أبطال حقيقيون في سورية

30 ابريل 2016
يكلّفون بإزالة مخلّفات القصف أيضاً (الأناضول)
+ الخط -
يعيش المدنيون في مناطق سيطرة المعارضة في سورية أياماً متفاوتة ما بين الهدوء والقصف، وما بين العمل والبطالة. وحدهم عمال النظافة يعملون بوتيرة واحدة طوال أيام الأسبوع على تنظيف الشوارع وترحيل النفايات من المناطق السكنية. بالإضافة إلى متاعب المهنة الاعتيادية، كالعمل في الظروف الجوية الصعبة وساعات العمل الطويلة والمرهقة، يواجه هؤلاء العمال الذين يتبعون المجالس المحلية للمدن، مخاطر القصف والاشتباكات، ويشهدون على مآس لا حصر لها.

في حلب، تعتبر أيام القصف هي الأسوأ من ناحية النظافة. تعيق عمليات القصف فرق النظافة عن الوصول إلى العديد من المناطق. يقول المواطن أبو حسان: "النفايات تتراكم أياماً عديدة داخل الأحياء. فالآليات المسؤولة عن جمعها تتوقف عندما يحضر الطيران الحربي في الأجواء، خوفاً من الاستهداف".

من جهته، يقول مدير المجلس المحلي في مدينة حلب بريتا حاجي حسن، لـ"العربي الجديد": "يعمل نحو 400 عامل نظافة، على ترحيل النفايات من 6 قطاعات في حلب، يواجهون مشاكل نقص شاحنات ضغط النفايات، ما يضطرهم إلى الاستعانة بالجرارات. تبقى المشكلة الأكبر التي نواجهها هي القصف، الذي يعيق عملنا بنسبة معينة. عمالنا أبطال حقيقيون يعملون في أتعس الظروف وأخطرها. فقدنا حتى اليوم 25 عاملاً. قبل فترة، فقدنا عاملين كانا يعملان على بخ الجو للوقاية من داء الليشمانيا، حين قصفت طائرات النظام أحياء حلب".

يشير حاجي حسن إلى أنّه بالرغم من أنّ العمال يتقاضون رواتبهم اليوم، لكن لا وجود لمصادر دخل ثابتة لهم بعد. يوضح: "العام الماضي عملوا طوال 6 أشهر من دون أن يتقاضوا أتعابهم. نفذنا مشاريع تنموية لتأمين دخل، لكنّها لم تنجح بسبب الأوضاع المتردية، ولا يمكننا في هذا الوقت فرض جباية على الناس الذين يعانون أصلاً من أوضاع معيشية متردية. تعاقدنا مع جهة داعمة لتقديم رواتب للعمال حتى سبتمبر/ أيلول المقبل".


أم جهاد، زوجة أحد عمال النظافة في حلب، تقول: "يعمل زوجي منذ نحو عام ونصف العام في هذه المهنة. عمره 55 عاماً. لم أكن أعرف أنّ هذا العمل متعب إلى هذا الحد. في بلدان أخرى قد لا يعمل عامل النظافة بيديه ولا تتسخ ثيابه أصلاً، هنا كلّ شيء بأيديهم وفي ظروف سيئة جداً. الجو حار هذه الأيام والمياه مقطوعة معظم أيام الأسبوع. في كثير من الأحيان لا يجد زوجي مياهاً يستحم بها، فلا يقترب منه الأطفال بسبب الرائحة، لكننا مضطرون لتحمّل كلّ هذا كي نعيش. حاولت إقناعه كثيراً بالعدول عن هذه المهنة والعمل كبائع، لكنّه لم يستجب وقال إنّ هذا العمل هو أفضل ما يمكن أن يقدمه للبلد في هذا العمر".

في الغوطة الشرقية، يتولى عمال النظافة التابعون لمجالس الإدارة المحلية، جمع النفايات ووضعها في مكبات خاصة خارج كلّ قرية أو بلدة. عامل النظافة أبو محمد، وهو أب لثلاثة أطفال، يخرج من منزله إلى عمله مع ساعات الصباح الأولى. يقول: "حين أخرج، لا أعلم ما الذي ينتظرني. وبينما يكون أطفالي نياماً أتساءل هل سأراهم في المساء، لكنّي أتوكل على الله. في ساعات الصباح تكون الغوطة هادئة ويكون الناس نياماً، أحياناً أنسى أننا في حرب، لكن بعد ساعات قليلة تبدأ المروحيات والطائرات الحربية التحليق في الأجواء. اعتدناها، فلا نتوقف عن العمل إلّا في الظروف الخطيرة جداً إن كان القصف قريباً جداً منا مثلاً".

يعمل أبو محمد في هذه المهنة منذ سبع سنوات، يقول إنه يفخر بها كثيراً، وإنّه متمسك بها كتمسكه بالبقاء في الغوطة، بالرغم من المتاعب الكثيرة. يوضح: "أعاني منذ أشهر من آلام أسفل ظهري، ولم أتمكن من إجراء تصوير شعاعي له لعدم توفره في المستشفى هنا. نرى في ساعات الصباح الكثير من المآسي التي لا يراها الناس في النهار. ذات مرة وجدت أنا وزميلي طفلاً عمره أشهر فقط مرمياً على قارعة الطريق، فسلّمناه إلى إحدى الجمعيات الخيرية. في مرة أخرى، وجدنا سيدة مسنة تنام في الشارع بعدما دمّر منزلها. كذلك، نرى أطفالاً يبحثون عن الطعام في القمامة".

في المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة، لا يقتصر عمل عمال النظافة على جمع القمامة الاعتيادية فقط. فهو يمتد أحياناً إلى إزالة مخلّفات القصف والدمار من الطرقات. يوضح عامل النظافة الخمسيني في غوطة دمشق أبو كفاح: "تزيل الجرارات الكتل الكبيرة وننظف نحن المخلفات، من أجل فتح الشوارع وعودة الناس إلى العمل والحياة من جديد، مع العلم أنّ ما نجنيه ليس كافياً، لكننا نخدم أطفالنا وأهلنا ونحميهم من الأمراض".