أحمد صبيح.. المهملات في ضيافة الفن

22 سبتمبر 2014
+ الخط -
انتقلت أكوام من المخلّفات والمواد المُهملة في عمّان، إلى مكانها الجديد في صالة "غاليري 14"، بعد أن حوّلها التشكيلي الأردني أحمد صبيح (1965) إلى أعمالٍ فنيّة، مُعتمداً في تنفيذها على إعادة تدويرها ضمن صيغٍ إنشائية معاصرة. هذا الفعل المتمثّل في التأليف الإنشائي والجمالي بين المهملات وعناصرها المختلفة، ومنحها هوية العمل الفني، تؤكد إمكانات الفن في استنهاض المألوف والعابر في حياتنا اليومية، كما تقترح الأعمال العشرون في معرض صبيح، "أشياء"، المستمر حتى الرابع والعشرين من الشهر الجاري.

تتوزع المواد التي أعاد صبيح تدويرها بين شرائح إلكترونية، وأسلاك وقضبان معدنية، وأنابيب بلاستيكية، إضافة إلى استخدامه ما يخدم تكويناته الفنية من مخلّفات الخردة، ليعيد إنتاجها بأشكال وهيئات جديدة، من دون أن تفقد صلتها بمحيطها الذي انتزعت منه.

يستكشف صبيح في جلّ أعمال معرضه تلك المساحات الإنشائية والتعبيرية غير المتناهية التي تتيحها إمكانات "إعادة التدوير" الفني للمواد المستهلكة والمهملة، ضمن أنساق جمالية تنفتح من خلالها على الصيغ التفاعليّة بين الفن ومحيطه البيئي.

يختبر الفنان تطويعه للمخلفات بموادها وتنويعاتها الثرية، بشكل رئيسي في مجال تقنيات التصنيع والتصميم، خصوصاً لجهة التطبيق التركيبي على العديد من الموضوعات، مثل العجلات الهوائية و"الموتورات" الآلية، والمجسمات التي تحاكي مرئيات الواقع المعيش. تضاف إلى ذلك التكوينات المصغرة التي يمثل الكرسي فيها دلالة رمزية محورية.

لا يغدو تعامل صبيح مع مفردات بيئته ومخلفاتها المهملة سوى محاولة لتطويع الأثر البصري الذي تتوفر عليه تلك المفردات بشكل عشوائي، ولنقله من سياقه الهامشي إلى سياقٍ آخر يمنحه ارتسامات جديدة.

وحين يُشير صبيح، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن "الأشياء المهملة والمخلفات المستهلكة، تُرشدني عبر الحوار البصري، إلى التكوينات والإنشاءات التي ستصير عليها لاحقاً بحلة جديدة"، فإنه يدرك أن الحوار بينه وبين تلك المخلفات، يشكّل مدخله المباشر إلى الكشف عن طبيعة الشكل الفني الذي سيحتويها لاحقاً، ويحيلها إلى "مادةٍ وفكرةٍ" تعلن وجودها وحضورها الجديد، بأكثر من طريقةٍ وإشارة.

الفنان الذي بدأ مشروعه الفني قبل نحو خمس سنوات، راصداً في معظم اشتغالاته علاقة الإنسان مع محيطه المكاني، يقول إنه لا يخضع لمعادلات رياضية في عملية إعادة التدوير، وإن كانت غالبية أعماله تحمل في هيئتها الأولى مواصفات تصنيعية تماثل ما تقوم به كبريات شركات التصنيع، من حيث إيقاع الإنشاء والتكوين.

ويذهب إلى أن المستهلكات والمخلفات التي نتعامل معها في هامشنا الحياتي "هي بحد ذاتها معطيات فنية أنتجها تقنيون ومختصون لخدمة الإنسان في حياته اليومية، من دون أن ينتبهوا إلى قيمتها الجمالية التي تجعل منها مادة أولية لا تنقصها إلا نظرة تستطيع أن تقرأها من زاوية جديدة". التوظيف الجمالي والبصري للمخلفات والمهملات، مشفوعاً بالتبصّر والخيال، أضفى على أعمال المعرض بعداً تعبيرياً تقاطعت فيه الحدود الفاصلة بين حسيّة المادة، وفرادة التكوين والإنشاء.

المساهمون