منذ 25 عاماً عاد المخرج طارق العريان من الولايات المتحدة الأميركية، وهو يحمل تصوّرات واضحة عن شكل السينما التي يحبها ويرغب في صنعها، درس السينما في جامعة "ساوثرن إيلينوي"، ورأى أن نموذج الأفلام الهوليوودية المثيرة هو الأقرب إلى ذوقه.
ومع استثناء فيلمين رومانسيين، كل منهما له وضع استثنائي، فإنه يمكن جمع أفلام العريان الأخرى: "الإمبراطور" (1990)، و"الباشا" (1993)، و"تيتو" (2004) في سياقٍ واحد. كلها أفلام جمعت بينها "الأمركة" بشكلها الإيجابي. فيلمه الجديد "ولاد رزق"، والذي يعرض حالياً في دور السينما المصرية، يشارك الأفلام الثلاثة نفس صفاتها، ويؤكد فيه العريان من جديد قدرته الحرفية على سرد القصة وصناعة فيلم متقن.
يستغرق العريان الربع الأول من فيلمه في التأسيس و"أسطرة" أبطاله الأساسيين، أبناء رزق الأربعة، والذين نشأوا معاً بعد وفاة والدهم، ويشتركون معاً في أعمال جريمة عابرة منذ صغرهم. التفاصيل التي تخص كل شخصية مهمة في هذا الجزء: "رضا" الأخ الأكبر المسؤول عن البقية.. "ربيع" المتهور.. "رجب" وشبيهه "عاطف".. و"رمضان" الأصغر والأضعف، كل منهم بشخصية مختلفة ولكنهم جميعاً كـ"ولاد رزق" يشكلون "بطلاً" واحداً ينحاز له المُشاهد.
الربع الثاني من الفيلم يؤسس لدخول شخصيات أساسية لاستخدامها لاحقاً: المعلم "رجب" الذي يريد من الأخوة مشاركته في تجارة المخدرات، وحنان (حبيبة "رضا") التي تريده أن يتوقف عن الأعمال غير القانونية. كذلك تبدأ في هذا الجزء العملية الثانية التي تنتهي بشكل مأساوي كي تكون "نقطة تحول" في تفكك الأخوة وترك "رضا" لهم. المونتاج هو العنصر الأهم في تلك المرحلة، لأنها الأقل من ناحية "الأحداث"، هناك مشاهد لا يحدث فيها شيء مهم، كما أن العملية التي تدور في "كباريه سري" تحت الأرض تفاصيلها غير مثيرة في ذاتها، ولكن المونتاج والقطع بين ثلاثة أحداث بالتوازي (الأخوة على الشاطئ.. العملية ذاتها.. حوار الضابط وعاطف) يشد وتر الفيلم.
المرحلة الثالثة تكون في انفصال "رضا" عن الأخوة، وشراكة الثلاثة مع "المعلم صقر". في كتب السيناريو هذا هو النصف الثاني من الفصل الثاني في الحكاية، مرحلة انعقاد وضيق الأزمة والتورّط الكامل، وطارق العريان يحاول التأسيس لشخصية "خصم" قوية. سيد رجب لا يضيف كثيراً لشخصية أحادية ومسطحة كـ"صقر" ولكن "حدة الفيلم" تفعل ذلك. الفيلم بالكامل حاد جداً، في لغته ومشاهده وقسوة العالم فيه، وحين يأتي على الشاشة قطع يد (الدراع اليمين) للمعلم "صقر" تكون لحظة خاطفة ودموية تشعر المشاهد ببعض الرهبة مما سيحدث لـ"رمضان" الذي يُختطف في نهاية هذا الجزء. وبشكل عام فإن أحد الجوانب المهمة في الفيلم تكمن في أنه يرفع السقف الرقابي للأفلام قليلاً إلى أعلى، اللغة المستخدمة في حواراته أقل من لغة الشارع قطعاً ولكنها أكثر جرأة بمراحل من الأفلام الأخرى التي تناولت عالم الجريمة السفلي، وهو أمر مهم للفيلم لأنه يساعد في "خلقه لعالمه" الذي تدور الحكاية داخله، ويقارب تصديقنا لكل ما يحدث أمامنا.
اقرأ أيضاً: إجازات الفنانين: موسم الاستجمام بعد رمضان وقبل موسم جديد
أما الربع الأخير من الفيلم هو عودة الأخ الأكبر، والهدف الواضح في استعادة المخدرات من الضابط لإعادة الأخ، قبل الوصول للـ"تويست" أو "نقطة التحول الدرامي". ذلك "التويست" المعتاد أخيراً في الأفلام المصرية، ولكن "العريان"، ولأنه مخرج ذكي وجيد ولديه جودة في أفلامه.. فهو لا يلقي بثقله كله على هذا "التويست" بقدر ما يجعله جزءاً في الحكاية، والكشف لا يأتي لمجرد أن "يفاجئ" المُشاهد بقدر ما يكون ضرورياً للحبكة كي تصل إلى نهايتها. وبأداء جاد وقوي من "محمد ممدوح" في مقابل أداءات هزلية ذات لمحة كوميدية ممتازة جداً من أحمد الفيشاوي وأحمد داوود يصنع الفيلم خاتمة مناسبة ومتزنة لفيلم "تشويق مسلّ".
هذا التحليل السريع للسيناريو والطريقة التي تسير بها حكاية الفيلم يوازيه عمل متمكن فعلاً من طارق العريان، وعلى الرغم من أنه من البديهي أن تكون "سارداً جيداً للقصص" طالما كُنت "صانع أفلام".. إلا أن السينما المصرية تفتقد في سنينها الأخيرة لـ"أفلام مَحْكِيّة بشكل مُحكم"، ومخرج قادر على "ضبط الإيقاع" وتوظيف كل مشهد ليدفع القصة إلى الأمام، وهذا هو المُنجز الأهم في فيلم "ولاد رزق" والمفقود في مصر مؤخراً لذلك تظهر قيمته هنا: أن تصنع فيلماً ممتعاً ومتقناً.
ومع استثناء فيلمين رومانسيين، كل منهما له وضع استثنائي، فإنه يمكن جمع أفلام العريان الأخرى: "الإمبراطور" (1990)، و"الباشا" (1993)، و"تيتو" (2004) في سياقٍ واحد. كلها أفلام جمعت بينها "الأمركة" بشكلها الإيجابي. فيلمه الجديد "ولاد رزق"، والذي يعرض حالياً في دور السينما المصرية، يشارك الأفلام الثلاثة نفس صفاتها، ويؤكد فيه العريان من جديد قدرته الحرفية على سرد القصة وصناعة فيلم متقن.
يستغرق العريان الربع الأول من فيلمه في التأسيس و"أسطرة" أبطاله الأساسيين، أبناء رزق الأربعة، والذين نشأوا معاً بعد وفاة والدهم، ويشتركون معاً في أعمال جريمة عابرة منذ صغرهم. التفاصيل التي تخص كل شخصية مهمة في هذا الجزء: "رضا" الأخ الأكبر المسؤول عن البقية.. "ربيع" المتهور.. "رجب" وشبيهه "عاطف".. و"رمضان" الأصغر والأضعف، كل منهم بشخصية مختلفة ولكنهم جميعاً كـ"ولاد رزق" يشكلون "بطلاً" واحداً ينحاز له المُشاهد.
الربع الثاني من الفيلم يؤسس لدخول شخصيات أساسية لاستخدامها لاحقاً: المعلم "رجب" الذي يريد من الأخوة مشاركته في تجارة المخدرات، وحنان (حبيبة "رضا") التي تريده أن يتوقف عن الأعمال غير القانونية. كذلك تبدأ في هذا الجزء العملية الثانية التي تنتهي بشكل مأساوي كي تكون "نقطة تحول" في تفكك الأخوة وترك "رضا" لهم. المونتاج هو العنصر الأهم في تلك المرحلة، لأنها الأقل من ناحية "الأحداث"، هناك مشاهد لا يحدث فيها شيء مهم، كما أن العملية التي تدور في "كباريه سري" تحت الأرض تفاصيلها غير مثيرة في ذاتها، ولكن المونتاج والقطع بين ثلاثة أحداث بالتوازي (الأخوة على الشاطئ.. العملية ذاتها.. حوار الضابط وعاطف) يشد وتر الفيلم.
المرحلة الثالثة تكون في انفصال "رضا" عن الأخوة، وشراكة الثلاثة مع "المعلم صقر". في كتب السيناريو هذا هو النصف الثاني من الفصل الثاني في الحكاية، مرحلة انعقاد وضيق الأزمة والتورّط الكامل، وطارق العريان يحاول التأسيس لشخصية "خصم" قوية. سيد رجب لا يضيف كثيراً لشخصية أحادية ومسطحة كـ"صقر" ولكن "حدة الفيلم" تفعل ذلك. الفيلم بالكامل حاد جداً، في لغته ومشاهده وقسوة العالم فيه، وحين يأتي على الشاشة قطع يد (الدراع اليمين) للمعلم "صقر" تكون لحظة خاطفة ودموية تشعر المشاهد ببعض الرهبة مما سيحدث لـ"رمضان" الذي يُختطف في نهاية هذا الجزء. وبشكل عام فإن أحد الجوانب المهمة في الفيلم تكمن في أنه يرفع السقف الرقابي للأفلام قليلاً إلى أعلى، اللغة المستخدمة في حواراته أقل من لغة الشارع قطعاً ولكنها أكثر جرأة بمراحل من الأفلام الأخرى التي تناولت عالم الجريمة السفلي، وهو أمر مهم للفيلم لأنه يساعد في "خلقه لعالمه" الذي تدور الحكاية داخله، ويقارب تصديقنا لكل ما يحدث أمامنا.
اقرأ أيضاً: إجازات الفنانين: موسم الاستجمام بعد رمضان وقبل موسم جديد
أما الربع الأخير من الفيلم هو عودة الأخ الأكبر، والهدف الواضح في استعادة المخدرات من الضابط لإعادة الأخ، قبل الوصول للـ"تويست" أو "نقطة التحول الدرامي". ذلك "التويست" المعتاد أخيراً في الأفلام المصرية، ولكن "العريان"، ولأنه مخرج ذكي وجيد ولديه جودة في أفلامه.. فهو لا يلقي بثقله كله على هذا "التويست" بقدر ما يجعله جزءاً في الحكاية، والكشف لا يأتي لمجرد أن "يفاجئ" المُشاهد بقدر ما يكون ضرورياً للحبكة كي تصل إلى نهايتها. وبأداء جاد وقوي من "محمد ممدوح" في مقابل أداءات هزلية ذات لمحة كوميدية ممتازة جداً من أحمد الفيشاوي وأحمد داوود يصنع الفيلم خاتمة مناسبة ومتزنة لفيلم "تشويق مسلّ".
هذا التحليل السريع للسيناريو والطريقة التي تسير بها حكاية الفيلم يوازيه عمل متمكن فعلاً من طارق العريان، وعلى الرغم من أنه من البديهي أن تكون "سارداً جيداً للقصص" طالما كُنت "صانع أفلام".. إلا أن السينما المصرية تفتقد في سنينها الأخيرة لـ"أفلام مَحْكِيّة بشكل مُحكم"، ومخرج قادر على "ضبط الإيقاع" وتوظيف كل مشهد ليدفع القصة إلى الأمام، وهذا هو المُنجز الأهم في فيلم "ولاد رزق" والمفقود في مصر مؤخراً لذلك تظهر قيمته هنا: أن تصنع فيلماً ممتعاً ومتقناً.