"مهرجان القاهرة الأدبي": عن الكتابة من بعيد

22 فبراير 2018
(من فعاليات المهرجان، تصوير: إسراء جمال)
+ الخط -

رغم استمرار مآسي الهجرة واللجوء لملايين البشر، بحثاً عن حياة أفضل، أو هروباً من الحروب والمواجهات العسكرية، إلا أنه خلال العامين الماضيين تلاشى تدريجياً الاهتمام العالمي بقضايا الهجرة واللجوء، تحت ضغط الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، والخطاب العدائي للتيارات اليمينية والقومية.

في دورته الرابعة، سلّط "مهرجان القاهرة الأدبي" الضوء على قضايا الهجرة واللجوء، عبر سلسلة من الندوات والقراءات والشهادات، ناقشت رؤى كتّاب غادروا أوطانهم مُجبرين أو راغبين، وكيفية تأثير تلك التجربة على إنتاجهم الأدبي.


الوطن من بعيد

المهرجان المقام تحت شعار "الوطن.. من بعيد" والذي انطلق يوم السبت الماضي 17 من الشهر الجاري ويختتم اليوم الخميس، يشارك فيه عشرات من الكتّاب والنقاد والشعراء من ألمانيا وفنلندا والدنمارك واليونان وجمهورية التشيك وأنغولا ومصر وسورية والولايات المتحدة الأميركية وكندا. أولى الفعاليات انطلقت من "بيت السحيمي" في القاهرة، بمشاركة الشاعرة السورية المقيمة في مصر رشا عمران، والشاعر الأميركي المقيم في أوروبا مايكل مارش، وأدار اللقاء الكاتب المصري محمد شعير.

في البداية، أشار الناشر ومدير المهرجان محمد البعلي، إلى أن الأعمال الأدبية تمثّل إحدى أبرز الوسائل التي تمكّن المهاجرين واللاجئين من نقل أصواتهم للعالم، سواء كرواة أو مروي عنهم، وأضاف: "في ظل ما تعيشه المنطقة العربية والعديد من بلدان العالم من صراعات وحروب، وموجات متتالية من الهجرة، تسلّط الدورة الرابعة من المهرجان الضوء على صورة الوطن عبر الحدود، من خلال كتابات وشهادات الأدباء الذين يعيشون خارج أوطانهم".

من جانبه، قال محمد شعير: "إن تجارب المثقفين وإبداعاتهم خارج أوطانهم تتماس مع فكرة الخلق منذ بدايتها، فآدم وحواء كانا أيضاً طريدين عن وطنهما الأساسي". وأشار شعير إلى اختلاف تجربتَيْ ضيفي الندوة مع تجربة السفر ومغادرة الوطن، فالشاعر مايكل مارش انتقل برغبته الكاملة بين أكثر من بلد حتى استقر به المقام في براغ التشيكية، أما الشاعرة السورية رشا عمران فغادرت وطنها مضطرّة بسبب الحرب.


غربة اللغة

في كلمتها تحدثت عمران عن حنينها الدائم للعودة إلى سورية ومدينة دمشق، مشيرة إلى أن كثيراً من السوريين عندما جاؤوا إلى القاهرة ظنّوا أن الإقامة فيها ستكون لفترة قصيرة، ثم يعودون بعدها إلى سورية. وأضافت: "اللغة أيضاً تعيش غربة موازية، وهذا لا أحتمله، لذلك اخترت السفر إلى القاهرة، وليس لأوروبا، لأن القاهرة تشبه دمشق، ويمكنني التواصل بالعربية مع الجميع؛ سوريين أو مصريين".

وشهدت الندوة أيضاً نقاشات عديدة حول مفاهيم مثل اللغة والهوية، وإلى أي مدى تتغيّر رؤى وأساليب ولغة الكتّاب عندما يتحدّثون عن أوطانهم من خارج الحدود، كما تطرّق النقاش للكتابة عن المجتمعات الجديدة التي تستقبل الكتاب المهاجرين واللاجئين وإلى أي مدى يمكن أن تتحوّل إلى أوطان بديلة.

من جانبه قال الشاعر الأميركي ومؤسّس "مهرجان براغ الدولي للكتاب"، مايكل مارش: "البحث عن الهوية أمر قاسٍ ومؤلم، وأنا آخر شخص يمكنه التحدث عن الوطن"، وأضاف :"ليست الغربة أن تكون بعيداً عن وطنك، وإنما أن تكون بعيداً عن ذاتك". مارش المولود في نيويورك عام 1946، سافر منذ أربعة عقود إلى أوروبا بحثاً عن ذاته، عاش متنقّلاً بين عدد من البلدان الأوروبية حتى استقر في براغ.

استطرد مارش قائلاً: "تركت مدينتي بحثاً عن الشعر، تمرّدت على الأسرة والعائلة والوطن، وظللت أتجول بين المدن، باحثاً عن روح جديدة للإنسان والحياة، وعبر السفر والتجارب المتعددة ولد الشعر".


الترجمة مرآة للعالم

إضافة للمحور الرئيسي المتعلّق بتناول الأدب صورة الوطن من خلف الحدود، يتضمّن المهرجان فعاليات متنوّعة حول تحديات وآفاق الترجمة، وقراءات ومناقشات حول التأثير المتبادل بين الصحافة والأدب، والعديد من الأمسيات الشعرية، بالإضافة إلى إطلاق الترجمة العربية لرواية "للحياة رأي آخر" للكاتب الأنغولي جوناس نازاريت، وكتاب "العنف والإنسان" للكاتب الألماني يورغ بابروفسكي.

وفي "ساحة روابط" في وسط القاهرة، شهدت ندوة "تحديات وآفاق الترجمة" نقاشاًَ امتد لساعتين حول واقع الترجمة في المجتمعات العربية ونظيرتها الأوروبية، وإلى أي مدى يمكن للترجمة أن تكون أداة للهيمنة أو للحوار الثقافي، وما هي الخطط والإستراتيجيات التي تتبناها مشروعات الترجمة سواء الحكومية أو دور النشر الخاصة.

المترجم المصري مدحت طه أشار إلى عدم وجود برامج وإستراتيجيات واضحة، عند معظم المؤسسات العاملة في مجال الترجمة حول نوعية الأعمال التي تسعى لترجمتها، موضحاً أن هذا قد يكون له بعد إيجابي في تعدّد الأعمال وتنوّعها، لكن من جهة أخرى يصنع حالة من الارتجال، ويحوّل عملية الترجمة من حوار وتفاعل ثقافي بين ثقافتين إلى حوار أحادي تهمين فيه الثقافة الأخرى على الثقافة العربية التي تكتفي بممارسة دور المفعول به.

من جانبها قالت المترجمة الفنلندية من أصل تونسي سمية الهذيلي: "آليات عمل الترجمة تختلف بصورة كبيرة في العالم العربي عن أوروبا، فقد لاحظت في مصر أن المترجمين هم في الغالب من يبحثون عن الأعمال، ثم يقترحونها على دور النشر، بينما في أوروبا كل دار نشر لديها برامج وخطط للترجمة وهي من تقترح على المترجمين".

وأضافت الهذيلي: "يواجه المترجمون العرب العديد من التحديات، من أبرزها معدلات القراءة المنخفضة للغاية، فبينما تشير الإحصائيات إلى أن نصيب الفرد الواحد من الأعمال المترجمة في الوطن العربي لا يتجاوز خمس صفحات سنوياً، فإن القارئ الفنلندي قد تصل نسبته إلى 17 كتاباً".

المساهمون