اقرأ أيضاً: سورية تزاحم أوكرانيا في المشهد الإعلامي الروسي
وباستثناء فرنسا التي تصرّ على أن بقاء الأسد ونظامه في السلطة من شأنه أن يزيد من استفحال المشكلة السورية، ويعرقل فكرة المرحلة الانتقالية، فإن العديد من الدول الأوروبية الأخرى بدأت تغير من تبنيها للموقف الفرنسي، وتذهب باتجاه المبعوث الأممي الخاص لسورية ستيفان دي ميستورا، الذي يدافع عن فكرة إدماج ممثلين عن النظام السوري في تسوية سياسية، وإشراكه في المرحلة الانتقالية.
وصار دي ميستورا يتمتع بتأييد علني من قبل وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديركا موغيريني، التي تدعم فكرة إشراك كل الأطراف المعنية بالنزاع السوري في مفاوضات الحل السياسي، بمن فيهم ممثلون عن نظام الأسد وإيران في مقابل تركيا والسعودية.
ويتوقع أن يبرز خلاف كبير بين فرنسا وبريطانيا من جهة، والدول الأوروبية الأخرى التي باتت شبه مقتنعة بأن التفاوض مع الأسد وإشراك نظامه في مرحلة انتقالية قد يتمخض عن نتائج إيجابية تذهب في اتجاه الحل السياسي، من جهة ثانية.
اقرأ أيضاً: هولاند يحذر من حرب شاملة بسبب أزمة سورية
إضافة إلى ذلك، دخل عنصر التدخل الروسي الأخير في سورية ليتحول إلى نقطة خلافية بين الزعماء الأوروبيين، إلا أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي دعوا في ختام اجتماعهم الاثنين الماضي في لوكسمبورغ روسيا إلى وقف ضرباتها العسكرية ضدّ فصائل المعارضة السورية "المعتدلة" لكون هذا التدخل "يغير من قواعد اللعبة، ويثير قلقاً عميقا داخل الاتحاد الأوروبي"، بحسب بيان وزراء خارجية الاتحاد.
وهناك دول أوروبية أخرى لا تعارض بشكل مطلق التحرك الروسي في سورية، وتتحفظ عن اتخاذ موقف سلبي إزاءه خصوصاً اليونان وبلغاريا وإسبانيا وايطاليا، التي تعتبر أن موسكو قد تلعب دوراً إيجابياً في التحضير لحل سياسي في سورية.
كما يشكل الموقف من الطلب التركي بإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري نقطة خلافية أخرى بين بلدان الاتحاد الأوروبي، التي تتطلع إلى أن تلعب تركيا دوراً حاسماً في وقف تدفق اللاجئين السوريين على بلدان الاتحاد. غير أن الأخير لا يزال يتردد في دعم فكرة المنطقة العازلة التي يخاف من تداعيات إقامتها، خصوصاً بعد الغزو الروسي لسورية، والذي خلط الأوراق في المنطقة.
وكان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو قد بعث رسالة إلى رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك طالب فيها الاتحاد الأوروبي بـ"مساعدة تركيا في مشروع إقامة المنطقة العازلة بين تركيا وسورية من أجل تشجيع عودة اللاجئين السوريين المقيمين في الشمال التركي إلى بلادهم". وحذّر داود أوغلو الاتحاد من مغبة التردد في دعم تركيا بخصوص هذا المشروع وإلا "فستجد نفسها في مواجهة موجات بشرية هائلة من اللاجئين السوريين نحو بلدان الاتحاد الأوروبي قد يصل عددهم إلى 7 ملايين شخص".
في المقابل، سيعمل زعماء الاتحاد الأوروبي بكل جهدهم للضغط على تركيا كي تقبل بمشروع أوروبي لجعل تركيا نقطة صدّ متقدمة للاجئين السوريين من أجل تسجيلهم وفرزهم قبل منحهم اللجوء في بلدان الاتحاد الأوروبي، وأيضاً حث تركيا على مراقبة الحدود الأوروبية ومنع تدفق المهاجرين إليها، وهذا ما ترفضه تركيا حالياً وتحاول مقايضته بمشروع المنطقة العازلة.
وسيحاول القادة الأوروبيون اتخاذ تدابير حازمة وفورية في مسألة اللاجئين لطمأنة الرأي العام في بلدان الاتحاد الأوروبي، وسحب البساط من تحت أقدام التيارات اليمينية المتطرفة، التي تستغل هذه الورقة لدواع انتخابية.
ومن المتوقع أن يتم تعزيز عمليات مراقبة حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية وتوسيع مهمات الوكالة الأوروبية لحماية الحدود الخارجية، والذهاب في اتجاه تبنّي مقترح فرنسي قدّمه أخيراً وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف، ويقضي بإنشاء كتيبة أوروبية من حرس الحدود، تحصل على إمكانات بشرية ولوجيستية وازنة لمراقبة الحدود الأوروبية شرقاً وجنوباً بشكل دقيق ومنهجي لصدّ موجات اللاجئين والمهاجرين.
وإذا كان التوافق الأوروبي حول هذه التدابير وارداً، فإن خلافات أخرى تهدّد التماسك الأوروبي بشأن قضية اللاجئين، ترتبط خصوصاً بمسألة منح اللجوء السياسي. فالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تعتبر أن معاهدة دبلن الأوروبية التي تنظم قانون اللجوء السياسي "تجاوزها الزمن وصارت عديمة الفاعلية"، خصوصاً الشق الذي يفرض على اللاجئ تقديم طلب اللجوء في البلد الأول الذي تطأه قدماه.
وفي جميع الأحوال، فإن الاتحاد الأوروبي يجد نفسه في صلب المشكلة السورية، خصوصاً بعد موجات اللاجئين والمهاجرين، والذين وصل عددهم في التسعة أشهر الأخيرة إلى 710 آلاف دخلوا بلدان الاتحاد.