ليس المقال الصحافي أو النقدي عنصراً محايداً في تقبّل عمل فني، إذ قد يتحوّل إلى طبقة أولى في عملية التلقي خصوصاً حين يجد القارئ نفسه أمام مقال، قبل مشاهدة العرض الفني نفسه.
لعلنا نلمس هذا الأمر مع المسرحية العراقية "يا رب" لمصطفى الركابي، والتي نقرأ حولها عناوين مقالات من شاكلة "كسر ناعم لتابو الدين" أو "عرض مسرحي صادم.. عراقيات يهددن الله بالإضراب عن الصلاة والطعام" إضافة إلى عناوين أخرى مثل "تجسيد لآلام الأمهات العرقيات" و"عرض مسرحي مثير للجدل يدعو للعقلانية".
جميع هذه العناوين هي أول ما يستقبله المتلقي البعيد عن مسارح بغداد حيث تُعرض المسرحية منذ فترة، ومن المؤكد أن عدد الذين وصلتهم هذه المقالات أكثر ممّن حضر المسرحية. عناوين يمكنها في سيناريوهات غير مستبعدة أن توقظ الاعتداءات والعنف، لتتحوّل الأنظار من مضامين العمل إلى متاهات أخرى.
في الحقيقة، تعرف مسرحية "يا رب" تفاوتاً في تقييمها، غير أن هذا التفاوت متعلّق بالجوانب الدلالية مع إشادة بجوانبها الفنية، وفي كلتا الحالتين يمكننا التقاط عناصر الصدمة في العمل.
في حديث مع "العربي الجديد"، يقول أحد مجسّدي العمل، فلاح إبراهيم، إن "مفهوم الصدمة يكون بحسب فهمنا لهذه المفردة. من جهتي، أعتبر العمل حقق صدمة على المستويين الفني والفكري أساساً".
على هذين المستويين، فإن المسرحية قدّمت طرحاً جديداً في اشتغالها على قضايا متداولة (العنف والطائفية وغيرها)، ولعل هذا مستوى من مستويات الصدمة، التي لم يجر تناولها. أما فكرياً، فالعمل الذي كتبه عبد النبي زيدي يناقش مفهوم الله وقضية القدرية، وهي قضايا تتناولها الكتابات الفكرية منذ قرون طويلة، وظل المسرح العربي بعيداً عنها، لذا فإن تأخر هذا الطرح هو سبب آخر في تحوّل "يا رب" إلى صدمة.
يشير إبراهيم إلى أن "التناول الصحافي للعمل متفاوت بحسب من يكتب"، إذ يرى أن "الصحافة الجادة تعطي الأعمال الفنية حقّها، أما الصحافة الرديئة فهي تحاول الاستثمار والإساءة، وهذا ليس فقط مع المسرحيات، بل في كل ما تتناوله".
تتحدّث المسرحية عن "تاريخ الموت في العراق"، بحسب عبارة محدّثنا، من خلال أمّ تطوّر همومها إلى أسئلة وجودية. يؤدي فلاح إبراهيم دور النبي موسى عليه السلام، والذي يبعثه الله مندوباً إلى هذه المرأة، في استعارة للمهمة التي أوكل بها موسى في السرديات الدينية. يعتبر الممثل العراقي أن العمل "إنساني فنتازي، وهو لا يسيء إلى أحد"، مشيراً هنا إلى أن فريق العمل يتميّز بكونه من طوائف عراقية متعدّدة.
يضيف إبراهيم أن "عراق اليوم يعاني من موت غير طبيعي (تفجيرات – قتل – غرق بسبب الهجرة) لذا فإن هذه الأسئلة لا بدّ أن تظهر". لكن، حين يقدّم المسرح هذه الأسئلة ويعرضها فنياً، لماذا يشتغل البعض إلى تحويلها لصدامات؟