أحمد فاتح الذي أحب المدرسة وخسرها

19 فبراير 2018
في المطعم حيث يعمل (العربي الجديد)
+ الخط -

تغيّرت حياة العديد من الأطفال السوريين بعدما تركوا بلادهم بسبب الحرب، ولجأوا إلى بلدان أخرى، منها لبنان. ظروفهم المادية الصعبة كانت أقوى منهم، وقد حرموا من أشياء كثيرة، منها الاطمئنان في كنف عائلة. خسر البعض أمهاتهم وآباءهم وصاروا يبحثون في البلدان التي لجأوا إليها عن مأوى وفرص عمل، حتى لا يتشرّدوا في الشوارع.

في المحصّلة، اضطروا مرغمين إلى ترك المدارس لأسباب عدة، منها عدم توفّرها، واختلاف المنهاج التعليمي، والبحث عن عمل حتى يؤمنوا لأهلهم ما يحتاجون إليه من مصاريف، وإن كان آباؤهم على قيد الحياة، إذ إن المتطلبات المعيشية كبيرة.

أحمد فاتح، هو أحد الأطفال الذين لجأوا إلى لبنان بسبب الحرب في سورية. يتحدّر من اللاذقية، ويبلغ من العمر خمسة عشر عاماً. لجأ إلى مدينة صيدا مع عائلته ليسكن فيها، وقد أجبرتهم ظروف الحرب في سورية على اللجوء إلى لبنان. وبما أن والدته فلسطينية كانت تعيش في لبنان، كان الانتقال والتكيّف أكثر سهولة بالنسبة للعائلة. يقول أحمد: "درست حتى الصف السابع الأساسي. في البداية، التحقت بمدارس وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وضمن الفترة الصباحية كون أمي فلسطينية من لبنان، وأتمتع بالحقوق نفسها التي تسري على الفلسطيني المقيم في لبنان. كنت أدرس في مدرسة في منطقة صيدا القديمة. وبعد انتقالنا للسكن في منطقة الغازية، انتقلت إلى مدرسة تابعة للأونروا، من دون أن أنسجم مع التلاميذ، ما أثّر على علاماتي. ثمّ انتقلنا للعيش في منطقة سيروب، فالتحقت بمدرسة خاصة بالتلاميذ السوريين، تابعة للدولة اللبنانية". في مدرسته الجديدة، شعر براحة أكبر، وتحسّنت علاماته، "لكن ظروفنا المادية لم تعد تسمح لنا بالبقاء في البيت الذي نسكنه بسبب ارتفاع بدل إيجاره. مرة جديدة، انتقلنا إلى صيدا القديمة للسكن. وبسبب عدم وجود إمكانية لتأمين سيارة تقلني إلى مدرستي القديمة، اضطررت إلى الالتحاق مجدداً بإحدى المدارس التابعة للأونروا".

يوضح لـ"العربي الجديد"، أنّه بعد التحاقه بالمدرسة الجديدة، كان قد خسر صفوفاً دراسية، وصار أصدقاؤه في صفوف أعلى منه. وبسبب الضغوط المادية التي كانت تعاني منها أسرته، قرّر ترك المدرسة وبدء العمل. حدث هذا خلال العام الدراسي الماضي، رغبة منه في مساعدة أهله في توفير المال. بدل إيجار المنزل مرتفع، والمعيشة في لبنان ليست سهلة، على حدّ قوله، في ظل ارتفاع الأسعار. سابقاً، وتحديداً في فترة العطلة الصيفية، كان يعمل في مجال تركيب وصيانة آلات التكييف. كذلك، عمل في فرن للمناقيش، ونجاراً. فكّر في امتهان النجارة، إلا أنه لم يحبها، واصفاً إياها بالمهنة الصعبة والخطيرة في آن. يقول: "وبعدما تنقلت في مهن كثيرة، استقرّ بي الحال في مطعم أتقاضى منه ثلاثمائة ألف ليرة لبنانية (مائتي دولار) شهرياً. في الوقت الحالي، أنا سعيد في عملي، خصوصاً أن صاحب المطعم رجل طيب وخلوق ويعاملني معاملة حسنة".


يلفت أحمد إلى أنه كان يرغب في تعلم صيانة الهواتف النقالة، ويندم اليوم لأنّه لم يكمل تعليمه وينهي المرحلة المتوسطة، حتى يتمكن من الالتحاق بمعهد يتعلم فيه صيانة الهواتف. يقول إنه يتمتّع بمواهب عدة، منها الصوت الجميل، ويتمنى أن يحصل على فرصة لإظهار موهبته. كما يأمل أن تنتهي الحرب في سورية، وإن كان لا يفضّل العودة إلى اللاذقية، علماً أن شاطئها جميل مثل شاطئ صيدا. لكن في الوقت الحالي، بات جميع أصدقائه في صيدا، إضافة إلى أقرباء والدته.

يهوى بحر صيدا، ويحب بيته. اليوم، يعرف كل شيء في هذه المدينة، بدءاً من شوارعها الكبيرة والضيقة، وليس انتهاء بسوقها. ويختم حديثه قائلاً إنه بات يعرف عن صيدا أكثر من اللاذقية التي ولد فيها.
المساهمون