"وحش داعش" يدفع الغرب نحو الاستعانة بإيران؟

23 اغسطس 2014
لا حلفاء دائمين ولا أعداء دائمين في السياسة(أرشيف/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
تجد الإدارة الأميركية نفسها ومعها حلفاؤها الغربيون، وقد انحشروا جميعاً في مربع خيارات "أحلاها مر" في مواجهة "داعش" الذي بات يتمدد في كل اتجاه. أقل هذه الخيارات ضرراً بالنسبة للولايات المتحدة والدول الغربية هو "التعاون" مع نظام طهران، وأكثر هذه الخيارات "بشاعة" هو الوقوف إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد في الخندق المواجه لـ"داعش".

ورغم استبعاد البعض مقايضة "التعاون" الإيراني مع الغرب بـ"الملف النووي"، أو مقايضة الغرب دعم نظام الأسد مقابل إعادة الشرعية لهذا النظام وحكمه، إلا  بعض الأصوات في الولايات المتحدة والعواصم الغربية باتت لا ترى بديلاً عن التعاون مع "الشيطان الأكبر" من أجل القضاء على "الوحش الأخطر"، أو بديلاً من التعاون مع "الشخص السيئ" في سورية للتخلص من "الشخص الأكثر سوءاً"، على عكس ما تفكر فيه المؤسسات الرسمية في واشنطن ولندن وباريس، التي ترفض قطعيا إعادة تأهيل الأسد، وترى أن التعاون مع إيران، في حصوله، سيكون نوعا من التقاسم الوظيفي في العراق، على حد تعبير مسؤول غربي.

وفي هذا السياق، كتب ستافريديس جيم، القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي منذ عام 2009 إلى عام 2013، مقالا في الموقع الإلكتروني لصحيفة "هافينغتون بوست" الأميركية، قال فيه إن الوقت قد حان لإعادة النظر في علاقات الغرب مع إيران، وينبغي حل كل المشاكل التي تؤثر سلباً على العلاقات مع إيران ومع التوافق على القضايا التي تشكل أرقاً للطرفين، بما في ذلك العراق، الذي يتهدده خطر "الدولة الإسلامية".

وعبّر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، بصراحة، عن استعداد بريطانيا للتعاون مع إيران من أجل صد خطر "داعش" الإرهابي. ونقلت صحيفة "ذي جارديان" إن كاميرون مستعد الآن لطي عقود من الخلافات مع إيران للانخراط معا في الجهد الدولي الرامي لمكافحة خطر "داعش".

ولعل كاميرون يعبر في ذلك عما يعتمل في صدر الرئيس باراك أوباما، الذي يبدو موافقاً على تناول جرعات "النووي الإيراني" للتغلب على تفشي "سرطان داعش" على حد تعبير أوباما.

غير أن الخيار الأصعب الذي يتهرب من مواجهته صناع القرار السياسي في واشنطن ولندن، هو خيار "النوم في سرير واحد" مع بشار الأسد. وجرى النظر باستهجان لدعوة وزير الدفاع البريطاني الأسبق، مالكولم ريفكيند، "الولايات المتحدة وحلفائها أن تكون مستعدة للعمل مع نظام بشار الأسد لإلحاق الهزيمة بدولة "داعش".

وتنقل صحيفة "فايننشال تايمز" عن ريفكيند، الذي يرأس لجنة الاستخبارات والأمن في مجلس النواب البريطاني، قوله إنه "يجب القضاء على داعش ولا يجب أن تكون لدينا أي حساسية حول الكيفية التي نتصرف فيها، في بعض الأحيان تجد نفسك مضطراً للتعاون مع شخص سيئ من أجل التخلص من شخص أكثر سوءاً". وقال مصدر فرنسي أن التعاون مع الاسد غير وارد رغم أنه لا يكف عن ارسال اشارات والقيام بأفعال للقول أنه شريك في محاربة الارهاب، وأضاف أن الأسد في نظرنا فقد شرعيته، ولا مجال للتعاون معه. 


ما قاله ستافريديس جيم، ومالكولم ريفكيند، تغريد خارج السرب، رغم ان بعض من المحللين الأمنيين والعسكريين - حسب "فايننشال تايمز" - يتفقون مع هذه الآراء، بل ويشجعون القيادات التنفيذية في الإدارة الأميركية وفي الحكومة البريطانية على تقبل هذه الخيارات القاسية التي تبدو أثمانها، مهما كانت مرتفعة، أقل كلفة من ترك "داعش" الذي بات خطره يركل أعتاب أوروبا ويهدد مصالح الغرب الحيوية.

يمكن للمرء أن يقرأ بين سطور ما ينشر في الصحافة البريطانية أن حكومة ديفيد كاميرون، التي لا تتمايز سياستها الخارجية عن سياسة واشنطن، باتت تقدر أن أضرار التعاون مع إيران، مهما بلغت قساوة وبشاعة، ستظل "أهون الشرين" مقارنة بما قد يترتب عن اللجوء لخيار التدخل العسكري البري في العراق، ولكنها ليس في وارد التعاون مع الأسد ال>ي يتحمل المسؤولية الرئيسية عن استشراء الارهاب في المنطقة. 

يبدو أن الحكومتين البريطانية والأميركية قد حسمتا أمرهما بعدم التدخل بقوات برية في العراق، وعلى التعاون مع النظام الإيراني، ولم يظل أمامهما إلا تهيئة الرأي العام لقبول فكرة "لا حلفاء دائمين ولا أعداء دائمين في السياسة"، وفكرة "عندما يداهمك وحش "داعش" فلا بأس من الاحتماء بدرع من الشوك مصنوع في طهران.
المساهمون