آما آن لمسلسل الأزمة أن ينتهي؟

14 يونيو 2018
+ الخط -
مع نهاية شهر رمضان العام الماضي، كتبت هنا في هذه الزاوية في "العربي الجديد" أنني "كنت أتمنّى لو أن الأزمة الخليجية التي يعيش أبناء الخليج، بل والعرب كلهم، فصولها المريرة منذ شهر، كانت مجرّد مسلسل تراجيدي في شهر رمضان، كالمسلسلات التي تابعناها بشغف، انتظارًا للحظة التنوير الدرامي، في انتصار الخير على الشر بطريقةٍ ما، وظهور الحق وزهوق الباطل في الحلقة الأخيرة كالعادة، لكن رمضان انتهى، وانتهت معه مسلسلاته بنهاياتها السعيدة، وبقيت أزمة الخليج حقيقةً موجعةً، نتابع مجرياتها لحظة بلحظة، ونشرة بعد نشرة.
ويبدو أن "المخرج" هذه المرة لم يهتم كثيراً لا برغبة الجماهير، ولا بتوقعاتهم نهايةً سعيدةً سريعةً، حيث استمرّت حلقات مسلسله الافتراضي، وتوسّعت الأحداث بعد انضمام عناصر جديدة بدرجة رؤساء دول ووزراء خارجية، ما نزع عنه خصوصيته الخليجية، وأضفى عليه سماتٍ دولية، خلطت المشاهد، ولا حل".
وها قد مرت سنة مليئة بالمرارات، من دون أن ينتهي المسلسل الافتراضي لهذه الأزمة غير المسبوقة في تاريخ الخليج، وربما في تاريخ العرب أيضا. وعلى الرغم مما يلوح في الأفق من بعض البشائر التي تلمع أحيانا بهيئة نجمةٍ بعيدةٍ في طريق الحل، إلا أن تلك النجوم سرعان ما تنطفئ ويذهب ضوؤها لنعود إلى الظلام الدامس، المليء بأصواتٍ مجنونةٍ، لا يجيد أصحابها سوى لغة السباب والشتائم للحديث عن هذه الأزمة، ومن كل الأطراف للأسف.
المشكلة الإضافية، والتي تولدت عن تلك الأزمة، أو ربما ترجمتها، وعبرت عنها، غياب ثقافة الاختلاف بين أبناء منطقة واحدة بشأن قضيةٍ يفترض أن معظم فصولها قد تكشفت عن خباياها القديمة والحديثة. وباستثناء قلة قليلة جدا من المؤثرين من الكتاب والإعلاميين والمثقفين الذين ما زالوا صامدين في وجه عواصف التخوين والاستقطاب بقوة وحزم، سقط الجميع في بحر الظلمات اللجي، وفقد ما تبقى له من احترام لدى متابعيه وقرائه، بعد أن انكشفت الأقنعة الساترة.
شخصيا، أفقدتني هذه الأزمة المريرة بعض الأصدقاء المقربين، على الرغم من أنني لم أكتب في سياقها إلا ما يدعو إلى الحوار الحر، واستحضار إيجابيات الوشائج التي تجمعنا، نحن العرب الخليجيين، في سبيل تعزيزها، بعيدا عن الرؤى السياسية المتغيرة دائما.
ومع شعوري بمرارة خسارة هؤلاء الأصدقاء، إلا أن عزائي أن ذلك مكنني من إعادة تعريف الصداقة والأصدقاء، ومراجعة قائمة علاقاتي كلها، وفقا لطريقة تقبلهم اختلافي معهم في بعض القضايا، انطلاقا من الأزمة الخليجية باتجاه قضايا أبعد منها أيضا.
لم أعد أقبل أن يبقى في قائمة الأصدقاء من يرفض أن أختلف معه بالرأي في أيٍّ من قضايا هذا العالم. ولم تعد هذه القائمة تتسع لمن يقيس مساحة العلاقة بينه وبين أصدقاء وفقا لمقياس حكومة بلده الراهن، بحيث تتغير تلك المساحة بتغير ذلك المقياس! الصداقة أعمق، في معناها، من كل اختلاف، بل إنها تسمو، في ذلك المعنى، حتى على الخلافات الشخصية والعامة، فإن خضعت لها فقدت معناها. وبالتالي، لن يكون لبقائها معنى! حتى لو حاول أحد الطرفين إنعاشها، فسيبقى علاجا مؤقتا وحسب.
أتذكر، على سبيل المثال، أنني كتبت، في ظل اهتمامي بالأزمة الخليجية، تغريدات في "تويتر" عن سقوط مثقفين لم أكن أتوقع سقوطهم. ولم أكن أقصد أسماء معينة، لكن التغريدة كانت تعبر عن رصد للحالة العامة، لكنني فوجئت بردود فعل من بعض الذين تحسّسوا "البطحة" الموجودة على رؤوسهم، فألغى أحدهم، ممن لم أكن أرى تلك "البطحة" على رأسه، ولم أظن يوما أنه ينتمي لذلك الفصيل الساقط، متابعتي في "تويتر" فوراً. وتمهل آخر حتى يقدّم لي تبريره المضحك، بأنه مضطر لإلغاء متابعتي ولحظري من متابعته، مشفوعا برغبته في ألا تتأثر علاقتنا خارج "تويتر" بذلك.
حدث هذا منذ شهور، وأشعر الآن أن ما حدث كان هدية جميلة من الله، جعلتني أمضي في فرز قائمة الأصدقاء بهمّة وحزم.. أمضي، ولا أبالي. ولعل هذه من حسنات مسلسل الأزمة الخليجية النادرة، وسط سيئاته الكثيرة، والتي أصبحت تتزايد كلما مضى هذا المسلسل الطويل بحلقاتٍ جديدة.. بانتظار الحلقة الأخيرة بإذن الله.
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.