"نصرة الرسول" تقسم الإعلام الجزائري

26 يناير 2015
المسيرة أدت إلى انقسام الصحف (الأناضول)
+ الخط -
فيما أنظار العالم توجّهت نحو السعودية إثر وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وإلى مصر إثر قتل الناشطة شيماء الصباغ عشيّة ذكرى الثورة، وإلى اليمن إثر انقلاب الحوثيين... لا تزال "شارلي إيبدو" في الواجهة أيضاً. 
في الجزائر، تجدد الصراع بين الكتل الإعلامية واستعاد المشهد الإعلامي في الجزائر صراعه السابق الذي كان عنوانه الأصولية والاستئصال في التسعينيات من القرن الماضي. ثمّ البعثية العربية والتغريب في العقد الأخير. صراع يأخذ في بعض المراحل شكلاً أيديولوجيّاً، ويأخذ في أوقات أخرى صراعاً بين تيارات سياسية تتقاسم المجتمع الجزائري. 

تطور الصراع
بدأت أولى علامات هذا الانقسام تظهر بعد الاعتداء على صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة. وبعد التضامن الأولي، بدأ التمايز يظهر بين الصحف، إثر إصرار "شارلي إيبدو" ومعها عدد من الصحف العالمية على نشر رسم جديد للنبي.
وازداد هذا الانقسام في المشهد الإعلامي في الجزائر عقب المسيرة التي نظمت، الجمعة الماضي، وسط العاصمة لنصرة الرسول في رد على إعادة نشر صحيفة "شارلي إيبدو" لرسم يصور النبي محمداً في عددها الأخير. عدد من الصحف الصادرة باللغة الفرنسية هاجمت الشعارات التي رددت في المسيرة، واعتبرتها تحريضاً على العنف وعودة إلى منطق التسعينيات. فيما دافعت الصحف والقنوات المؤيدة للمسيرة عن نفسها ومواقفها واتهمت الصحف الصادرة باللغة الفرنسية بالتمسح للطروحات الفرنسية وتبرير مواقف صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية.

عودة "الجبهة الإسلامية"!
الصحف الصادرة باللغة الفرنسية المحسوبة على التيار الديمقراطي ، سارعت في أعدادها التي صدرت، خلال الأيام الأخيرة، الى التحذير مما وصفته عودة شعارات "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة، والتي ترددت كثيراً خلال مسيرة الجمعة، على غرار "عليها نحيا وعليها نموت". ورأت أنها كانت فرصة لقادة وكوادر الحزب المُحل للبروز مجدداً على سطح المشهد واستعراض حضورهم الشعبي. ولم تخفِ هذه الصحف بشكل واضح تضامنها مع "شارلي إيبدو" ضد الهجوم الذي تعرّضت له وقتل أبرز رساميها، معتبرين أن حق التعبير مقدّس.
ومنذ عدد السبت الماضي، هاجمت صحيفة "الوطن "، كبرى الصحف الصادرة باللغة الفرنسية في الجزائر على صدر صفحتها الأولى، الشعارات التي رفعت في مسيرة الجمعة. واعتبرت أنها تحريض على العنف واسترجاع للشعارات نفسها التي كانت تتردد في الجزائر في التسعينيات، والتي أدّت الى منزلقات العنف والإرهاب، بحسب الصحيفة، خصوصاً تلك الشعارات التي رددتها مجموعات شبابية بدعم تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش"، والمطالبة بإقامة الدولة الإسلامية. إلى جانب ترديد كثير من المشاركين شعارات وهتافات تعتبر أن الأخوين كواشي منفذيْ الاعتداء على صحيفة "شارلي إيبدو" شهداء، وليس قتلة.

وكتبت صحيفة "ليبرتي" في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي ما وصفته بـ"هيستريا المسلمين الذين أدانوا رسومات شارلي إيبدو المسيئة للرسول". ودعت وزارة الاتصال والوزير، عبد الحميد قرين، ورئيس سلطة الضبط، ميلود شرفي، الى التدخل لوقف تصدير هذه الصحف التي تملك قنوات تلفزيونية لما اعتبرته "فكراً متطرفاً ومنح الفرصة للشيوخ المتطرفين للتدخل على منابرها، والتسبب في العودة بالجزائر والجزائريين إلى مأزق التسعينيات".

"الصحافة المفرنسة!"

في الجهة المقابلة، هاجمت "النهار" و"الشروق "، الصحيفتان الجزائريتان الصادرتان باللغة العربية، كتابات ومواقف الصحف الصادرة باللغة الفرنسية في البلاد. واعتبرتها تمسحاً بفرنسا ومحاولة للتستر وراء حرية التعبير لتبرير الرسومات المسيئة للرسول. وكتبت صحيفة "الشروق" أن الصحف الفرنسية تكشف من خلال كتاباتها بشأن مسيرة الجمعة عن مواقفها الاستئصالية وطرحها التغريبي.
ويقصد بالاستئصال في الجزائر، التيار الذي دافع عن توقيف المسار الانتخابي عام 1992، وساند المؤسسة العسكرية في خيار الحل الأمني واستئصال التيار الإسلامي بكل أطيافه.
وكتبت صحيفة "الشروق اليومي" مقالاً موقعاً من حبيب راشدين بعنوان "الصحافة المفرنسة في‮ ‬الجزائر‮: ‬أنا شارلي!". وجاء في المقال: "لم تكن الصحافة والإعلام الفرنسي‮ ‬وحيدين في‮ ‬محنتهما وهما‮ ‬ينقلان الرعب إلى المسلمين من الفرنسيين،‮ ‬فقد استعاضا عن خذلان الإعلام الأنغلوساكسوني‮ ‬الذي‮ ‬رفض نشر إساءة فرنسا للرسول محمد بتعاطف لا محدود من الصحافة الفرنسية الصادرة بالجزائر التي‮ ‬شاركته في‮ ‬السراء والضراء،‮ ‬فبكت،‮ ‬ونحبت،‮ ‬وشجبت،‮ ‬نقلت بأمانة الرواية الرسمية الكاذبة،‮ ‬وأدلت بأكثر من دلو في‮ ‬تثبيت التهمة على الإسلام قبل المسلمين،‮ ‬وتتهم من تظاهر من الجزائريين بمساندة وتأييد الإرهاب‮". وأضاف: "كبريات الصحف الجزائرية الصادرة باللغة الفرنسية، اختارت منذ البداية أن تنقل الرواية الرسمية الفرنسية، كما هي من دون أدنى حد من النقد والتمحيص، فكانت أول من صعد إلى الصفوف الأمامية للتباكي على "شارلي إيبدو" وعلى حرية التعبير".
وكتبت صحيفة "النهار" المحلية أنّ الصحف الصارة باللغة الفرنسية مهووسة بباريس ولا صلة لها بالمجتمع الجزائري، في إشارة واضحة إلى محاباتها للسياسات الفرنسية حتى لو كان ذلك على حساب استفزاز المجتمع الإسلامي، الجزائري تحديداً.

عودة الصراع

لم تكد تهدأ المعركة الطاحنة بين السلطة والصحف في الجزائر، التي دارت خلال الأسابيع الأخيرة بين وزير الاتصال الجزائري، عبد الحميد قرين، وعدد من الصحف المستقلة المعارضة التي تتهم الوزير قرين والحكومة بالسعي إلى التضييق عليها ومنعها من الطبع وحرمانها من حقها في الإشهار (الإعلانات) بسبب مواقفها المعارضة للرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة. حتى بدأت تجدد الصراع في المشهد الإعلامي . وهذه المرة بعيداً عن العلاقة المباشرة أو المواجهة المباشرة مع السلطة، بل صراع بين المؤسسات الإعلامية نفسها حول مواقفها من كل الأحداث الفرنسية الأخيرة.

اللافت أن الصراع الإعلامي ليس إلا واجهة لصراع سياسي بين تيارين رئيسيين في الجزائر: تيارعلماني ينحو بحسب منتقديه نحو الفكر التغريبي، وتيار قومي إسلامي ينحو بحسب منتقديه إلى الأصولية البعثية. وبين التيارين تقف السلطة موقف المتفرج المستفيد من هذا الصراع، وتجتهد لتمرير مشاريعها السياسية التي يعارضها الطرفان، لكنهما فشلا في قطع الطريق على السلطة.
وإذا كان التيار الإسلامي القومي والتيار العلماني قد نجحا بشكل نسبي في تجاوز بعض الخلافات بينهما، وانخرطا معاً في تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي، إلا أن التيارين لم ينجحا في المقابل في استدراج الصحف ووسائل الإعلام التي تعبّر عن قناعاتهما السياسية الى المسعى المشترك نفسه.
المساهمون