أربع ظواهر سلبيّة تلازم أطفال المخيمات السورية

10 مايو 2017
يتوجب حماية الأطفال من آثار الحروب ومعالجة سلوكياتهم السلبية(Getty)
+ الخط -
يعاني الأطفال السوريون القاطنون في مخيمات اللجوء في الدول المختلفة، من ظواهر سلوكية سلبية نتيجة لظروف الحرب وصعوبات اللجوء والنزوح التي عايشوها، ما أسفر عن خلل في المنظومة التربوية الصحيحة التي يجب أن ينشأ عليها الطفل ليكون شخصاً سوياً من الناحية الاجتماعية والأخلاقية.

العدوانية السلوك الأكثر انتشاراً

هيام أبو غدة، المشرفة التربوية المسؤولة عن إعادة تأهيل الأطفال القادمين من المخيمات في دار الأمل للأيتام في مدينة غازي عنتاب التركية، تقول لـ"العربي الجديد": "أغلب الأطفال القادمين من المخيمات يعانون من السلوك العدواني، والذي يظهر جلياً في حركاتهم وتصرفاتهم، فهم يفتعلون المشاكل ويتشاجرون مع الأطفال الآخرين بشكل مستمر، ويتصرفون بشراسة سواءً مع الأطفال في مثل سنهم أو مع الأشخاص الأكبر منهم عمراً. كما أنهم يتلفظون بالألفاظ النابية والمسيئة ويردون بفظاظة عند تنبيههم وتوجيه الملاحظات إليهم، ويرفضون الالتزام بالنظام والقوانين".

وعن أسباب انتشار هذه السلوكيات، تقول: "مشاهد الحرب التي عايشها الكثير من الأطفال وظروف المخيمات القاسية، وإهمال الأهل لأطفالهم وتركهم ينفتحون على غيرهم من الأطفال القادمين من بيئات مختلفة دون رقابة أو اهتمام، إضافةً لتسرب الكثير من الأطفال من المدارس، وتجاهل المنظمات الإنسانية المختلفة لأهمية الدعم النفسي لتقويم هذه السلوكيات لدى الأطفال قبل تفشيها، جميعها عوامل ساهمت في تنامي هذه الظواهر السلوكية حتى باتت سمات تلازم الطفل القاطن في المخيم".

وتؤكد من مشاهداتها أن العنف والسلوك العدواني هو الظاهرة الأكثر انتشاراً لدى الأطفال الذكور والإناث في المخيم، فالطفل العنيف يتَّسِم بكثرةِ الحركة، والرَّغْبة في استفزاز الآخرين والمشاكسةِ والعناد، والغضب والعصبية، ولا يُحبُّ التعاونَ أو المشاركة مع الآخرين، ويبدو أنانيًّا ومحبًّا للتملُّك والسيطرة، والسبب في ذلك يعود لكونه يعيش في مجتمع مضطرب ينقصه الأمان والاستقرار، ويعامل فيه بعنف وكأنه شخص راشد عليه أن ينفذ ما يطلب منه دون أن تراعى احتياجاته النفسية المختلفة، ويُحرم في الغالب من التعبير عن آرائه واحتياجاته المختلفة، ليكون العنف هو المرادف الطبيعي للقوة وإثبات الذات لديه.

الأطفال شماعة لغضب الأهل
صالح ذو العشرة أعوام تغيّرت طباعه كثيراً، بعد انتقاله مع والدته للعيش في مخيم الإصلاحية على الحدود السورية التركية، ليصبح فتىً فظاً عنيفاً يهرب من المدرسة ويقضي أوقاته في اللعب مع الأطفال الأكبر منه سناً في المخيم، تشتكي والدته منى العبد الله من تغير سلوكيات ابنها، قائلةً: "كان صالح طفلاً مطيعاً ومؤدباً ومتسامحاً مع من حوله، ولكن بعد انتقالنا للعيش في المخيم، وانشغالي عنه بالعمل لتأمين لقمة العيش، بدأت تصرفاته تتغير معي ومع الآخرين تدريجياً. لم يعد يحب الذهاب للمدرسة، ويغضب لأتفه الأسباب ويتشاجر مع الأطفال في الخارج، ويبادلهم الشتائم. لم أعر هذا التغيير أهمية في بادئ الأمر، عله يتغير من تلقاء نفسه، ولكن تصرفاته ازدادت سوءًا مع الزمن".

وعن أسلوب تعاطيها مع سلوكيات صالح السلبية، تقول لـ"العربي الجديد": "لم أتصرف مع صالح بالشكل الصحيح لجهلي بذلك. وقد علمت من مرشدة تربوية زارت المخيم لاحقاً أنني كنت بتصرفاتي أزيد الطين بلة، وأنني ساهمت في تطور مشكلة ابني دون علم مني، فقد كان شماعة لغضبي كلما أتيت متعبة من العمل ورفض اتباع أوامري أبادله بالغضب والصراخ، وأؤنبه بشكل مستمر كلما ارتكب الأخطاء وأضربه في أغلب الأحيان".

الصبر والوعي أولى خطوات العلاج
ومن تجربتها، تشير العبد الله إلى أن الخطوة الأولى في حل مشاكل الأطفال السلوكية هي في توعية الأهل لكيفية التعامل الصحيح مع أطفالهم، حيث تقول: "بينت لي المشرفة التربوية في حملة الدعم النفسي لأطفال المخيم، أنه يتوجب عليّ أن أتحلى بالصبر في تعاملي مع ابني، وأن أهتم به بشكل أكبر وأعيره المزيد من الحب والرعاية عوضاً عن الضرب والصراخ المستمر عليه، وأن أبعده عن الأطفال سيئي الخلق والطباع من أبناء المخيم. وبعد تطبيقي لذلك بدأت ألمس تغيراً ملحوظاً في السلوك العدواني لديه تجاهي وتجاه الآخرين، كما عاد يطيعني ويبتعد عما يزعجني، وأصبح أكثر هدوءًا وأقل مشاكسة".

وتشير الباحثة في علم النفس من جامعة دمشق الأستاذة لمى قلعه جي إلى أن البيئة المحيطة بالطفل لها التأثير الأكبر على سلوكياته، فالطفل في سنوات حياته الأولى يحاول تقليد الأشخاص المحيطين به في سلوكهم وتصرفاتهم المختلفة، ويقع على عاتق الأهل تربية الطفل وتهذيبه ويتوجب عليهم التدخل السريع عند ظهور أي سلوك سلبي لديه قبل تفاقمه، والتحلي بالصبر في تعاطيهم مع الطفل، فتغيير أي سلوك لديه يجب أن يتم بشكل تدريجي.

وتقول لـ"العربي الجديد": "لعلاج السلوكيات السلبية لدى الأطفال يتوجب على الأهل الإبقاء على هدوئهم واتزانهم لئلا يخرجوا من دائرة العلاج إلى دائرة رد الفعل، وأن يشرحوا للطفل أن ما يقوم به هو أمر خاطئ، عليه أن يبتعد عنه وألا يقوم به مرة أخرى، ومن المهم تجنب معاقبة الطفل بالضرب أو الإهانة حتى لا يفقد قبوله لذاته وتقديره لها، وأن يقوم الأهل بتغيير البيئة المحيطة بالطفل كقطع علاقته مع أصدقاء السوء وتعريفه على أطفال معروفين بالخلق الحسن للاقتداء بهم في تعديل سلوكه.

وتبيّن أنه في حال تلفظ الطفل بالألفاظ النابية مثلاً، يجب على الأهل شرح معناها له إن كان لا يفهمها وأن يبينوا له أن التلفظ بها ليس من الخلق الجيد، والقيام بتعليمه ألفاظاً طيبة بدلاً عنها.

وفي حال لم يستجب الطفل، يجب معاقبته بالتجاهل من قبل الأهل ومقاطعته ورفض التحدث معه، ويمكن جعل الطفل يغسل فمه بالماء والصابون كلما تلفظ بكلمة نابية. وعند امتناعه عن التلفظ بتلك الكلمات يمكن تعزيز السلوك الإيجابي لديه من خلال الهدايا والعبارات التشجيعية.

وبدورها، أكدت لنا الأستاذة هيام أبو غدة أن أغلب الأطفال القادمين من المخيمات يمكن معالجة سلوكياتهم السلبية السابقة الذكر بشكل ناجح، فالكثير منهم تخلصوا منها بعد انتقالهم للعيش في دار الرعاية وبعد إخضاعهم لعدد من الدورات التأهيلية النفسية من قبل اختصاصيين، وإخضاع ذويهم لدورات توعوية تبين لهم أساليب التعامل الصحيح مع أبنائهم لتقويم سلوكياتهم المختلفة وغرس الأخلاق والأسس السليمة في نفوسهم.

المساهمون