يطرح تقدير الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لحجم الأراضي المعتدَى عليها في بلاده بنحو 750 مليار جنيه (41.6 مليار دولار)، بمساحة 175 ألف فدان، العديد من التساؤلات بشأن السبب الحقيقي الذي كان وراء عزْل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق هشام جنينة بعدما أعد تقريراً أكد خلاله أن حصيلة الفساد في أجهزة الدولة بلغت 600 مليار جنيه.
وما أن أعلن جنينة وقتها ذلك القرار، حتى لاحقته الاتهامات بالإساءة للدولة والإضرار بالأمن القومي، لتصدر بحقه أحكام بالسجن مع وقف التنفيذ، والإطاحة به من منصبه، ومنْعه من الحصول على مستحقاته المالية والعلاجية.
إلا أن السيسي قال في حوار مع الصحف القومية التي تديرها الحكومة، يوم الأربعاء الماضي، إن التعدي على أراضي الدولة في بلاده بدأ عقب حرب 1967، وظهور ثقافة وضع اليد والاعتداء على أراضي الدولة.
ويعادل إجمالي قيمة الأراضي المعتدى عليها، وفق تقديرات السيسي، قيمة عجز الموازنة العامة المصرية خلال العامين الماليين الحالي والمقبل، المقدر بنحو 689 مليار جنيه (38.2 مليار دولار).
في السياق، يقول مصدر قريب الصلة بجنينة إن "الهدف من الإطاحة به لم يكن تقرير الفساد الذي كشف عنه والمقدر بـ600 مليار". ولفت إلى أن "المعلومات كانت متاحة في أروقة الدولة"، ولكن "كانت هناك أسباب أخرى، أهمها الخشية من توسُّع شعبية رئيس الجهاز السابق ونظافة يده بما يجعله منافساً قوياً للسيسي في أي انتخابات رئاسية مقبلة".
ووفقاً للمصدر نفسه، فإن السبب الثاني يتمثل في أن "التقرير الذي أعده هشام جنينة، خلال توليه الجهاز، طاول شخصيات وأجهزة سيادية في الدولة متسترة على فساد ومتورطة فيه".
وقال المصدر إن أحد التقارير التي أعدّها الجهاز، كشف حجم الفساد في ملف الاعتداء على أراضي الدولة، وهو تقرير الفساد في أراضي الحزام الأخضر بمدينة السادس من أكتوبر، وتصدر قائمة المعتدين عليها وزير العدالة الانتقالية ومجلس النواب المستشار إبراهيم الهنيدي، بعد استيلائه على آلاف الأفدنة، فيما جاء خلفه مباشرة في التقرير، وزير العدل السابق أحمد الزند، المتهم بوضع اليد على ملايين الأمتار في مشروع الحزام الأخضر، وطريق مصر إسكندرية الصحراوي، ومنطقة الحمام بمحافظة مرسى مطروح.
ويبلغ حجم الأراضي المستولِي عليها الزند فقط في منطقة الحزام الأخضر بـ2200 فدان، بما يعادل 9680 مليون متر، بخمسة جنيهات للفدان. وباع الفدان الواحد بخمسة ملايين جنيه وحوّلها لقصور وملاعب للغولف بالمخالفة للقانون والعقد الموقَّع معه، وحقق كسباً غير مشروع يتجاوز عشرة مليارات جنيه.
وتنص المستندات على "أن تمليك الأرض النهائي مشروط بإثبات الجديّة في الاستصلاح والاستزراع، وأن التخصيص لأي أرض يتم بعد ثبوت الجدية في استصلاحها واستزراعها... وأنه لا يجوز للطرف الثاني البيع أو التنازل عن المساحة موضوع هذا العقد للغير. أو التصرف في المساحة موضوع هذا العقد بأي وجهٍ من وجوه التصرف إلا بعد سداد كامل الثمن وإثبات الجدية في الاستصلاح والاستزراع... وأنه في حالة إخلال الطرف الثاني بشروط هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ومخالفة المنشور الصادر من وزارة الزراعة في 1998 يعتبر هذا العقد مفسوخاً من تلقاء ذاته دون إنذار أو تنبيه أو اللجوء للقضاء".
كما ينص العقد على أنه يجوز للطرف الثاني تشييد مبانٍ لإقامته وللعاملين بالأرض وحراستها والمنشآت التي تخدم الأرض الزراعية بما لا يجاوز 2% من المساحة. وفي حالة إخلال الطرف الثاني يحق للطرف الأول إزالة المنشآت المخالفة على نفقة الطرف الثاني، إضافة إلى كافة التعويضات والآثار المترتبة على ذلك. وينص العقد أيضاً في ملحقه على مجموعة من الالتزامات القانونية منها.
وبحسب المصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، والتي اطلعت على بعض التقارير التي أعدها الجهاز المركزي للمحاسبات في عهد رئيسه السابق جنينة، فإن الأخير "وضع يده في عش الدبابير، فكشف عن حجم الفساد في جهاز الأمن الوطني، إضافة إلى الكثير من الجهات السيادية التي تستولي على أراضٍ مملوكة للدولة".
من جهة أخرى، قالت مصادر في الجهاز المركزي للمحاسبات إن "الحملة التي أعلنها السيسي أخيراً لاسترداد أراضي الدولة تأتي لمجرد الاستعراض الإعلامي فقط".
ووفقاً لهذه المصادر، فإنه "من واقع المستندات فإن القوات المسلحة هي أكبر جهة في الدولة تضع أيديها على أراضي الدولة المصرية، إما بشكل مباشر، أو من خلال شركات تعمل لصالحها من الباطن، إضافة إلى شركات مملوكة من الباطن لقيادات بارزة، بعضهم أعضاء حاليون في المجلس العسكري"، تتبع ذلك قيادات وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة السابق، المستولين على أراضي طريق مصر إسكندرية الصحراوي.
وكان السيسي قد أصدر في يونيو/ حزيران 2016 قانوناً يعزل رؤساء الهيئات الرقابية، بالمخالفة لبعض النصوص الدستورية والقانون الإداري الذي يحظر فصل الموظف العام إلا بحكم قضائي.
ونصت المادة الأولى من القانون على أنه "يجوز لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم في 4 حالات، أولها إذا قامت بشأنه دلائل جدية على ما يمسّ أمن الدولة وسلامتها، وثانيها إذا فَقَد الثقة والاعتبار، والثالثة إذا أخلّ بواجبات وظيفته بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، والرابعة إذا فقد أحد شروط الصلاحية للمنصب الذي يشغله لغير الأسباب الصحية"، وهو القانون الذي وصفه مراقبون وقتها بقانون "عزل جنينة".