"نساء غير مرئيات": المرأة العربية ونصيبها من الدراسات

24 نوفمبر 2018
عصام يوسف/ العراق
+ الخط -

بات مجال الدراسات النسوية، منذ سنوات، أحد أنشط فضاءات البحث، ولنا أن نتساءل أيُّ حضور للواقع العربي فيه؟ يمكننا التقاط عناصر إجابة من المؤتمر الدولي الذي عُقد أمس وأوّل أمس في مدينة نانسي الفرنسية بعنوان "نساء غير مرئيات" بتنظيم من "مركز البحوث حول الوساطات" (CREM) و"مخبر: آداب، مخيال، مجتمعات" (LIS)، حيث أن العديد من المحاضرات تناولت واقع المرأة في البلاد العربية.

من ذلك نذكر محاضرة الباحث التونسي مازري فتح الله بعنوان "إعادة تأهيل نجمة تونس الغامضة، حبيبة مسيكة"، حيث يقيم ورقته حول إشكالية تتعلق بمفارقة تتمثل في كون الممثلة والمغنية التونسية الأشهر في سنوات العشرينات من القرن الماضي قد دخلت لاحقاً في حالة من النسيان، وربما التهميش المقصود، وهو ما يصفه بـ"الانتقال من الأضواء شعبياً إلى الظل ثقافياً"، مشيراً مثلاً إلى وجود عملين فقط يرسمان سيرتها كاملة أحدهما رواية بعنوان "احتراق الخطيئة" لـ جان فافر دارسييه، والثاني فيلم "رقصة النار" لـ سلمي بكار، إضافة إلى الكتاب الذي أنجزه المؤرخ التونسي أحمد الحمروني.

لا يكتفي فتح الله بالمرأة التي اختارها موضوعاً لمحاضرته، حيث يوسّع الإشكالية التي يطرحها إلى مدى تاريخي أبعد فيشير، إلى كون العودة إلى عظمة قرطاج في المخيال الجمعي التونسي تحيل أساساً إلى شخصية هانيبعل، وتتغافل إلى حد كبير عن شخصية إليسار مؤسسة قرطاج.

من جهتها، قدّمت الباحثة تُريا جيباس بحثاً بعنوان "النساء المغيّبات في الثورات العربية"، حيث عقدت مقارنة بين أبرز الأسماء التي ظهرت كأيقونات للثورات العربية في الصحافة الغربية، خصوصاً منها الفرنسية والأميركية، والأسماء الفاعلة من منطلقات الصحافة المحلية، مستنتجة تفاوتاً جلياً بين الحضور في الإعلام الغربي الذي تهيمن عليه صور ناشطين ذكور مثل سليم عمامو ووائل غنيم، في حين أن حضور الناشطات في حراك كل بلد لا يقل عن هؤلاء مثل لينا بن مهني في تونس، ونوارة نجم وأسماء محفوظ في مصر.

من الورقات الأخرى التي قُرأت خلال المؤتمر وتتعلق بالعالم العربي، نذكر محاضرة الباحث الجزائري حاج دحمان بعنوان "جميلات الجزائر"، حيث يعود فيها إلى صورتي جميلة بوباشا وجميلة بوحيرد بين الشرق والغرب، كما قدّمت إلهام بوكروم بحثاً حول الناشطة المغربية عائشة الشنا، فيما تناولت الباحثة زينب بن لاغا الكتابة الأدبية النسائية من خلال عمل حنان الشيخ "حكايتي شرح يطول".

لم تقتصر الدراسات الي تتناول واقع المرأة العربية على باحثين عرب أو من أصول عربية، حيث أن ورقات أخرى اهتمت بالفضاء نفسه، مثل محاضرة الباحثة الفرنسية ماتيلد روكسيل التي تناولت بالدرس مجموعة من النساء العربيات اللواتي انشغلن بالسينما الوثائقية مثل عطيات الأبنودي وجوسلين صعب وصوفي فرشيو ونبيهة لطفي، مشيرة إلى أن محورية قضايا المرأة في أعمالهن أتاح لها أن تتجاوز الدوائر الاجتماعية الضيقة التي يعشن فيها.

ومن جهتها، تحدّثت الباحثة الفرنسية أنيك باتار عن مسيرة الكاتبة الفرنسية المغربية ليلى سليماني من خلال إعادة تركيب بناء صاحبة "أغنية هادئة" لصورتها في الفضاء العام. تعود باتار إلى بدايات سليماني كصحافية، ثم إلى صعودها الأدبي السريع، حيث أن روايتين كانتا كافيتين لتكون من أشهر كتّاب الساحة الفرنسية اليوم.

هنا، تلتقط مسألة انتقال سليماني إلى مستوى آخر من بناء صورتها حيث بدأت تحضر في أغلفة مجلات غير أدبية، وفي نفس الوقت -مستندة إلى شرعيتها الأدبية- بدأت تعبّر أكثر فأكثر عن مواقفها حول قضايا المرأة والعالم العربي، وهو ما ترجمته لاحقاً في كتب غير روائية، لتصل بذلك إلى عالم السياسة، حيث انضمت إلى فريق الرئيس إيمانويل ماكرون وباتت مكلّفة بالفرنكوفونية، وكأن الباحثة تشير إلى أن مسألة أن تكون المرأة غير مرئية قد يكون ضمن استراتيجيتها الإعلامية.

يُذكَر أن بقية المداخلات تناولت واقع المرأة في مختلف الثقافات في العالم، وفي مجالات مختلفة، من الفلسفة والأدب، إلى الصحافة والعلوم الصحيحة، وتكاد تجمع المداخلات على كون المرأة لا تزال - رغم ما حقّقته من تقدّم ملموس - غير مرئية إلى حد كبير في مرايا الأدب والعلم والفكر وفي مواقع الحياة المختلفة.

المساهمون