02 نوفمبر 2024
"نضال" إعلاميين مع "طلعت ريحتكم"
يُنافس مراسلو المحطات التفزيونية اللبنانية ومراسلاتها نجوم حركة "طلعت ريحتكم"، بل يسبقونهم إلى النجومية. سوف تبقى بعض لقطات تغطية تظاهرات الحراك الشعبي في وسط بيروت عنواناً للنجومية الشعبوية في الإعلام اللبناني، في تغطية الحدث العفوي المتصاعد في شعبيته.
تصرخ مراسلة محطة لبنانية، وهي تزج بنفسها في اشتباكات بين الأمن والمتظاهرين. تصف على الهواء مباشرة اندلاع الاشتباكات، وهي تتقدم لتضع نفسها في وسطها وتنقل للمشاهدين، بنبرة عصبية، ما يجري "من الداخل". تتحول تغطية المراسلة المقدامة إلى عويل هستيري، وهي تحاول أن تحمي رأسها في مشهد درامي بامتياز، لا يمت إلى العمل الصحافي، ولا إلى التغطية الميدانية بصلة. قررت المراسلة المقدامة أن تصبح الحدث، لتحصل على وسام البطولة في مشقة العمل الإعلامي الميداني. يترك المشهد لدى المشاهد دهشة لغرائبية هذه التغطية، تليها رغبة مماثلة بالضحك. هل هذه ما تسمى تغطية من ميدان الحدث؟ هل كان على المراسلة أن تزج بنفسها وتزجّنا في ابتذال غير مسبوق لتصبح بطلة، وتصبح المحطة التي تمثلها سباقة؟ ما السر في مهنية أعصاب مراسلي المحطات العالمية وبرودتها، وهم ينقلون أقسى المشاهد الإنسانية درامية من دون ابتذال العويل الاستعراضي؟
ليست مراسلة "إل بي سي" الوحيدة في ميدان الشعبوية الإعلامية المبتذلة. ركب الجميع الموجة في سباق النجومية، مع استثناءات قليلة، إن كان في الميدان أو في الأستديو. تروح مراسلة محطة أخرى تؤنب عناصر الأمن، لرشقها بكرسي، وتصرخ عليهم بنبرة هستيرية، مستفسرة عن سبب التعدي عليها بكرسي بشكل خاص، وليس بالعصي التي يحملونها. تواصل الكاميرا النقل المباشر. ينافس معلقو الأستديو زملاءهم في الميدان في النفخ في بوق الشعبوية. من يستمع للتغطية المباشرة في إحدى المحطات المتحمسة بشكل خاص للحراك يظن أن الإعلامية المعلقة من الأستديو محللة، أو مسؤولة نقابية تدافع عن حق الشعب بالنزول إلى الساحة وضروة إسقاط السياسيين الفاسدين. تواصل الإعلامية مونولوغها الوطني، بنبرة الزعيمة، حتى ليظن المستمع أن المحطة جزء من التحرك نفسه، وأن المذيعة إحدى قيادات الحركة المنظمة.
أتاحت عفوية الحركة وامتدادها الشعبي الحقيقي والدينامية الجديدة التي بثتها في الشارع، الفرصة لاستقطاب شعاراتها بسهولة. كان أول المستقطبين لشعارات الحركة، الطوباوية في مثاليتها، الإعلام نفسه تتقدمه محطات التلفزة. على الرغم من علاقاتها الوثيقة سياسياً وتمويلياً بالمطلوب إسقاطهم ومحاسبتهم. سارعت هذه القنوات إلى تبني الحركة لتصبح الجناح الإعلامي لنضالها: من اعتماد شارة الحركة على الشاشات، ليلا ونهاراً، إلى فتح باب البث المباشر من الميدان من دون توقف، إلى بث بعض البرامج من الساحة، إلى مقدمات نشرات الأخبار الطنانة في مديح المواطن الذي قال أخيراً كلمته...
حسناً فعلت محطات التلفزة في نقل صوت المواطن العادي في ميدان الحراك، ليبقى وحده لسان حال الحركة الشعبية. على مدى ساعات التغطية المباشرة وبعدها، قدّم مواطنون لبنانيون قدموا من كل أنحاء البلاد نماذج من المعاناة اليومية للمواطن العادي، ليتراجع الخطاب النخبوي أمام عفوية هذه المعاناة وصدقها. وحسناً فعلت، أيضاً، في تجنب أي خطاب تخوين للحركة. كانت الحركات الشعبية في ربيع العالم العربي قد قوبلت بعمليات شيطنة شرسة من بعض الإعلام، نعتتها بالخائنة للمواطنية، بحجة تشويه صورة البلاد والعمل لصالح أعدائها. لا يسمح مستوى حرية التعبير في لبنان بشيطنةٍ من هذا النوع، أقله بشكل فج، فضلاً عن وجود تعددية واسعة في الإعلام، تعكس التعددية السياسية، وتسمح بالتعبير عن آراء متباينة تحت سقف واحد. حسناً فعلت المحطات، أيضاً، بإتاحة المجال للصوت المتخوف من شعبوية الحراك، وعدم تجانس شعاراته، وقدرة الأحزاب والتيارات ذات الدهاء السياسي على استقطابه واستخدامه مطية لغاياتها. حسناً فعلت بإعطاء مساحة في برامج النقاش والتحليل لصوت هؤلاء المقهورين من مشهد الاعتداءات المتكررة على الأمن، وعلى الأملاك العامة، بقدر تضامنهم العفوي والطبيعي مع من يحمل همهم المعيشي نفسه.
بدا مشهد التضامن "النضالي" بين محطات التلفزة والحراك الشعبي مناسبة للسباق على الإثارة واستقطاب المشاهدين، أكثر منه النقل الموضوعي والمدروس لحدث انفجر فجأة في الشارع، وأثبت قدرته على استقطاب اللبنانيين بانتماءاتهم ومناطقهم كافة، ليتحول إلى حالة شعبية غير مسبوقة. وبقدر ما تعمل الميكروفونات الإعلامية المفتوحة على تأمين فسحة لهذه المعاناة للتنفيس ومنحها الشرعية، بقدر ما تهدد بإذكاء شعبوية الحركة وتحويلها إلى حركة "ما يطلبه المواطنون" من شعارات طنانة راديكالية، قد لا تقود إلى أي تغيير فعلي، كما أنها لا تحظى بالإجماع، منها إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة عسكرية انتقالية، أو تسليم البلاد للجيش، وهي شعارات تخيف في منطقة تحفل بعنف العسكر وقمعهم.
غياب التخطيط في التغطية الميدانية يهدد بالإضرار بصورة الحراك الشعبي، بتصويره وكأنه حالة مراهقة، خرجت عن طاعة أولياء الأمر، لتعيث شغباً في الشارع، وهو شغب تزيده حماسة مراهقة مراسلي التلفزة "المناضلين" على موجات البث المباشر.
تصرخ مراسلة محطة لبنانية، وهي تزج بنفسها في اشتباكات بين الأمن والمتظاهرين. تصف على الهواء مباشرة اندلاع الاشتباكات، وهي تتقدم لتضع نفسها في وسطها وتنقل للمشاهدين، بنبرة عصبية، ما يجري "من الداخل". تتحول تغطية المراسلة المقدامة إلى عويل هستيري، وهي تحاول أن تحمي رأسها في مشهد درامي بامتياز، لا يمت إلى العمل الصحافي، ولا إلى التغطية الميدانية بصلة. قررت المراسلة المقدامة أن تصبح الحدث، لتحصل على وسام البطولة في مشقة العمل الإعلامي الميداني. يترك المشهد لدى المشاهد دهشة لغرائبية هذه التغطية، تليها رغبة مماثلة بالضحك. هل هذه ما تسمى تغطية من ميدان الحدث؟ هل كان على المراسلة أن تزج بنفسها وتزجّنا في ابتذال غير مسبوق لتصبح بطلة، وتصبح المحطة التي تمثلها سباقة؟ ما السر في مهنية أعصاب مراسلي المحطات العالمية وبرودتها، وهم ينقلون أقسى المشاهد الإنسانية درامية من دون ابتذال العويل الاستعراضي؟
ليست مراسلة "إل بي سي" الوحيدة في ميدان الشعبوية الإعلامية المبتذلة. ركب الجميع الموجة في سباق النجومية، مع استثناءات قليلة، إن كان في الميدان أو في الأستديو. تروح مراسلة محطة أخرى تؤنب عناصر الأمن، لرشقها بكرسي، وتصرخ عليهم بنبرة هستيرية، مستفسرة عن سبب التعدي عليها بكرسي بشكل خاص، وليس بالعصي التي يحملونها. تواصل الكاميرا النقل المباشر. ينافس معلقو الأستديو زملاءهم في الميدان في النفخ في بوق الشعبوية. من يستمع للتغطية المباشرة في إحدى المحطات المتحمسة بشكل خاص للحراك يظن أن الإعلامية المعلقة من الأستديو محللة، أو مسؤولة نقابية تدافع عن حق الشعب بالنزول إلى الساحة وضروة إسقاط السياسيين الفاسدين. تواصل الإعلامية مونولوغها الوطني، بنبرة الزعيمة، حتى ليظن المستمع أن المحطة جزء من التحرك نفسه، وأن المذيعة إحدى قيادات الحركة المنظمة.
أتاحت عفوية الحركة وامتدادها الشعبي الحقيقي والدينامية الجديدة التي بثتها في الشارع، الفرصة لاستقطاب شعاراتها بسهولة. كان أول المستقطبين لشعارات الحركة، الطوباوية في مثاليتها، الإعلام نفسه تتقدمه محطات التلفزة. على الرغم من علاقاتها الوثيقة سياسياً وتمويلياً بالمطلوب إسقاطهم ومحاسبتهم. سارعت هذه القنوات إلى تبني الحركة لتصبح الجناح الإعلامي لنضالها: من اعتماد شارة الحركة على الشاشات، ليلا ونهاراً، إلى فتح باب البث المباشر من الميدان من دون توقف، إلى بث بعض البرامج من الساحة، إلى مقدمات نشرات الأخبار الطنانة في مديح المواطن الذي قال أخيراً كلمته...
حسناً فعلت محطات التلفزة في نقل صوت المواطن العادي في ميدان الحراك، ليبقى وحده لسان حال الحركة الشعبية. على مدى ساعات التغطية المباشرة وبعدها، قدّم مواطنون لبنانيون قدموا من كل أنحاء البلاد نماذج من المعاناة اليومية للمواطن العادي، ليتراجع الخطاب النخبوي أمام عفوية هذه المعاناة وصدقها. وحسناً فعلت، أيضاً، في تجنب أي خطاب تخوين للحركة. كانت الحركات الشعبية في ربيع العالم العربي قد قوبلت بعمليات شيطنة شرسة من بعض الإعلام، نعتتها بالخائنة للمواطنية، بحجة تشويه صورة البلاد والعمل لصالح أعدائها. لا يسمح مستوى حرية التعبير في لبنان بشيطنةٍ من هذا النوع، أقله بشكل فج، فضلاً عن وجود تعددية واسعة في الإعلام، تعكس التعددية السياسية، وتسمح بالتعبير عن آراء متباينة تحت سقف واحد. حسناً فعلت المحطات، أيضاً، بإتاحة المجال للصوت المتخوف من شعبوية الحراك، وعدم تجانس شعاراته، وقدرة الأحزاب والتيارات ذات الدهاء السياسي على استقطابه واستخدامه مطية لغاياتها. حسناً فعلت بإعطاء مساحة في برامج النقاش والتحليل لصوت هؤلاء المقهورين من مشهد الاعتداءات المتكررة على الأمن، وعلى الأملاك العامة، بقدر تضامنهم العفوي والطبيعي مع من يحمل همهم المعيشي نفسه.
بدا مشهد التضامن "النضالي" بين محطات التلفزة والحراك الشعبي مناسبة للسباق على الإثارة واستقطاب المشاهدين، أكثر منه النقل الموضوعي والمدروس لحدث انفجر فجأة في الشارع، وأثبت قدرته على استقطاب اللبنانيين بانتماءاتهم ومناطقهم كافة، ليتحول إلى حالة شعبية غير مسبوقة. وبقدر ما تعمل الميكروفونات الإعلامية المفتوحة على تأمين فسحة لهذه المعاناة للتنفيس ومنحها الشرعية، بقدر ما تهدد بإذكاء شعبوية الحركة وتحويلها إلى حركة "ما يطلبه المواطنون" من شعارات طنانة راديكالية، قد لا تقود إلى أي تغيير فعلي، كما أنها لا تحظى بالإجماع، منها إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة عسكرية انتقالية، أو تسليم البلاد للجيش، وهي شعارات تخيف في منطقة تحفل بعنف العسكر وقمعهم.
غياب التخطيط في التغطية الميدانية يهدد بالإضرار بصورة الحراك الشعبي، بتصويره وكأنه حالة مراهقة، خرجت عن طاعة أولياء الأمر، لتعيث شغباً في الشارع، وهو شغب تزيده حماسة مراهقة مراسلي التلفزة "المناضلين" على موجات البث المباشر.