آخر رمضان في مصر.. بعيدًا عن الأحياء الشعبية

19 فبراير 2017
(مشهد من مسلسل الأسطورة)
+ الخط -


كلّنا يبحث عن النجاح، ويتأثّر به، وكلنا أيضا يبحث عن بطل أو قدوة، عن إنسان اجتاز المستحيل لأجل أحلامه، فربّما تلهمنا رحلته طريقًا نلتمسه للنجاح المأمول.

الممثل المصري محمد رمضان الذي لم يتعد الثلاثين من عمره، مثال على كل ذلك وأكثر، وضريبة هذا النجاح المدوي في سن مبكّرة قاسية جدًا، سواءً على المستوى الإنساني الاجتماعي، أو على المستوى الفني أيضًا، ربّما يقاومها رمضان وربّما يخضع لها.

في المجتمعات غير المثقفة، أو الفقيرة، كثيرًا ما تتمّ تسمية الممثلين بأسماء شخصيات قدّموها في مسلسل أو فيلم سينمائي، وذلك يدفع الكثير من المنتجين لإعادة تقديم تلك الشخصية في مواقف وأفلام كثيرة، كما فعل محمد سعد مع اللمبي الذي قدمه في أربعة أفلام، ودبّور الذي تكرّر في فيلمين، والبلطجي الثائر الذي قدّمه محمد رمضان في "عبده موتة" و"الألماني" و"حبيشة" و"رفاعي الدسوقي".

من هذا الأثر الواضح للفنون على الذاكرة الشعبية لدى الجمهور المصري، وعشقهم لتلك الشخصيات حد تجاهل الاسم الحقيقي للممثل لصالح اسم شخصية أحبّوها، نكتشف حجم التناقض تجاه وجهة نظرهم في الممثل والإنسان، ونندهش من حجم الخلط الحاصل بين ما يقدّمه محمد رمضان في أعمال فنية، وبين ما يعيشه في حياته اليومية.

فهو بالنسبة لشريحة كبيرة من المجتمع، بطل شعبي، قدّم السواد الأعظم من المطحونين في أفلامه ودافع عنهم، وبرّر للسارق والقاتل الفقير في "الألماني"، وللمنتقم في "شدّ أجزاء" و"ابن حلال"، وللعاشق الجبّار في "الأسطورة"، ولكنّه لشريحة أخرى كبيرة أيضًا، فاجر ويدعو للفجور.

في كل مرّة، يؤدي رمضان دوره بصدق، وفي كل عمل فني يقدّمه يحدث الاستقطاب الشعبي السلبي منه والإيجابي، كل ذلك لقدرته وقبوله على الشاشة، واختياره المستمر للمواضيع الساخنة، وقوّته الناعمة التي تراكمت عبر السنين القصيرة عمر مشواره الفنّي في قلوب محبيه، والتي جعلته المرجعية لتلك الجماهير التي يتمّ استقطابها مع كل عمل مختلف، سواءً في أحدث الصيحات في عالم الموضة لدى الشريحة موضوع ثلاثيته عن العشوائيات (قلب الأسد – الألماني – عبده موتة) أو حتى في مسلسله الأخير "الأسطورة".

إصراره أيضًا على الاقتباس من أعماله للتعبير عن مواقف حياتية ينشرها عبر وسال التواصل الاجتماعي، وإحياؤه لتلك الشخصيات يسبّب ذلك الارتباك لدى جمهوره، فهل رمضان الذي يقدّم العنف والجنس والمخدّرات ممثلًا، ويحاربهم ويشارك في إعلانات خيرية لمقاوماتهم إنسانًا، يترك أية مساحة لحسن الظن لدى ذلك الجمهور الباحث عن بطل شعبي؟ يرى فيه ما لم يقدر عليه كما فعل حبيشة في مسلسل ابن حلال؟ لا يظن الكثير من جمهوره ذلك، لماذا؟ ربّما لضعف مَلكة النقد لديهم.

الفروق هنا واضحة وواقعية، لكن الكثير يريد المدينة الفاضلة، فهذا نجم يسعى لشباك التذاكر لأنه بذلك سيستمر في عمل ما يحبه، لا يبحث عن مشاكل هنا أو هناك، وإن حدثت لسذاجة رمضان وحداثة سنّه، وهذا الطبيعي وما يحدث باستمرار حتى مع من هم أكثر خبرة وأكبر عمرًا.

لكن الجمهور هنا، أضاف سمة عنصرية طبقية لأفعال رمضان المستفزّة من وجهة نظرهم، كما حدث معه مرّة عندما نشر على صفحته في فيسبوك صورة سيارة فارهة، واستقطب ذلك بعض النجوم للتعليق واستغلال ذلك الحدث الساخن "التريند"، للظهور أو للتباهي المزيّف بارتداء قناع التواضع، ونجد الكثير من المحتوى المرئي والمسموع والمقروء أيضًا يهاجم رمضان الإنسان على أدوار بعينها كما فعل الشارع وكذلك النخبة الواهمة والوهمية، لأنهم أيضا يودّون التجلّي إعلاميًا، وأي تجلّ أفضل من التسلّق على قضيّة ما والمزايدة عليها.

عندما بلغ رمضان السابعة عشرة من عمره، عرض عليه أحد المخرجين دور مساعد في مسلسل "حنان وحنين"، وافق على الدور لأن المسلسل كان من بطولة عمر الشريف، ذهب يوم تصوير مشاهده، كان يؤدّي دور ابن حارس عقار ما، أعطته مصمّمة الملابس تيشيرت جديدا لكي يرتديه، أخذ التيشيرت ثم ارتداه وأخذ يتأمّله في زجاج سيارة عاكس، لم يعجبه المنظر، فقد كان مبتذلًا، وغير صادق بالمرّة، فهذا الحارس لا بدّ لملابسه من أن تكون متسخة لا جديدة، وضع التيشيرت على الأرض، رفسه بقدميه ولطخه بالتراب، ثم نفضه وارتداه مرّة أخرى.

هذا الموقف والكثير من المواقف التي عاشها رمضان وكان شاهدًا عليها أو شهدها ممثلون كـ عمر الشريف وسعيد صالح وآخرين، هي من قدّمته على الآخرين، سارعت من قدراته على النجاح الجماهيري سواءً في شبّاك التذاكر أو على شاشة التلفاز، أو حتى في المسرح، والذي قدّم فيه عدة مسرحيات من بطولته، شهدت إقبالًا جماهيريًا كاسحًا، سواءً بمعطيات شبّاك تذاكر المسرح، أو بقيمة المسرح وحجم جماهيريته في بلد يهوى التفاعل المعلّب، وكل ذلك يثير اللعاب للغيرة والحقد.

لكن، هل يستمر ذلك المد الرمضاني، هل بإمكانه الاحتفاظ بذلك البريق للعديد من السنوات؟ ذلك صعب، لأن أولى بوادر ذلك الخفوت، هو منعه مثلًا من تقديم أي عمل درامي لعام كامل بسبب مشاكل قانونية لتعاقده مع شركتين لإنتاج مسلسلين في العام نفسه، وأيضًا فيلمه الأخير "آخر ديك في مصر"، والذي حاول من خلاله التعرّف على طبقات اجتماعية مختلفة وجماهير تمتلك ذائقة مختلفة عن جمهوره المعتاد، خانه شبّاك التذاكر على غير العادة في آخر سنواته.

أسباب تراجعه فنيًا كثيرة؛ منها وجوده السطحي في حياة تلك الطبقة الاجتماعية التي يحاول مداعبتها بتقديم فيلم كوميدي خفيف كما يحبّون وهو ليس بنجمهم الأوحد، بل هو يحسب على فئة أخرى سواهم، ومن أراد الولوج لهم، عليه بتقديم رواية ناجحة كـ "الفيل الأزرق" و"هيبتا"، أو يمتلك الكثير من الوسامة والفحولة كأحمد عز وكريم عبد العزيز، أو ينتقل بمعاركه من الأحياء الشعبية والعشوائيات إلى مطاردات الشوارع، كما حاول أن يفعل هو في فيلم "شد أجزاء" والذي نال ما يستحق وأكثر في شباك التذاكر.

الحفاظ على النجاح أصعب من النجاح نفسه، والمغامرة دائمًا ما تكون محفوفة بالمخاطر، ورمضان الذي لا يستعين بدوبلير في تنفيذ مشاهده الخطيرة، يغامر هذا الأيّام كثيرًا، وربّما تكون أخطر مغامرة هي إعلانه في أحد البرامج المتلفزة عن مشاركته في فيلم مع المخرج داوود عبد السيّد صاحب التاريخ الرفيع في السينما المصرية، البعيد تمامًا عن ذائقة رمضان ومتذوّقيه، لكن شهوة التنويع والطمع في الانتصار في كل المعارك، أظنّها كانت المحرّك الأهم لا الوازع الفني والخبرة التي سيكتسبها من عمله مع داوود عبد السيد.

قد يسبّب ذلك قطيعة مؤقتة مع جمهور كبير، كانت حلقات مسلسل "الأسطورة" بالنسبة لهم حدثًا يوميًا مهمًا جدًا، حدّ أنهم انتقلوا من المشاهدة المنزلية له للمشاهدة الجماعية، وهي سابقة تحدث في تاريخ الدراما المصرية، ولشهرة المسلسل الكبيرة تلك، تحوّل مشهد خناقة رفاعة الدسوقي مع عصام النمر لواحد من أكثر الفيديوهات مشاهدة على اليوتيوب، حد أن ذلك المشهد أيضًا أصبح مادة مهمّة للميديا، استخدمها أبطال مسرح مصر للسخرية، واستخدمها الكثير من الفنانين الرسّامين كمواضيع للكاريكاتير، وحتى مصمّمي الغرافيك لم يتركوا هكذا فرصة للظهور.

يؤكّد رمضان دائما أنه صنيعة الجمهور، ويتجاهل التصريح بقدراته التمثيلية الفذّة لكي يطيّب خاطر الناس ويداعب مشاعرهم، للحفاظ على مساحة من الصداقة والودّ معهم، وذلك الذكاء الجماهيري يجعله بطلًا شعبيًا لهذا الزمان، لحين ظهور بطل آخر.

المساهمون