"مقاومة" جنوب اليمن: هدف واحد ومشاريع وتسميات متعددة

20 يونيو 2015
أنصار الحراك الجنوبي منخرطون في مواجهة المليشيات في الجنوب(الأناضول)
+ الخط -
منذ بداية التصدي لمليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، كان واضحاً أن "المقاومة" التي تشكلت مع تطور الأوضاع الميدانية، تحولت إلى رقم صعب في المعادلة الميدانية والسياسية لن يكون من السهل تجاوزه، وخصوصاً في المناطق الجنوبية التي تمثل محوراً مهماً في سير الأحداث اليمنية.

تكتسب "المقاومة" في جنوب اليمن أهمية خاصة، ليس لكونها قاعدة انطلاق مواجهة قوى الانقلاب على الشرعية، في ظل توافق جنوبي على "وقف الاحتلال العسكري الشمالي الجديد" فقط، بل نظراً إلى حساسية الوضع الجنوبي في ظل وجود مشروع الانفصال أو ما يعرف أيضاً بفك الارتباط عن الشمال واستعادة الدولة الجنوبية التي كانت قائمة قبل وحدة عام 1990.

تسميات ومشاريع متعددة
مع بدء تحضير مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح لاجتياح جنوب اليمن، كان هناك قوى بارزة أساسية كاللجان الشعبية والجيش الموالي للشرعية يتم الحديث عنها كقوى أساسية جاهزة للتصدي للمليشيات في عدن وجزء من لحج وأبين. والأخيرة كان يتم الحديث فيها أيضاً عن انضمام القبائل أيضاً. أما اسم "المقاومة الجنوبية"، فكان ينتشر بشكل كبير في مناطق الضالع وردفان ويافع.
القاسم المشترك بين جميع هذه القوى "منع مليشيات الحوثيين والمخلوع من احتلال الجنوب"، وفق نظرتهم، وإن كانت مشاريعهم مختلفة. أطراف مع الانفصال، آخرون مع مشروع الأقاليم في ظل الوحدة، لكن دخولهم جميعاً جاء أيضاً تحت غطاء الشرعية، وما زال إلى اليوم مع تواصل المعارك الميدانية بانتظار ما إذا كان سيتم التوصل إلى هدنة أو وقف دائم لإطلاق النار في مشاورات جنيف

استمر هذا الوضع خلال الأيام الأولى من المعارك التي انطلقت قبل قرابة ثلاثة أشهر، إلى أن حدث تحول في سيرها مع خيانة بعض معسكرات الجيش، التي كانت تقول إنها مؤيدة للشرعية، وسقوط قاعدة العند الجوية ووقوع قادة الجيش واللجان الشعبية في قبضة المليشيات، أبرزهم وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، فضلاً عن شقيق الرئيس اليمني ووكيل جهاز الأمن السياسي لمحافظات عدن ولحج وأبين اللواء ناصر منصور هادي، واللواء فيصل رجب. يومها اختل توازن الجيش الموالي للشرعية واللجان وبدأت تتبدل التسميات مع انخراط قوى جديدة.

اقرأ أيضاً: "العربي الجديد" ينشر مشروع اتفاق يمني يحدَّد مصيره اليوم 

جبهة عدن
عانت "المقاومة" في عدن من العشوائية كثيراً، قبل أن يتم إعادة تنظيمها وتشكيل "مجلس قيادة المقاومة في عدن"، تحت إشراف التحالف العشري وقيادة المنطقة العسكرية الرابعة، الموالية للرئيس هادي.
ويضم المجلس عناصر تمثل قوى مختلفة وموزعة على الحراك الجنوبي، سلفيون، وإصلاحيون، وقبائل، ولجان شعبية وأهلية.
على الرغم من ذلك، يرفض بعضهم، وهم من بعض أنصار الحراك الجنوبي، الانخراط فيه. أما السبب فيرجعونه إلى أنّ المجلس يمثّل الشرعية ولا يمثل الجنوب، على الرغم من أن المجلس تنخرط فيه قوى من مختلف الأطراف، بما في ذلك جنود وضباط جنوبيون، بعضهم مع الشرعية، وبعضهم مع الحراك. ويقاتل الجميع تحت غطاء الشرعية، لكن كل يطلق الاسم بحسب مشروعه.
الموالون للشرعية يطلقون "المقاومة الشعبية"، تجنباً للحرج مع التحالف العشري وللحصول على الغطاء في معاركهم ضد المليشيات. أما أنصار الحراك الجنوبي المطالبون بالانفصال واستعادة الدولة الجنوبية، يطلقون على مكوناتهم "المقاومة الجنوبية"، في دلالة على أنّ الحرب هي شمالية ـ جنوبية.
يقول أحد أنصار الحراك الجنوبي، محمد صالح، لـ"العربي الجديد"، "نحن نقاوم الاحتلال الشمالي للجنوب، حتى نستعيد دولتنا ونطرد المحتلين الجدد".

جبهة الضالع

التحول في التسميات لم يقتصر على عدن. في أبين استمرت اللجان الشعبية والقبائل تقاتل، لكنها أخذت تتحول تدريجياً إلى "مقاومة شعبية جنوبية" التي بدأت تتشكل لتضم مدنيين وأطرافا سياسية واجتماعية أيضاً. وهي التسمية نفسها التي ترسخت في جنوب لحج، فيما شمالها، ولا سيما ردفان ويافع ووصولاً إلى الضالع، بقي الاسم الرسمي فيها "المقاومة الجنوبية" وهو المعتمد منذ 2009، نظراً لأن هذه المناطق تمثّل مثلث معقل الحراك الجنوبي. وكانت تخوض مواجهات منذ ذلك الحين مع قوات الجيش إبان عهد صالح، واستمر الوضع خلال فترة تولي هادي الرئاسة ولاحقاً مع انتقال ألوية الجيش في المنطقة لموالاة الحوثيين.

منذ انطلاق اجتياح الجنوب كانت تمثل "المقاومة الجنوبية" في الضالع وردفان ويافع، القوة الصلبة التي فشلت المليشيات في تجاوزها، بل إن ما كان مسيطراً عليه منذ ما قبل دخول الجنوب من معسكرات وألوية موالية للرئيس المخلوع والحوثيين، خسرتها المليشيات بعدما سيطرت عليها المقاومة.

اقرأ أيضاً: لماذا تم تجاهل نصر الضالع؟

يقود "المقاومة" في الضالع قيادات من الحراك الجنوبي، ممثلة بالشيخ عيدروس الزبيدي، وشلال علي شائع، وصلاح الشنفرة، وخالد مسعد.
قائد "المقاومة الجنوبية" في الضالع، العميد الركن عيدروس الزبيدي، يلخص لـ "العربي الجديد" من وجهة نظره أسباب نجاح تجربة الضالع، بقوله إن "سرّ نجاح المقاومة الجنوبية، هو البيئة الحاضنة الداعمة، إضافةً الى الإعداد والتدريب والتأهيل الجيد لعناصر وسرايا المقاومة، فضلاً عن الهدف الواضح، الذي يقاتل من أجله المقاومون، وهو حماية الدين والأرض والعرض، المتمثل في التحرير والاستقلال، وكذلك التفاف وتلاحم كل أبناء الضالع إلى جانب المقاومة". ويشدد على أن جميع هذه المعطيات أتاحت "تحقيق ذلك الانتصار في فجر الإثنين 2015/5/25"، في إشارة إلى السيطرة على مواقع الحوثيين في المدينة. كما يشير إلى أن انخراط جميع أبناء الضالع من جميع الأطياف في المعارك، على الرغم من التباين في بعض وجهات النظر، لم يؤثر على سير عمل "المقاومة".

وفي ما يتعلق بالتنسيق مع التحالف العشري، يؤكد الزبيدي أنّ "التحالف مدّ المقاومة بأسلحة وذخائر ومعدات طبية". وبينما يؤكد الزبيدي أنه لم يكن "يوجد تواصل مسبق مع القيادة الشرعية"، يوضح أنه "مع تدخل قوات التحالف العربي، تم التواصل مع هذه القيادة". ويشير إلى أنه بعد الانتصار الذي تحقق في الضالع، أمامنا الأهم وهو المحافظة على هذا الانتصار، بعدها سننتقل صوب العاصمة عدن، وبقية محافظات الجنوب".

ويقول الزبيدي إنه "خلال المرحلة علينا التعاطي مع الأهداف، التي تسعى لتحقيقها قيادة التحالف العربي... وهذا لا يعني أننا نتخلى عن هدفنا، المتمثل في التحرير والاستقلال، واستعادة دولتنا، وعاصمتها عدن، بقيادة الرئيس الشرعي للجنوب السيد علي سالم البيض"، على حد وصفه. كما يؤكد الزبيدي أن "العلاقة مع الأطراف السياسية علاقة إيجابية، ولا سيما بما يخدم هدفنا الاستراتيجي المتمثل في التحرير والاستقلال".

بدورها، ترجع مصادر قيادية في المقاومة لـ "العربي الجديد" تميز جبهة الضالع إلى أن "المقاومة كانت موجودة منذ مدة، ونفذت عمليات كثيرة ضد الجيش، منذ عهد الرئيس المخلوع، وحتى عهد الرئيس هادي، ودخلت في مواجهات مباشرة معه، الأمر الذي أفادها حالياً". وتضيف المصادر، التي فضلت عدم ذكر اسمها، أن "المقاومة الجنوبية كانت لديها قيادة واحدة، وانخرط تحتها مقاومون من جميع الأطراف سياسية كانت أو قبلية أو اجتماعية أو دينية". ووفقاً للمصادر "تعد هذه المقاومة من الأنجح وقامت بتخريج دفعات تم تدريبها، وتوالي مقاومة الضالع وردفان ويافع الحراك، أكثر من موالاة الشرعية".

اقرأ أيضاً الضالع اليمنية: صمود مستمر لسنوات

في موازاة جبهة الضالع، يقود جبهة بله في طرف ردفان، القائد العسكري ثابت جواس، بعدما أفلت من الوقوع في قبضة مليشيات الحوثيين والمخلوع، على غرار وزير الدفاع ورفاقه. ويعتبر جواس من قادة الجيش الموالين للشرعية.
وعلى الرغم من أنّ أغلب الجبهة التي يقودها جواس، سواء كان المتواجدون فيها سلفيين أو قبائل أو لجاناً شعبية، أو إخواناً أو من الأحزاب الأخرى، إلا أن أغلبهم يعتبرون منضوين تحت الحراك الجنوبي، المؤيد لـ "استعادة الدولة الجنوبية" وليسوا مؤيدين للشرعية، مع وجود الجيش وأطراف مؤيدة أيضاً للشرعية فيها، لكن الهدف الذي يجمعهم مواجهة الحوثيين والمخلوع وطردهم من الجنوب.
يقول محمد عوض الردفاني "لا يهم أنّ جواس موالٍ للشرعية، بقدر ما يهمنا أنه قائد عسكري محنّك، ويجمعنا به هدف وهو مقاومة مليشيات غزت الجنوب، فضلاً عن كونه جنوبيا، لذلك فأهلاً به قائدا علينا".

تفاوت الدعم

ويتسلم قادة الجبهات السلاح من التحالف أياً كان توجههم، إذ إنه على الرغم من اختلاف القيادات الميدانية في توجهاتها، لكنها تظل ملتزمة بقيادة "المقاومة" في المنطقة، وهي غالباً قيادة موحدة، وأغلبهم قادة عسكريون وخبراء.
على الرغم من ذلك، تعد جبهتا عدن والضالع أكثر الجبهات تلقيا للسلاح، نتيجة نشاطها وفاعليتها، في حين تأتي لحج وأبين وشبوة في المرتبة الثانية، وتمثل جبهتا أبين وشبوة أضعف الجبهات، نظراً لكبر المساحة، فضلاً عن الاختراقات. وتمثّل مساحة شبوة ما يوازي مساحة محافظات عدة. وكان تواجد ألوية ومعسكرات عدة موالية للرئيس مخلوع في هذه المحافظات، سبباً في تأخير الحسم. وتتكون "المقاومة" في هذه الجبهات من قبائل وحراك وأطراف سياسية واجتماعية.

وفي السياق، يقول الضابط محمد حسن لـ "العربي الجديد" إنّ "الجيش الموالي للشرعية بعد فقدانه قادته، عاد وانخرط ضمن المقاومة، في مختلف الجبهات، وكان لكثير من رجالاته وعدد من المتقاعدين العسكريين والأمنيين، دور في التعامل مع الآليات العسكرية والأسلحة الثقيلة، لمواجهة مليشيات الحوثيين والمخلوع".

مشاركة السلفيين

تأتي مشاركة السلفيين لأول مرة في أي مواجهات، بحسب العديد منهم مكرهين، بعد أن جعلتهم مليشيات الحوثيين والمخلوع هدفاً، منذ معارك دماج. فقد وصلت المليشيات إلى مناطق الجنوب، وهي تبحث عن مراكزهم الدينية، وقوائم من الأسماء لطلاب كانوا يدرسون في دماج وكتاف في صعدة. ويقول محمد عبدالرحمن أبو الزبير "لم يكن أمامنا إلا أن نحمي أنفسنا وننخرط ضمن المقاومة، بعد استهدافنا وملاحقتنا واستهداف مساجدنا، بل تحويلها إلى ثكنات عسكرية لهم، وأماكن لمقيل القات، مع أننا كنا نتجنب الدخول في هذه الفتنة التي تمر بها اليمن، وتجنبنا ذلك منذ اندلاع ما يسمى ثورة الشباب في 2011 وحذرنا من الفتنة كثيراً".

اقرأ أيضاً: في عدن... الموت بالسلاح أو حمّى الضنك

المساهمون