فيلم "مكان هادئ" لجون كراسينسكي: إخافة العالم... بالصمت

18 ابريل 2018
من "مكان هادئ" لكْراسينسكي (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
للعام الـ3 على التوالي، يصدر فيلم "رعب/ إثارة" في هذه الفترة من العام، وينال صدى نقديًا واسعًا. الأول بعنوان "لا تتنفّس" (Don’t Breath، 2016) لفيدي ألفاريز، والثاني بعنوان "اخرجْ" (Get Out، 2017) لجوردان بيل ("أوسكار" أفضل سيناريو للمخرج نفسه)، والثالث بعنوان "مكان هادئ" (A Quiet Place، 2018) لجون كْراسينسكي، الذي مثَّل فيه أيضًا، وشارك في كتابته مع سكوت بَكْ وبراين وودز.

ما يجمع الأفلام الـ3 هذه ـ إلى كونها أفلامًا مستقلة ذات ميزانيات إنتاجية محدودة، وجودة عالية في تنفيذها، واستغلالها إمكانيات "نوع سينمائي" مثل "الرعب" ـ هو أنها تعتمد على أفكارٍ قوية، وتخلق أجواءً سينمائية مختلفة، وتحاصِر المُشاهد، وفي كلّ فيلم يكون الحصار داخل بيت مُثير للرعب.


في "مكان هادئ"، هناك 4 ممثلين فقط. ميزانيته الإنتاجية تساوي 17 مليون دولار أميركي. المكان واحد، والفيلم شبه صامت. معطيات بسيطة يمتلكها كْراسينسكي، وهو يقف وراء الكاميرا للمرة الـ3، بعد "حوارات مقتضبة مع رجال هائمين" (2009) و"عائلة هولار" (The Hollars، 2016). لكنه استطاع تحقيق نتيجة مبهرة، باحتلاله المرتبة الأولى في شباك التذاكر الأميركي في عطلة نهاية الأسبوع الأولى لعروضه التجارية (6 ـ 8 أبريل/ نيسان 2018)، إذْ بلغت إيراداته 50 مليونًا و203 آلاف و562 دولاراً أميركياً، في مقابل ردّ فعل نقدي "قوي"، جعله أكثر أفلام 2018 تقديرًا حتى الآن. كما تمكّن من تحقيق إيرادات دولية، بين 6 و13 أبريل/ نيسان 2018، تساوي 103 ملايين و201 ألف و125 دولاراً أميركياً.

يُدخِل جون كْراسينسكي المُشاهدين في حكايته مباشرةً من دون تمهيدات. يُكتَب على الشاشة: "اليوم 89". هناك أماكن خالية تمامًا، وعائلة مكوَّنة من 5 أفراد (أم وأب وأبناؤهما الـ3)، يتحرّكون على أطراف أصابعهم، ويتحدّثون بلغة الإشارة، للقول إن هناك خطرًا كبيرًا يُهدِّدهم عند صدور أي صوت من أي واحد منهم. يترقّب المشاهدون هذا كلّه في 5 دقائق لمعرفة "الخطر هذا"، عندما يُصدِر الطفل الأصغر ضجيجًا من لعبته، فيلتهمه كائن غريب وغامض. نعرف حينها أن الكائن أعمى، وأن البشرية تعرّضت لفناء شبه كامل، جرّاء انتشار كائنات من النوع نفسه.



بهذا، يُصبح السؤال الرئيسي للفيلم: هل يُمكن للعائلة هذه النجاة؟ خصوصًا عند الانتقال إلى اليوم 455، والأم حامِل في الأشهر الأخيرة، ويتوجب إيجاد حلّ قبل مجيء الوليد المنتظر، الذي يستحيل السيطرة على صوت بكائه.

في "مكان هادئ"، لا يجهد كْراسينسكي نفسه أبدًا في محاولة شرح أو تحليل ما حدث وأدّى إلى انتشار هذا الكائن. لا يتساءل، ولا يدفع المُشاهد إلى السؤال عن: "من أين أتى الوباء؟ هل هو وباء أرضي، أو غزو فضائي؟". إنه يفعل مثل ألفرد هيتشكوك في "العصافير" (The Birds، 1963)، فيتعامل مباشرةً مع النتائج، لا مع الأسباب، وهي هنا كائنات متخيلة تسبّبت في شبه فناء للبشرية، بتتبعها الأصوات.

من تلك النقطة، يأخذ كْراسيسنكي قراره الجريء بجعل الفيلم صامتًا (إلاّ من بضع جمل قليلة، هنا وهناك)، وباعتماد لغة الإشارة والترجمة على الشاشة. ولأجل مزيد من المصداقية، يختار الطفلة البكماء ميلسينت سيموندز شريكةً في البطولة، لرفع نسبة قوّته الجمالية والدرامية، ولزيادة عاطفيته. تلك الجرأة في اختيار الصمت جعلت الفيلم مختلفًا بالفعل، وصنعت نجاحه التجاري، وأدّت إلى جذبٍ كبير للجمهور، وفي الوقت نفسه مَنحت الفيلم لحظات رعب كبيرة ومكثّفة. ففي أفلام الرعب، يحاول المخرجون دائمًا خلق أجواء هادئة تليها صدمات قوية. ومع الوقت، يُصبح المشاهدون يتوقّعون لحظة الصدمة والرعب عندما يحلّ الصمت في شريط الصوت.


لكن، ماذا لو كان الفيلم كلّه صامتًا؟ لن يتوقّع المُشاهد أبدًا ما هو آتٍ. هذا ما يستفيد منه الفيلم إلى أقصى درجة ممكنة، خصوصًا مع بعض المشاهد والتتابعات المكتوبة في السيناريو بذكاء واضح.

لكن، خلاف ذلك، وبعيدًا عن التجديد في كونه صامتًا، يسقط "مكان هادئ" في "التقليدية"، في بعض جوانبه، وتحديدًا في تلك المرتبطة بالـ"كائنات الغريبة"، سواء في تصميمها (القريب جدًا من وحش السلسلة المشهورة Aliens)، أو في التعامل معها على الشاشة، وعدم قدرتها على تصدير رهبة كافية للمشاهدين. وأخيرًا ـ وهي المشكلة الأكبرـ طريقة اكتشاف كيفية القضاء عليها، وحدوث ذلك في عجالة شديدة وبعدم إشباع، قبيل الختام، فينتهي الفيلم فجأة. لذا، يحتاج الأمر ـ غالبًا ـ إلى فصلٍ أخير، أو الإشارة إلى احتمالات عثور البشرية والعائلة على حلٍّ.
رغم عيوب كهذه، يُعتبر "مكان هادئ" لجون كْراسينسكي "جيّدًا" بالتأكيد، ومن أكثر التجارب غير التقليدية التي ظهرت في هوليوود في الأعوام الأخيرة.
المساهمون