لم تشارك آن فرنجية في تأسيس جمعية "فير فاس" (وعينا مواجهة)، التي تستمع إلى مرضى السرطان. هي كانت خارج لبنان. وبعدما أدركت أهميّة مجموعات الدعم، انضمّت إلى الجمعية قبل أن تصير رئيستها.
- متى تأسست جمعية "فير فاس" (وعينا مواجهة)؟ ولماذا؟
أسّست "فير فاس"، وهي جمعية غير حكومية لا تبغي الربح، عام 1995، مجموعة من مرضى السرطان، أو الذين يهتمون بمرضى السرطان، وعدد قليل من أطباء الأورام والمعالجين النفسيين. في انطلاقتها، ضمت خمسة أطباء وعشر نساء. في ذلك الوقت، كان يعقد اجتماعان أو ثلاثة أسبوعياً، بوجود معالج نفسي وطبيب للإجابة عن الأسئلة.
لاحقاً لاحظنا، بمساعدة الأطباء، أن عدداً كبيراً من النساء اللواتي تشخّص إصابتهن بمرض سرطان الثدي، يكنّ في مرحلة متأخّرة، علماً أنه يمكن الوقاية من المرض من خلال الكشف المبكر، وإجراء الصورة الإشعاعية للثدي دورياً. خلال عام 1997، أطلقت الجمعية برنامجاً لإجراء الصورة مجاناً في عدد من المراكز الصحية على مدار العام، علماً أن اللجنة الوطنية لسرطان الثدي في وزارة الصحة تطلق برنامجاً مماثلاً اليوم، لكن لمدة ثلاثة أشهر في السنة.
في الماضي، لم نكن نقدم أي مساعدات مالية للمرضى، لكننا أدركنا أن بعض المبالغ المالية البسيطة (نحو 300 دولار على سبيل المثال)، قد تخفف عن كاهل البعض. في أحيان أخرى، نتكفّل بتأمين الرمامة أو حمالة الصدر أو الشعر المستعار للنساء المحتاجات، أو نساهم في تغطية كلفة العلاج. وحتى يونيو/حزيران الماضي، استفادت 5000 امرأة من برنامج الصورة المجانية، فيما وزعت نحو 175 رمامة وحمالة صدر وشعر مستعار منذ عام 2010.
- ما هو هدف الجمعية؟
كان الهدف وما زال جعل المصابين بالسرطان (علماً أن الجمعية تهتم بجميع مرضى السرطان) يتحدثون عن معاناتهم وآلامهم، من خلال مجموعات الدعم التي تتألف من متطوعين (غالبيتهم مرضى سابقون) يزورون المرضى يومياً في أحد المستشفيات الذي تعاقدنا معه، وذلك بعد لقاء المعالج النفسي لمعرفة كيفية التعامل معهم. نسعى إلى الاستماع إلى المرضى، وجعلهم يقابلون أناساً اختبروا تجربة مماثلة كي يعرفوا أن الإصابة بالمرض ليست النهاية، بالإضافة إلى كسر عزلتهم والتخفيف من وحدتهم وإعطائهم الدّعم المعنوي الذي يحتاجون إليه.
- لماذا انضممت إلى الجمعية؟
عشتُ تجربة مماثلة مع زوجي الذي كان قد أصيب بمرض السرطان، وسافرت معه إلى الولايات المتحدة ليتلقى العلاج. هناك، اختبرت أمراً مختلفا تماماً. لاحظت أن المريض أكثر راحة، ولا يفكر في الاختباء من مرضه. كان هناك متطوعون يساعدون المرضى والأهل، بالإضافة إلى متخصصين في علم النفس. مهمتهم الاستماع إلى المرضى والأهل. في المقابل، كان المريض في لبنان يخبّأ في الخزانة أو الثلاجة.
- من خلال تواصلكم الدائم مع مرضى السرطان، ماذا حققتم حتى اليوم؟
ما حققناه ليس بسيطاً. يكفي أن المرأة والرجل باتا قادرين على مقاومة المرض ورأسهما مرفوع. ساهمنا في تقوية معنويات المرضى، ليخرجوا مرضهم من تحت الأرض. كان لنا دور إيجابي في كسر "التابو" المتعلق بالسرطان. كثيرون لم يعودوا يخشون إعلان الأمر. في ما مضى، كان المريض يخبرنا أنه يمكث في المستشفى لأخذ دواء مضاد للالتهابات، أو لاستئصال بثرة.
- ما أهمية مجموعات الدعم؟
لمجموعات الدعم أهمية كبيرة. وغالباً ما يكونون قد شفوا من السرطان. في البداية، نتأكد من أنهم قادرون على التحمّل، قبل الاستعانة بمعالج نفسي في المستشفى لمعرفة كيفية التعاطي مع المريض. في كثير من الأحيان، يتردد المريض في البوح بكل ما في داخله لأهله أو المقربين منه، حفاظاً على مشاعرهم. لذلك، تراهم يفضلون التحدث إلى شخص غريب، لأنه سيتأثر بطريقة مختلفة، أي أنهم لا يخشون على مشاعرنا.
وهناك حاجة لدى الأهل أيضاً للتحدّث، وخصوصاً أولئك الذين يقضون وقتاً طويلاً مع المريض. أحياناً، هم في حاجة للقول إنهم تعبوا، أو أنهم غير راضين عن العلاج، أو أنهم لم يتآلفوا ببساطة مع الطبيب المعالج، أو يخشون فقدان من يحبون. ولأننا لسنا جزءاً من العائلة، فقد يكون الأمر أكثر سهولة بالنسبة إليهم.
اقرأ أيضاً: سرطان الثدي.. الكشف المبكر عنه يحسر ضحاياه
- ماذا أضافت لك هذه العلاقة المباشرة مع مرضى السرطان وأهلهم؟
حصلتُ على الكثير. الناس أعطوني الحب. يكفي أنهم وثقوا بي وأخبروني ما يدور في داخلهم. أسمع عبارات جميلة. حين ألتقي بهم، يقولون: "اشتقنالك" أو "شو حلوة ضحكتك اليوم" أو "جاءوا الملائكة". منحونا هذا اللقب. من خلال هذا العمل، أخذتُ أكثر مما أعطيت.
- ما هو دور الجمعية ضمن اللجنة الوطنية لسرطان الثدي في وزارة الصحة؟
شعار الحملة التي تطلقها وزارة الصحة هذا العام هو "ذكّرها مرة بالسنة وكل سنة بالصورة الإشعاعيّة للثدي". من جهتنا، سنعمل على إلقاء محاضرات في المستوصفات وغيرها من المراكز الصحية للتوعية حول هذا المرض وكيفية الوقاية منه من خلال الكشف المبكر، واجراء الصورة الشعاعية سنوياً. يضاف إلى ذلك إجراء الفحص المنزلي وغيرها.
- هل لاحظت أن النساء بتن أكثر وعياً واستجابة لإجراء صور الثدي سنوياً؟
في المدن، باتت النساء أكثر حرصاً على إجراء صورة الثدي دورياً. ربما لأن العمل يتركز أكثر في المدن بحسب القدرات المتاحة. لكن تبقى المشكلة في الأرياف، وخصوصاً أنه ليس سهلاً على بعض النساء الوصول إلى المستشفيات الحكومية حيث يمكن إجراء الصورة مجاناً. مع ذلك، حين نقدم محاضرات في المناطق بين فترة وأخرى، صرنا نلاحظ أن عدد النساء يرتفع من سنة إلى أخرى.
- ما هي الصعوبات التي تواجهها مجموعات الدعم خلال عملها؟
عادة ما نواجه مشكلة تتعلّق برفض البعض التكلم، وخصوصاً الرجال، الذين يجدون صعوبة أكبر في التحدث إلى نساء. بطبيعتهن، النساء أكثر ميلاً للتعبير عن مكنوناتهن. وفي ما يتعلق بمرضى سرطان الثدي، قد يكون الأمر أسهل أحياناً بالمقارنة مع أنواع أخرى من السرطان، وخصوصاً أن احتمالات النجاة تكون أعلى. وفي حال استئصال الثدي، يمكن وضع رمامة أو إجراء عملية ترميم للثدي.
- هل تتحدث النساء عن الجانب الأنثوي لدى إصابتهن بسرطان الثدي؟
تتحدث النساء عن الأمر أحياناً. لكن حين ينظرن إلى نساء كن مصابات وقد شفين تماماً، يزددن تفاؤلاً، وخصوصاً أنه يمكن إعادة ترميم الجانب الأنثوي. لا بأس بخسارة قد تستمر عامين.
- كيف تتعاملون مع المرضى الذين ليس لديهم أي احتمال للنجاة؟
بطبيعة الحال، لا يمكننا علاجهم. لكننا نحرص على الاستماع إليهم، ونكون إيجابيين معهم. هذا يساعدهم أيضاً. إلا أنه لا تأتي حالات كهذه إلى الجمعية، بل نلتقي بها في المستشفى.
هناك أمل
حين يقصد الأشخاص الذين يؤلفون مجموعات الدعم إلى المستشفى، يسعون إلى التقرب من المرضى وأهلهم. لا يعرّفون عن أنفسهم بأنهم داعمون، ليأتي الأمر تلقائياً، وفي سياق الحديث عن المنطقة التي ينحدرون منها، أو إذا ما كان هناك هوايات مشتركة مثلاً. بطبيعة الحال، لا يبدأ الحديث عن المرض بصورة مباشرة، بل يترك الأمر للمريض ليحدد ما يريد قوله. إحدى النساء التي تشارك في هذه المجموعات كانت قد أصيبت بسرطان الثدي قبل نحو عشر سنوات، وقد شفيت منه تماماً. دائماً ما تقول للمرضى إن هناك أملا في الشفاء.
اقرأ أيضاً: شهر زهريّ للتوعية حول سرطان الثدي