ظلت الأبقار مقدسة في الهند لعقود طويلة. لكن يبدو أنها لم تعد كما كانت في السابق، حيث أصبح الكثير منها يجوب شوارع الهند على غير هدى، وتتعرض للكثير من حوادث الطرق، والبعض أصبح ينتهي به الحال قطعة شواء على مائدة الغداء.
تمر بالقرب من الحيوان الهزيل في قلب نيودلهي عربات "الركشة " والدراجات وسيارات لا تتوقف أبواقها عن الصياح. لا تجفل الأبقار بل تواصل سيرها، فيما يتوقف المرور حتى تمر.
لا يزال الكثير من الهندوس يتعاملون مع البقر على أنها كائن مقدس، ولكن الأحوال لم تعد كما كانت عليه في السابق، فقد أصبحت الأبقار تتعرض للملاحقة والمطاردة، ويتم توقيفها وأحيانا يُضحّى بها في مجازر غير شرعية.
تقول إحدى السيدات الهندوس "في السابق كان أول رغيف من الخبز العربي يقدم للبقرة، التي كانت تنتظره في موعده بالضبط أمام باب المنزل. الآن مع انتشار ناطحات السحاب في المدن الكبرى لم تعد هناك أبقار لإطعامها".
تقول ريدي كالي، مسؤولة مؤسسة ديهان التي ترعى الحيوانات الجريحة ضحية حوادث الطرق، إن "أعداد الأبقار والثيران تتناقص بسرعة كبيرة"، معربة عن أسفها لأن بعض الأبقار تكون في حالة مزرية: "عثرنا مرة على أكثر من 16 كيل غراما من البلاستيك في معدة إحدى الأبقار، وأحيانا نعثر على قطع معدنية وإبر".
ويحدث هذا، على الرغم من أن معظم الحيوانات لديها أصحاب من المزارعين ومنتجي الألبان. لكن مع النمو السرطاني الذي شهدته المدن الكبرى في الهند، في السنوات الأخيرة، نيودلهي على سبيل المثال، بدأت تتآكل مساحات الحظائر في القرى الملحقة بالضواحي، علاوة على أن هذا النمو بصورته الحالية جعل بعض الحظائر تقع فعليا بين المناطق العمرانية في وسط المدنية.
ويعرب شيفان شنانا من المؤسسة ذاتها عن أسفه قائلا: "لم يعد منتجو الألبان يطعمون أبقارهم، بل أصبحوا يتركونها ترعى في الطرقات أثناء النهار".
ولكن في المناطق الحضرية لا تحظى الأبقار بالاحترام اللائق، حيث يقول ر.د. سينغ، في رسالة إلى بريد القراء في صحيفة "The Hindu" :"لقد أصبحت قطعان الأبقار التي ترعى في الشوارع بمثابة وباء حقيقي. مئات الأبقار تعوق حركة المرور، تلوث الشوارع وهو ما يمثل خطرا يهدد الصحة العامة".
من ناحية أخرى، بدأت تنتشر ظاهرة "صائدي الأبقار" الذين يقومون باصطياد الحيوانات التي يعثرون عليها في منتصف الطريق ويحملونها في شاحنات لتلقى مصيرها.
هناك شاحنات تنقل الأبقار إلى الريف لتكون في أمان، ولكن الكثير من هذه الشاحنات لها أهداف أخرى، ذات مرة أوقفت الشرطة إحدى هذه الشاحنات وهي تحمل نصف دستة من الأبقار كانت في طريقها إلى الذبح. في العادة تستقبل العاصمة اللحوم المذبوحة من هذا النوع عبر قنوات سرية غير مشروعة، بينما يتداول الباحثون عن اللحوم في الأعياد والمناسبات أرقام تجارها كما لو كانوا مروجي ممنوعات.
يقول فيبول مودجال (53 عاما) "في الماضي كنا نعيش في عالم نباتي مثل طائفة البراهمة والهندوس، وكانت الأسر التي تنتمي إلى علية القوم من النباتيين". وعلى الرغم من ذلك يعترف بأنه مثل الكثير من الهنود يحب لحوم الدواجن، ونادرا ما يفكر في تناول لحوم الأبقار.
وحسب إحصائيات الأمم المتحدة، ارتفع معدل استهلاك اللحوم في الهند بين 1980 و2005 من 3.7 كغم إلى 5.1 كغم للفرد سنويا، على الرغم من أنها لا تزال نسبة متدنية كثيرا مقارنة بالدول الغربية، وخصوصاً أن البقرة لا تزال تحظى بقدر كبير من الاحترام بين مختلف طبقات المجتمع الهندي، يصل إلى درجة توقير الأم التي تعد مصدر الحياة.
في معبد شيفا، يركع الهندوس المتدينون أمام تمثال الثور المقدس ناندي، الذي يمتطيه تمثال للإله راعي قطعان الماشية، ويهمسون له بحاجاتهم ليبلغ شيفا بها لكي يلبيها.
من جانبها، تعلق الشابة نيدي شارما قائلة "بالنسبة إلى الأجيال الجديدة، الاعتقاد الأساسي الآن في المنطق، ومن ثم ترى النفع الوحيد للأبقار في تحويلها إلى قطعة لحم تؤكل"، مشيرة إلى أنها تفعل ذلك بالطبع خارج المنزل، حيث لا يزال والداها يعتبران هذا السلوك "إهانة لا تغتفر". أما شقيقها فيرى أنها "حطمت إحدى تقاليد الأسرة العريقة".
بدوره، يوضح المؤرخ سهيل هاشمي أنه ليس صحيحا أن غالبية الهنود كانوا نباتيين منذ الأزل، مؤكدا "هذا الاعتقاد هراء محض"، مشيرا إلى أن طائفة البراهمة رعت قطعان الماشية منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، وبطبيعة الحال أكلت لحومها. يؤكد هاشمي أنه "عندما استقروا وتوقفوا عن حياة الرعي ليمارسوا الزراعة، أصبحوا يحتاجون الأبقار لحرث الأرض، فبدأت البقرة تحتل مكانة مهمة في المجتمع. قرار منع ذبح البقر الذي سنه الرهبان الهندوس كان بدافع اقتصادي أكثر من كونه دينيّاً".