، في ظل اختلال التوازن على الأرض، ومع الضغط الغربي لجهة الملف النووي، استخدمت إيران ورقة الحوثيين مجدداً، في وجه الخليج العربي الراعي للمبادرة الخليجية.
ويعتبر مضيق باب المندب مطلباً إيرانياً للدخول إلى ملعب الخليج لاعباً أساسياً، يسيطر على هذا المرفأ الحيوي والمهم للمنطقة، والذي يمكّن إيران من وضع نفسها شريكاً أساسياً في تجارة المنطقة. فالحوثيون يطمعون بالسيطرة على باب المندب، لتأمين موطئ قدم للجمهورية الإيرانية، ومن أجل تهريب البضائع والسلاح.
أما الموقف الروسي، فيرى في هذه الخطوة تقاسماً للنفوذ وتقسيماً للمنطقة مع أميركا، فالسيطرة على مضيق باب المندب ستكون في صلب خطته الهادفة إلى تمرير تجارة السلاح، والتحكّم بنقل البترول والغاز بهذا الممر الحيوي من خلال علاقته بإيران.
فالخوف الفعلي من الموقف الأميركي الذي ينظر إلى هذا الصراع على أساس كونه يأتي ضمن استراتيجية "شد الأطراف وبترها"، والتي تجري، من خلالها، إعادة ترسيم المنطقة العربية وتقسيمها في إطار "سايكس بيكو" جديدة.