أحاديث برائحة الشواء!
في كامل حياتي، لم أملك يوما ترف الكتابة، بمعنى التزام الأصول التي درسناها في مادة النقد والبلاغة -على ما أعتقد- عن النص العلمي والأدبي والحياد والموضوعية ومناهج البحث العلمي، كما أن أدواتي بها جد محدودة من نحو ولغة و(بلاغة) ومفردات (زمخشرية)، لكون تأسيسي العلمي كان علميا بالأساس!
ببساطة كنت دوما صاحب قضية ولولا اعتقادي -بل يقيني- بصحتها ما تصدرت لها، لذا دوما أعتبر أني "كائب" لو قلت أني "كاتب"، لأني دوما (أحد أطراف) أي قضية أتصدى لها، محاميا عنها.
لو كنت ممن يعمل على قراءة النصوص لإجازة نشرها في المواقع، لكنت كما أنا دوما لا أشبه إلا نفسي، وما أجزت لنفسي نصا، أفعل ذلك وأنا مرتاح جدا للقرار. نشرت لي في موقع "العربي الجديد" عدة تدوينات، معظمها توفرت به لنقل في أحسن الظروف فرصة 25% من الانضباط والحياد، وجنح قليل من غير الملتبس في الإسقاط، فوقع نشره. سياسة النشر عند الموقع متشددة، وفوقها تحكم بالموقف السياسي الذي لم يتغير طيلة عام نشرت فيه موضوعات بتوقيعي.
الحديث عن (الخطاب المتوافق مع الزمن) لا يعني مطلقا النفاق، إنما هي ضرورة يقتضيها الوعاء الزمني للخطاب، بما أن الإعلام كان من بدء التاريخ أهم المحركات للسياسة وأداتها الفاعلة وعصاها الغليظة رغم أن الكل يربطه بالأدوات (الناعمة).
الشغب سمة تأبى إلا أن تبرز عندي، وهي ليست من صفات الكاتب في شيء، ولا من سمات الكتابة، فالهدوء في التعامل مطلوب إلا أن هذا الانفعال (اللعين) أحيانا، والذي أحاول دوما ضبطه قبل أن تتلبس به كتابتي، يرفض إلا أن يطل برأسه ويخرج لسانه، لا ألتزم مطلقا بشروط النشر، ولولا تغاضي المحرر عن بعضها لما تم نشر تدوينة واحدة لي، هذا أنا ولا أستطيع إلا أن أكون كما أنا رغم أني أحاول دوما أن أضبط هذي (الأنا).
أحب الحرية وقد أفعل أشياء تبدو مجنونة في سبيلها، أعشق المغامرة، لذا طباعي في الواقع هي مرآة لكتاباتي تعكسها حسب (قانون الانعكاس لسنيل). بالقدر نفسه أكره الفضول والتدخل في شؤون الآخرين
أشعر حين أحدد برقم معين من الكلمات شعورا خانقا وحانقا في الأوان نفسه، تماما كما لو أني على برنامج دايت يقيدني رغم كونه برنامجا صحيا يضبط "الميزان" في زمن كورونا الذي تضخمت فيه أجسامنا وترهلت أجسادنا وعقولنا. وكثيرا ما أضيف من عندي بعض السعرات الحرارية المغرية التي تقع عليها يداي مثل المكسرات، رغم أني أحاول (عدها) وأزيد فوقها قليلا في اليوم الأسبوعي للتحرر من الريجيم.
أول عيد أضحى ونسميه (عيد اللحم) بعد زواجي، أخذت ربع الخروف وجلست (عليه) مع زوجتي، أساعدها (بالكلام)، بعدما أضحت ابنتنا ذات الأربعين يوما لوهلة من النيام، وهي تنجر (من النجارة) ذلك "الموخر"، وهو أحد ربعي الشاة القريب للمؤخرة، أراقبها بشغف كبير وانتظار مليل، ثم اهتممت بشؤون إيقاد نار نشوي عليها لحم الخروف، وتركتها غارقة وسط بهاراتها وحبات طماطم وبصل وفلفل أخضر.
استمررنا أربع ساعات، لم تزعجنا فيها البنية إلى أن أتينا على كل ما كان في الكيس من لحم. لم تجد علب المشروبات الغازية (العائلية) معي نفعا، ودار بخلدي ساعتها أني أفرط في أكل لحوم بيضاء، ما قد يؤدي لإصابتي أو موتي، وسيطرت علي الفكرة حتى أرعبتني، وأصبحت أتحسس نبضي، قلبي، رأسي، بطني، نفسي، سلوكي، وكل شيء.
حتى "الدُش" فرضته علي روائح الشواء، وبعدها تشهدت عدة مرات ولم أنطق بعدها بشيء، فإذا ما داهمني ملك الموت تكون الشهادتان آخر ما نطقت، وتلحفت بـ"كوبيرتا" ونمت من الثالثة قبيل العصر إلى الثالثة قبيل الفجر، وقفت، تحركت، تحسست أطرافي، نفسي، قلبي، نعم أنا حي وفي صحة جيدة، فرحت كثيرا بأن الموت لم يقطفني في زهرة شبابي، وعلى العموم لا تستغربوا، فمن الأكل ما قتل، فلم يك موت جارنا الذي (غصٌ) في "هبرة" لحم وطني ببعيد.
أحب الحرية وقد أفعل أشياء تبدو مجنونة في سبيلها، أعشق المغامرة، لذا طباعي في الواقع هي مرآة لكتاباتي تعكسها حسب (قانون الانعكاس لسنيل). بالقدر نفسه أكره الفضول والتدخل في شؤون الآخرين رغم أني أمارس الأمرين معا (أحيانا)، أو للدقة، دائما في كتابتي.
الإعلام في وطننا العربي أصبح قطبين، وتجلى ذاك في سيطرة محورين عليه، ما تركا شيئا، حتى قصاصات أوراق تعلق على لوحة مسجد، تركيا وقطر من جانب، والإمارات وحلفها الشرير من جانب آخر، وليلتمس الآخر العذر لي أن وقعت في فخ الانحياز.
تصرف قطر المليارات من أجل جذب الناس إليها. والقطريون للأمانة، رغم أن ما يمتلكه الحلف المعادي لهم أضعاف أضعاف ما يمتلكونه، وينفق بالتالي أضعافا (مضاعفة) لما تنفقه قطر، إلا أن القطريين تميزوا جدا، برغم محدودية ما يملكونه حيال وفرة ما يملكه الآخرون، وهم ليسوا دولة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع، بل طابور من الدول العاجزة بصمتها المهين في أقله، حين يكون الانحياز ضرورة!
حين قررت الكتابة في "العربي الجديد"، كنت أعرف أن الدكتور عزمي بشارة هو مؤسسها وأن دولة قطر هي الممول لها. عرفت بشارة قوميا عروبيا، نائبا في الكنيست الإسرائيلي عن تجمع عرب 48، ولما ضاق به الاحتلال ذرعا، استقبلته قطر واحتفت به وأفردت له مساحات كبيرة للتنظير والحوار، وهو المفكر العربي.
نحن العرب اتفقنا على تطبيق (سوء الظن من محاسن الفطن)! فبالغنا في شكوكنا وذهبنا بعيدا جدا في ظنوننا، ورغم أني لا أهتم لأي كلمة تقال (في)، إلا أني أرسل ما أكتب لعنوان بريدي أزعم أني أعرف صاحبه، فإن أجاز هو وفريق التحرير ما كتبت، راسلني ببريد فيه روابط ما نشر، ويكون ردي بالشكر أنهم نشروا لي، وهنا أؤكد أني لا أتلقى أي أموال لأكتب ولا تعليمات بما أكتب بداية، لكون الكتابة ليست عملي الذي أعيش منه، بل موقف، ووجيه أن لا تقبض ثمن موقفك (العقدي)، فيعيبك ذاك، لكن من يدري لعلي ذات يوم أمتهن الكتابة إن برعت فيها.
قطر دولة ليست بالكبيرة، لكني أؤمن أن مطبخها السياسي من أفضل المطابخ العربية بل الأفضل على الإطلاق، من خلال نفقاتها نستطيع الحديث عن دولة رشيدة في الإنفاق فعلا، وتعتمد مبدأ الجودة، هناك "العربي" و"الجزيرة" يقفان في مواجهة مائة ضعف من القنوات التي درة تاجها سكاي نيوز العربية (الإماراتية).
قطر تلعب سياسة، ورغم مبدئيتها في موقفها تجاه السيسي وانقلاب يوليو/ تموز، فإنها تحافظ على شعرة معاوية، وهي التي تدرك أن مصر رغم نزوات (سيسيها وعسكره) تظل قاطرة العرب وخزانها البشري المبدع، ولذا تبقي على قنوات مفتوحة معها، بل وتفرد مساحة ليست بالقليلة لـ"شلة" السيسي الذين يظهرون علينا بوجوه شاحبة عابسة لا تضحك فتتسبب في عدم ظهور الصورة "حلوة"، حين نراهم ونسمعهم في قنواتها.
الإخوان المسلمون، رغم أنك حين تتحدث عنهم كأنك تتحدث عن خواء، باستثناء بعض قياداتهم، لكني ما وجدت إخوانيا على وجه البسيطة يقر بأنه إخواني، هؤلاء عرفوا اليوم فقط أن (الميدل نيم) لبشارة هو "أنطوان" وأنه يحاربهم منذ انقلاب 3 يوليو 2013.. هكذا فجأة!