أبوظبي ومليشياتها في اليمن: حقائق السيطرة ووقائع الوحشية

24 يونيو 2017
تتبع قوات الحزام الأمني للإمارات (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
الضرب والتعريض للحرارة الباردة، والشتائم والتهديدات بالقتل والاعتداء الجنسي، بما فيه الإجبار على التعري والتهديد بالاغتصاب، والصعق بالكهرباء، وتهديد أقارب المحتجزين، وغيرها من أنواع التعذيب، والإخفاء القسري، والسجون السرية، ليست وحدها المعلومات الصادمة لليمنيين، والتي كشف عنها تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الذي أزاح الستار عن ممارسات مريعة للقوات الإماراتية وحلفائها جنوبي اليمن.
التقرير الذي نشرته المنظمة، أول من أمس، يسلط الضوء على الجزء الجنوبي والشرقي في اليمن، والذي باتت الإمارات، بوصفها عضواً في التحالف العربي، وتقود واجهة عملياته جنوب اليمن، المتحكم فيه، وفقاً للشهادات والمعلومات الواردة من معتقلين ومسؤولين يمنيين رفيعي المستوى. ويركز التقرير، على وجه التحديد، على قوتين شبه عسكريتين، أسستهما أبو ظبي خلال العامين الماضيين، وتتلقيان منها التوجيهات، وهما قوات الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية. لتبدو محافظات جنوب وشرق اليمن وكأنها تحت احتلال، وليس كما توصف بـ"المناطق المحررة" الواقعة تحت سيطرة الشرعية.

ويكشف التقرير عموماً، عن ثلاث قوى على الأقل، تتحكم بالوضع الأمني والعسكري في جنوب اليمن وشرقه، خصوصاً محافظتي عدن وحضرموت. وأولى هذه القوى، هي الإماراتية، التي تحضر عن طريق وحدات إماراتية خاصة وضباط يمثلونها في أكثر من مركز أمني وعسكري، والثانية هي القوات الموالية للإمارات، أو المدعومة منها، وتأسست وفقاً لمصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، على أسس مناطقية في غالب الأحيان، ويمكن اعتبارها، أو اعتبار البعض منها، أقرب إلى المليشيات. أما القوات الثالثة المنتشرة، فهي ما تبقى من معسكرات نظامية ومليشيات نظامية محسوبة على الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، أو بالأحرى، غير معروفة بالولاء للإمارات، لكن جميع القوات والمليشيات المسلحة تقريباً تألفت حديثاً من مجندين وجنود سابقين، ينتمون إلى تلك المحافظات، ولا يظهر جزء منهم اعترافاً باليمن الواحد، الذي تحارب دول التحالف، بقيادة السعودية، تحت مبرر إعادة حكومته الشرعية.

وفي السياق، يتحدث التحقيق، الذي نشرته "هيومن رايتس ووتش"، بعد مقابلات أجراها باحثوها مع أقارب وأصدقاء محتجزين حاليين، ومحتجزين سابقين ومحامين وناشطين ومسؤولين حكوميين، بالإضافة إلى وثائق ومقاطع فيديو وصور قدمها محامون وناشطون، ورسائل وجهها محامون، أو أقارب لمحتجزين، إلى مختلف سلطات اليمن والتحالف، عن أن الإمارات تدير مركزي احتجاز غير رسميين على الأقل، وسط أنباء عن قيامها بنقل معتقلين إلى خارج اليمن. ويشير إلى أن الضباط الإماراتيين هم من يعود إليهم القرار بما يتعلق بالمعتقلين لدى القوى المدعومة إماراتياً، أو بالأحرى، التابعة إلى أبو ظبي. من جانبها، تنقسم القوات المدعومة إماراتياً، إلى قوتين أساسيتين، الأولى هي "قوات الحزام الأمني"، والتي تأسست وفقاً لما أوضحته مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، في الأشهر الأولى من عام 2016، من خليط من المجموعات المسلحة السلفية ومجموعات أخرى مسلحة من "الحراك الجنوبي" المطالب بالانفصال، ومجندين، بحيث أصبحت القوة الأولى في محافظة عدن ومحيطها، وتتبع أبوظبي إلى حد كبير. ووفقاً للمنظمة فإن "الحزام الأمني" تتبع رسمياً وزارة الداخلية، لكنها ممولة ومسيَّرة من الإمارات بحسب عدد من الناشطين والمحامين والمسؤولين الحكوميين. وتضيف "خلص تقرير أعده فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، ومركز المدنيين في حالات النزاع (سيفيك)، إلى أن الحزام الأمني عَمِلت خارج سلطة الحكومة اليمنية إلى حد كبير". وقال محتجزون سابقون وأقارب محتجزين على يد "الحزام الأمني" في عشرات المقابلات، وفقاً للمنظمة، إن "عناصر القوة أخبروهم بأنهم يتبعون أوامر الإمارات باعتقال مشتبه فيهم بالإرهاب، وإنهم لا يملكون صلاحية الإفراج عنهم من دون إذن خاص من الإمارات". وتكشف المعلومات أن "الحزام" تتلقى أوامر باعتقال أشخاص، لا يعلم ما هي التهم الموجهة إليهم بالضبط. ويقول ضابط إن "الإمارات لم تخبر الحزام الأمني بالتهم الموجهة إلى هؤلاء الرجال".


وتكشف التقارير عن قيام "قوات الحزام الأمني" باحتجاز عشرات الأشخاص تعسفياً والاعتداء عليهم. وتقول عدة أسر "إن القوات الأمنية، منها الحزام الأمني، استخدمت القوة المفرطة عند الاحتجاز، بما في ذلك ضرب المحتجزين بأسلحتهم واقتحام المنازل بالقوة"، كما اعتقلت "أقارب مشتبه فيهم عندما تعذر عليهم إيجاد الشخص الذي يريدونه للضغط عليه للاستسلام". ومن الحالات الموثقة، "زار أحد أفراد الأسرة أحد أقاربه في مرفق احتجاز غير رسمي، وقال له قريبه إنه احتجز في قاعدة إماراتية لشهور قبل نقله إلى مرفق الاحتجاز الحالي. وقال (أيضاً) إنه كان يستجوب ويضرب يومياً في القاعدة، وفقد وعيه مرة وظل طريح الفراش".

سجون سرية

حسب التقرير فقد "وصف محامون وناشطون ومعتقلون سابقون وأقارب ستة مرافق احتجاز على الأقل غير رسمية أو سرية في عدن"، إذ جمع شخص أكثر من 150 اسماً لمعتقلين من قبل قوات الأمن، وقارنها بقوائم المحتجزين في السجن المركزي وإدارة البحث الجنائي، فوجد أن نحو 50 منهم لم يكونوا في أي من مراكز الاحتجاز. وقالت مصادر، بينها مسؤولون حكوميون، إن "المحامين والناشطين والقضاة والمدعين العامين والمنظمات الدولية لم يتمكنوا من الوصول إلى مرافق الاحتجاز غير الرسمية، أو السجون السرية في عدن". وأفاد تقرير المنظمة، نقلاً عن مصادر، أن "إدارة الأمن، التي تشرف عليها وزارة الداخلية وتدعم الإمارات كبار مسؤوليها، تدير أيضاً مرافق احتجاز غير رسمية، وسجوناً سرية، بما فيها في مديرية التواهي، وهي منطقة في عدن يعيش فيها مدير أمن محافظة عدن، وفي معسكر طارق في خور مكسر".

إخفاء قسري

ويقول تقرير المنظمة إن "العديد من الأشخاص الذين تم إخفاؤهم قسراً كانوا قد اعتقلوا في البداية من قبل الحزام الأمني. وقال مسؤولون حكوميون لهم في ما بعد إنهم نُقلوا إلى مراكز الاحتجاز الخاضعة لسيطرة الإمارات، وإن المسؤولين اليمنيين وضباط الحزام الأمني لم يعودوا قادرين على التدخل". وتنقل المنظمة إفادة أحد المتابعين أنهم يعرفون "10 محتجزين بالاسم نُقلوا إلى السجن المركزي بعد أن فقدوا لمدة ثلاثة إلى سبعة شهور، وأفادوا بعد ذلك بأن القوات الإماراتية هي التي احتجزتهم. وقال ثلاثة معتقلين سابقين منهم لـ"هيومن رايتس ووتش" إنه "أثناء احتجازهم في السجن المركزي، نُقل بعض الرجال إلى السجن، وقالوا إن الإمارات كانت تحتجزهم". ويشير التقرير إلى نقل أكثر من 50 محتجزاً من السجن المركزي إلى المقر الإماراتي في مديرية البريقة في العام 2017.


النيابة لا تجد تجاوباً

ومما تكشف أيضاً في عدن أن أوامر النيابة لا تلقى تجاوباً، باعتبار أن الأجهزة الأمنية تخضع للإمارات والتحالف. وتقول المنظمة إنه "رغم أن نظام المحاكم في عدن معطل إلى حد كبير، إلا أن النيابة العامة تواصل إصدار أوامر الإفراج عن الأشخاص إذا لم تكن هناك أدلة كافية لاحتجازهم. وكثيراً ما لا تُحترم أوامر النيابة العامة". ففي أواخر 2016، حسب المنظمة، أصدرت النيابة العامة أوامر بإطلاق سراح 27 شخصاً اعتقلتهم "قوات الحزام الأمني"، واحتجزوا للاشتباه بالإرهاب. وأفرج عن 10 أشخاص بحلول فبراير/شباط 2017. وقال مسؤولو "الحزام الأمني" في السجن للنيابة العامة إنه لا يمكن إطلاق سراح 17 آخرين من دون إصدار أمر من التحالف، لأن "الحزام الأمني" اعتقلتهم وأصبحوا خاضعين لسيطرة التحالف. كما حددت النيابة العامة بعد فترة وجيزة 35 محتجزاً إضافياً، متهمين جميعاً بالإرهاب، للإفراج عنهم. وقال ثلاثة محامين إن "مدير السجن أخبرهم، في اجتماع، أنه لم يتمكن من الإفراج عن أشخاص معينين، حتى لو كان لديهم أوامر بالإفراج عنهم، لأن القرار كان لدى التحالف".

قوات النخبة الحضرمية... الإماراتية

على الجانب الآخر، في المناطق الشرقية لليمن، وتحديداً محافظة حضرموت النفطية التي تحتل نحو ثلث اليمن، أسست الإمارات، قوة أخرى بموازاة "الحزام الأمني" في عدن، لكنها في المكلا مركز محافظة حضرموت، وتعرف باسم "قوات النخبة الحضرمية"، وتتألف من مجندين وعسكريين سابقين، من المنتمين إلى محافظة حضرموت ذاتها (تأسيس مناطقي يواجه هو الآخر انتقادات). ولا يبتعد الأمر كثيراً في حضرموت عن عدن، من ناحية الانتهاكات والقصص المرعبة للتعامل اللإنساني من القوات التي تشرف عليها أبو ظبي. وتأسست "النخبة الحضرمية"، على هامش الحملة التي أشرفت عليها الإمارات لإخراج مسلحي تنظيم "القاعدة" من مدينة المكلا مركز حضرموت، في ابريل/نيسان 2016، وهي تتبع إلى "المنطقة العسكرية الثانية". وحسب تقرير "رايتس ووتش" فقد أبلغت الإمارات فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن بأنها قدمت "مساعدة عسكرية ومالية وتدريبية" و"معلومات استخبارية ومعلومات لوجستية وتدخلاً جوياً"، لكن القوات كانت تحت سيطرة القوات المسلحة اليمنية، إلا أن فريق الأمم المتحدة أشار إلى أن هذه القوات، و"رغم أنها تحت قيادة الحكومة الشرعية، إلا أنها تخضع فعلياً للسيطرة التنفيذية لدولة الإمارات التي تشرف على العمليات البرية في المكلا". وقد خلص إلى ذلك أيضاً تقرير صدر في 2016 عن مركز "سيفيك".

ويقول التقرير إن قوات النخبة الحضرمية احتجزت بشكل تعسفي وأخفت قسراً عشرات الناس، إذ قابلت "هيومن رايتس ووتش" أعضاء لجنة تمثل أفراد أسر المختفين، الذين جمعوا أسماء 87 شخصاً اختفوا في المنطقة الساحلية بحضرموت (منطقة سيطرة "النخبة"). وقدم مراقبو حقوق يمنيون قائمة تضم 142 شخصاً قالوا إنهم تعرضوا للاعتقال التعسفي أو الإخفاء القسري في حضرموت منذ مايو/أيار 2016، غالبيتهم العظمى على يد قوات النخبة الحضرمية. وقال أحد أفراد عائلة رجل اختفى في مايو/أيار 2016 إن نحو 25 رجلاً من بلدته اختفوا منذ دخول الإمارات إلى المكلا. وقال أفراد أسر معتقلين ومعتقلين سابقين ومحامين ونشطاء، وفقاً للمنظمة، إن "الإمارات تدير مرافق احتجاز غير رسمية في المكلا، بالإضافة إلى مركز اعتقال رئيسي في مطار الريان (المطار الرئيسي في المكلا). وأفاد أفراد عائلات محتجزين أنهم سمعوا أن الرجال في مرفق الاحتجاز يتعرضون للضرب والإيذاء. وقال أحد أعضاء لجنة الاعتقال إن "الضباط اليمنيين والإماراتيين استجوبوا المعتقلين، وإن هناك تقارير تفيد بالتعذيب والضرب، و"كثير من الأشياء التي لا أستطيع قولها، ويحرجني قولها". وقال سجين كان محتجزاً إنه تعرض للضرب على أيدي 7 من عناصر قوات النخبة الحضرمية، وأنه تعرض للكمات في الوجه وضُرب بالأسلاك المعدنية أثناء استجوابه عند نقطة تفتيش عسكرية قبل نقله إلى مطار الريان.

إماراتيون بأسماء مستعارة

من النقاط اللافتة التي يوثقها التقرير، إفادة أفراد في حضرموت بأن الإماراتيين يستخدمون أسماء مستعارة لعدم التعرف عليهم. وقال أفراد في حضرموت إنهم تحدثوا عبر الهاتف مع ضباط إماراتيين، يستخدمون أسماء مستعارة، اعترفوا بحجز أفراد أسرهم، وسمحوا للأسر بالتحدث إلى أقاربهم المفقودين عبر الهاتف، وطلبوا منهم عدم الاحتجاج أو التحدث إلى وسائل الإعلام. وقالت امرأة "لا نعرف أسماءهم. قالت العائلات إن قيام الإمارات بإخفاء الأسماء الحقيقية كان مشابهاً لما يفعله الحوثيون وعناصر القاعدة". وتوثق في السياق اعتقال شخص يُدعى "ريمي"، فبعد أن أخرج التحالف "القاعدة" من المكلا، اعتُقل ريمي من قبل رجال خلال أول حملة أمنية واسعة النطاق ربيع 2016. وسُجن في مطار الريان، حيث استجوبه أبو أحمد، وهو ضابط إماراتي، قالت عائلات عدة إنه مسؤول عن مرافق الاحتجاز.

إيذاء وتعذيب

وعلى نحو ربما لم يسبق أن سُمع عنه في اليمن، أفاد أفراد في عائلات معتقلين أنهم سمعوا أن الرجال يتعرضون، في مرافق الاحتجاز، إلى الضرب والإيذاء. وقال أحد أعضاء لجنة الاعتقال (محلية) إن الضباط اليمنيين والإماراتيين استجوبوا المعتقلين، وإن هناك تقارير تفيد بالتعذيب والضرب و"كثير من الأشياء التي لا أستطيع قولها، ويحرجني قولها". وقال محتجز سابق إنه تعرض للضرب على أيدي سبعة من عناصر قوات النخبة الحضرمية، وتعرض للكمات في الوجه وضُرب بالأسلاك المعدنية أثناء استجوابه عند نقطة تفتيش عسكرية قبل نقله إلى مطار الريان". وتضيف "هيومن رايتس ووتش" أنها اطلعت على "شهادات كتبها رجلان احتجزا في مقر المخابرات الأمنية والقصر الرئاسي ومطار الريان. ووصفت الشهادات سوء المعاملة، منها الضرب والتعريض لدرجات الحرارة الباردة، والشتائم والتهديدات بالقتل والاعتداء الجنسي، بما فيه الإجبار على التعري والتهديد بالاغتصاب". وتأكدت المنظمة من أن "الرجال اعتقلوا، من خلال الحديث مع الأصدقاء وأفراد العائلة".

بعيداً عن الإعلام

ويكشف جانب التفاصيل المشار إليها، والتي يتوسع تقرير المنظمة في الحديث عنها وسرد تفاصيل خطيرة، عن الحقيقة الأخرى للأوضاع في جنوب اليمن، إذ إن الإمارات تقدم نفسها عبر وسائل الإعلام من بوابة "المساعدات"، وأعمال "الهلال الأحمر الإماراتي"، الذي يقدم السلال الغذائية والمساعدات المحدودة لتبييض وجه أبو ظبي، غير أن المعلومات التي وثقها تقرير "هيومن رايتس ووتش"، وقبله تقارير منظمات محلية، تكشف وجهاً آخر لأبو ظبي في جنوب اليمن، سواء من جانب الممارسات الوحشية أو اللإنسانية، أو بما يتعلق، بحقيقة أن الإمارات تتصرف كسلطة حصرية خارج سلطة الشرعية، في المناطق التي تُوصف بـ"المحررة"، وتحتل ما يقرب من ثلثي مساحة اليمن. وطالبت منظمة العفو الدولية بإجراء تحقيق دولي وعاجل في دور الإمارات بتأسيس شبكات تعذيب في اليمن. وأوضحت أن آلاف اليمنيين اختفوا في هذه الشبكة، وأن الإخفاء القسري والتعذيب جرائم يعاقب عليها القانون الدولي، مضيفة أن هذه الجرائم يجب التحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها.