تستورد الدول العربية منتجات زراعية بقيمة 96 مليار دولار في العام مقابل صادرات بقيمة 25 مليارا، بحسب التقرير السنوي الأخير للمنظمة العربية للتنمية الزراعية الخاص بأوضاع الغذاء في العالم العربي، منها 80 مليار دولار منتجات غذائية، بعجز في الميزان التجاري بلغ 75%.
الخطير في التقرير أن معدل إنتاجية الحبوب، القمح والأرز والذرة، في الدول العربية 1.6 طن للهكتار، ونحن في القرن الحادي والعشرين، وهو ما يمثل 44% من المعدل العالمي البالغ 3.6 أطنان للهكتار. ويرجع ذلك بصفة أساسية إلى أن الدول العربية تعاني عجزاً في التقاوي المحسنة زاد عن 80% من احتياجات الزراعة. وهذا هو سبب الكارثة الحقيقي. ولنا أن نعلم أن استثمارات قدرها 5 مليارات دولار فقط في مجال تكنولوجيا البذور يمكن أن يزيد إنتاج هذه الحبوب إلى الضعف، وهي زيادة تكاد تحقق الاكتفاء الذاتي.
فقد أقر مدير شعبة الإنتاج النباتي وحماية النبات لدى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، الفاو، وبحسب دراسات للبنك الدولي، بأن 50% من الزيادة في إنتاجية المحاصيل ترجع في الأساس إلى استخدام البذور المحسنة، وبأن مشروعات هذه البذور غير مكلفة بالمرة.
فهل ينتظر صانعو السياسات الزراعية في الوطن العربي مجاعة غذائية حتى يشرعوا في الاستثمار في مجال تكنولوجيا البذور والتقاوي، على غرار مجاعة الهند، التي أفنت أربعة ملايين هندي في الخمسينيات من القرن الماضي، وكانت شرارة بدء ثورة خضراء ارتكزت على مجموعة من السياسات الزراعية، أولها وأخطرها تقاوي القمح المحسنة عالية الإنتاج، حصلت عليها من معاهد البحوث الزراعية في المكسيك والفلبين بمساعدة عالم المحاصيل الأميركي المتخصص في إنتاج القمح، والحائز على جائزة نوبل، والملقب بأبي الثورة الخضراء في العالم، نورمان بورلوج (1914- 2009)، الذي أسس لهذه التكنولوجيا في تلك الدول في مرحلة سابقة.
واستطاعت الهند الواعدة أن تنشر تقاوي القمح الجديدة غزيرة الإنتاج في فترة زمنية قصيرة، وتصل إلى مزارعي البنجاب الفقراء في الشمال وكرلا في الجنوب. فتحولت من دولة تستورد عشرة ملايين طن من الحبوب عام 1963 إلى دولة تنتج الآن 250 مليون طن، وهي كمية تزيد عن خمسة أضعاف ما تنتجه الدول العربية مجتمعة، وتصدر منها 25 مليون طن، وتحقق فائضا في ميزان التجارة الزراعي قدره 14%، رغم أن عدد سكانها مليار وربع المليار نسمة، في حين يستورد العالم العربي 80% من غذائه.
وفي قراءة في تقرير وزارة الزراعة الأميركية الصادر هذا الشهر عن الحبوب: الأسواق والتجارة الخارجية، بلغ مجموع ما استوردته سبع دول عربية من القمح 36 مليون طن، بما يعادل 25% من المتاح من تجارته على مستوى العالم، ونالت مصر ميدالية أكبر مستورد على مستوى العالم بإجمالي 10.5 ملايين طن، تلتها الجزائر كثاني أكبر مستورد بإجمالي 7.5 ملايين طن.
ومن المتوقع زيادة واردات القمح العربية بنحو 75% على مدى الثلاثين سنة المقبلة. والدول العربية معرضة لصدمات أسعار الغذاء، بسبب نقص الإمدادات وتقلب الأسعار، فبينما يبلغ متوسط زمن الانتقال ضمن سلسلة إمدادات واردات القمح في هولندا 18 يوما بتكلفة 11 دولارا للطن، يبلغ في الدول العربية 78 يوما بتكلفة تصل إلى 40 دولارا للطن، وهي مدة تكفي تماماً لحدوث مجاعة كبرى.