أحداث كيمنتس الألمانية: العنصرية تنطلق بحرية

07 سبتمبر 2018
على الأكثرية إظهار معارضتها للهياكل المتطرفة اليمينية(جون ماكدوغال/فرانس برس)
+ الخط -


"انتهى النظام، ونحن نقطة التحول، ونحن الشعب"، وغيرها من الشعارات التي أطلقها اليمين الشعبوي والمتطرف مع النازيين الجدد في ألمانيا وأنصار حركة "بيغيدا" ومجموعة "حركة من أجل كيمنتس"، المعادية للاجئين في تظاهرات مدينة كيمنتس، على خلفية مقتل ألماني طعناً بسكين، على يد اثنين من المشتبه بهما من اللاجئين. الحادثة كانت كفيلة بدق ناقوس الخطر في ألمانيا ودفعت بالمسؤولين للتحرك، فيما تعتزم المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، زيارة المدينة لدعوة المواطنين للتحرك ضد الكراهية. ودعا وزير الخارجية، هايكو ماس، للدفاع عن الديمقراطية بحزم، بعد مشاهدات بينت أفراداً يجوبون الشوارع وهم يؤدون التحية النازية مجدداً. وذكر أن ألمانيا جلبت خلال الحرب العالمية الثانية معاناة لا يمكن تخيلها لأوروبا.

ولم تقتصر استفزازات حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي على المساهمة في حشد التظاهرات في الشارع، لا بل إنه عمد، بعد أن أوقفت السلطات أحد موظفي الجهاز القضائي في وزارة عدل ولاية سكسونيا على خلفية نشره مذكرة إلقاء القبض على الشابين المشتبه بهما بارتكاب الجريمة، لعرض فرص عمل مناسبة على الموظف بهدف الاستعانة بخبرته. وحتى أن أحد نواب الحزب في ولاية بادن وصف الموظف بالبطل.
ويبدو أن النار لا تزال تحت الرماد، في ظل الاستفزازات المستمرة منذ أكثر من أسبوع في ثالث أكبر مدينة في ولاية سكسونيا شرق البلاد. وبات هناك تخوف من أن يتمدد مشهد التعبئة على المستوى الوطني، في ظل الدعوات المتتالية للتظاهر ضد المهاجرين واليسار، أو المشاركة في فعاليات، لتتطور الأمور بعدها وينجم عنها أعمال عنف ونهب ومواجهات مع عناصر الشرطة. علماً أنه تردد في الإعلام أن هناك تواطؤاً من قبلها في أحداث كيمنتس، ما أدى إلى تفاقم الوضع، عدا عن التعرض للسياسيين والصحافيين والأجانب والمجتمع المدني. وفي هذا الإطار، يجب التذكير بما صرح به زعيم حزب "البديل"، ألكسندر غاولاند، ليلة الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية خريف العام 2017، إذ قال "سوف نطارد المستشارة ميركل لنستعيد بلدنا وشعبنا". ويبدو أن الأمر قد فُهم كنداء لمهاجمة السياسيين الديمقراطيين.

واعتبر خبراء ألمان في علم السياسة والاجتماع أن الهجمات على المهاجرين، وتلك التي تستهدف الصحافيين والكراهية للسياسيين الديمقراطيين، لم تأتِ من فراغ، إنما تولدت نتيجة كراهية مستعرة لفترة طويلة في نفوس مرتكبيها من اليمينيين الذين يريدون تحقيق أهدافهم وتقويض الاستقرار في ألمانيا وبث الذعر من خلال عمليات الحرق وإرهاب الشارع، ما سيكلف الكثير من المقيمين الأمان أو حتى فقدان الحياة، نتيجة مقاومة التطرف اليميني لكيان الدولة ودستوريتها وديمقراطيتها المفترض فيها أن تضمن لكل فرد كرامته وحمايته، وذلك على عكس تفكير المجموعات اليمينية المتطرفة التي تكره النقاش والحل الوسط وتمجد الفعل العنفي الموجود منذ عقود في ألمانيا والتي لا يلاحظها الجمهور بشكل عام، لا سيما ضد الأقليات. في المقابل، رأى الخبير المتخصص في حوار الثقافات ومبادرات الشباب وسياسات الإدارة البلدية في ولاية سكسونيا، مايكل ناتكي، أن غالبية الناس في كيمنتس هم من الديمقراطيين، فيما المتظاهرون من اليمين أقلية، وعلى الأكثرية إظهار وجودها ومعارضتها للهياكل المتطرفة اليمينية في مجتمع مدني ديمقراطي نشط، معرباً عن تخوفه من أن تنتقل الأحداث إلى مدن أخرى، مثل روستوك وكوتبوس وماغدبورغ.

تكتيكات ترامب تهدد الدولة

وفي وقت نبّه المسؤولون من مخاطر التعرض للمدنيين، وأنه إذا لم تعد الدولة قادرة على حماية مواطنيها، فإن الناس سيخرجون إلى الشوارع ويحمون أنفسهم، مؤكدين أن العنف غير مبرر بأي شكل من الأشكال، لفت محللون إلى أن اليمين الشعبوي  يتبع استراتيجية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب: التغريد أولاً ومن ثم التحضير الذي يترافق عادة مع بث الأخبار المزيفة لاستنهاض الشارع، لمحاولة لفت الانتباه مجدداً. والهدف طبعاً تغذية مواضيع مستهلكة في الواقع كقضية اللاجئين والأجانب، وبالتالي التلاعب بمشاعر الناس وتخويفهم، وهو ما أشار إليه نائب رئيس وزراء سكسونيا، مارتن دوليش، الذي وصف بعض سياسيي "البديل" بالفاشيين الجدد.


ويرى المراقبون أن "البديل" يعمد، عبر مسؤوليه المحليين، إلى تأجيج مظاهر الغضب بأسلوب تحريضي عبر منشورات وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، منها افتخارهم باحتجاجات المواطنين، واستخدام شعارات تقول إن غضب الناس يكسر المسار، وفق تعبير عضو برلمان ولاية برلين عن حزب "البديل"، تورستن فايس. وعليه ليس من المستغرب أن يلمس المواطن العادي أن ساسة الحزب الشعبوي على تنسيق وتواصل مع القيمين على التظاهرات من النازيين الجدد في مدينة كيمنتس. من جهة أخرى، اعتبر عدد من المحللين السياسيين أن الطريقة التي تعامل بها الإعلام والساسة مع الأحداث ساهمت في زيادة الاستقطاب، وأدت، في الأسبوع الأخير، إلى تقدم الحزب في استطلاعات الرأي وحصوله على 17 في المائة على مستوى ألمانيا. كما أنه ورغم أعمال العنف والمسيرات واشتباك ناشطي اليمين المتطرف والشعبوي مع الشرطة، فقد ارتفعت نسبة مؤيدي الحزب اليميني في سكسونيا إلى 25 في المائة، ليحل ثانياً بعد "المسيحي الديمقراطي"، وهو يحلم بأن يصبح أقوى حزب في سبتمبر/أيلول 2019 موعد الانتخابات في الولاية.

مطالبات بفرض سيادة القانون

ودفعت مظاهر الكراهية والعنصرية والعمل على استنهاض الشارع وغيرها من التحركات الخطيرة بعدد من السياسيين لمطالبة الرأي العام بإظهار رفضه لهذه الحوادث، وعدم إظهار البلاد وكأنها مرتع لليمين المتطرف والحركات المؤيدة له، مثل "بيغيدا" و"حركة من أجل كيمنتس". وهذا الأمر أثاره هايكو ماس، في مقابلة مع صحيفة "بيلد" نُشرت الأحد الماضي، إذ اتهم الألمان بالتلكؤ في محاربة العنصرية والدفاع عن الديمقراطية، معتبراً أن رفع التحية النازية في شوارعنا اليوم ليس سوى عارٍ على بلدنا، وعلى الألمان إنقاذ سمعة بلدهم. كما ارتفعت الأصوات المطالبة بالتغلب على هذه الظاهرة والبرهان أن بلد سيادة القانون والنظام والديمقراطية لا يقدم هدايا لأصحاب الوشوم والمشاغبين ورافعي شعارات هتلر من النازيين الجدد، ومطلقي التهديدات ضد الدولة والمجتمع، بالإضافة إلى التنديد بالتصريحات التي صدرت بعد الحادثة عن أعضاء في "البديل"، بينهم رئيسة كتلة الحزب في البوندستاغ (البرلمان)، أليس فايدل، التي وصفت الأمر بأنه مؤامرة ضد الشعب الألماني، وذلك بهدف تأجيج الجدل الدائر حول التهديد الذي يطاول سلامة المواطنين من قبل اللاجئين المتواجدين في كيمنتس.

مراقبة العلاقة بين "البديل" والنازيين 

وطالب نائب رئيس البوندستاغ، توماس أوبرمان، المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بمراقبة العلاقة بين حزب "البديل"، المشارك في موجة التظاهرات التي تعيشها المدينة، والنازيين الجدد، مؤكداً أنه لا يمكن التسامح مع العنف في ظل دولة القانون، ومهاجماً غاولاند الذي وصف أحداث كيمنتس "بأنها غضب طبيعي". ولفت إلى أن "البديل" يلعب وبتطرف مطرد على موجة اللاجئين التي تحدث انقساماً في المجتمع، علماً أن الضحية في كيمنتس من أصول مهاجرة، وولد لأب كوبي وأم ألمانية.

وفي السياق، يشدد خبراء في الشؤون الداخلية الألمانية على أن الهجرة وما يقوم به بعض اللاجئين ليست السبب الرئيسي لموجة الغضب والعنف الحالية كما يصوره اليمين، إنما هناك مجموعة تراكمات، بينها الأيديولوجيا وثقافة مواطني شرق ألمانيا والرعاية الاجتماعية والمعاشات التقاعدية والوظائف الآمنة، في ظل التأكيد على أهمية ترحيل اللاجئين من أصحاب الارتكابات الجرمية. ويعتبر خبراء في شؤون الحركات اليمينية أن هناك أشخاصاً يغذون تلك الحركات، بينهم مفكرون ومثقفون وصحافيون عبر مدوناتهم التي تعتمد كوسائل إعلام بديلة، عدا عن مفبركي التقارير الإخبارية لتغذية مزاج معين ضد اللاجئين، وهذه الظاهرة نمت بشكل ديناميكي خلال السنوات الأخيرة، حتى أنه يمكن الحديث عن شيطنة وترهيب عبر عملية تبدأ بالشعارات والتحريض. واعتبر رئيس البوندستاغ الأسبق، فولفغانغ تيرثي، في مقابلة مع شبكة "آي آر دي"، أن اللجنة الدستورية في سكسونيا قللت، وعلى مدى السنوات الماضية، من أهمية التطرف اليميني، والآن يتم التساؤل لماذا تقع هذه التجاوزات في الولاية، سواء في مدن مثل درسدن أو لايبزيغ أو بوتسن وهيدناو وكيمنتس. واعتبر أن عدداً من السياسيين السابقين كانوا يرددون أن سكسونيا ليس لديها مشكلة مع النازيين الجدد واليمين، والآن نشهد المستوى التالي من التصعيد، أي تفاعل الجماعات المتطرفة اليمينية المنظمة مع المشاغبين وحركة "بيغيدا" وحزب "البديل" إلى المتعاطفين معهم من المستائين والغاضبين على الطبقة السياسية الحاكمة. وشدد على أن الأمر بات يتطلب التعامل معه بجدية قبل أن تتفاقم الأمور وتهدد الوحدة الألمانية.