بلوح خشب وبعض الدمى، حقق وليد أبو راشد جزءاً من أمنيات أطفال إدلب بما يدعى "مسرح الحارة"، ليعطي بهذه المبادرة أملاً وسكينة للأطفال الذين أطلقوا عليه لقب "تلفزيون الحارة"، في ظل غياب التلفاز، نتيجةً لما تشهده المدينة من سوء الأوضاع الخدمية وانقطاع الكهرباء والقصف المستمر للروس ونظام الأسد.
يقول وليد لـ"العربي الجديد": "قدمت مسرحيَّات تتحدَّث عن أحلام الأطفال الموجودين في مخيمات النازحين على طول الحدود السورية التركية، مثل مخيم (كفر لوسين)، إذْ عرضنا مسرحيَّات خيال الظل لـ 150 طفلاً لمدة ثلاثة أيام، إضافة إلى مخيم (خربة الجوز) و(الترنبة) غربي سراقب. كذلك قدَّمتُ عروضاً للأطفال ذوي الإعاقة، من أجل تعميق طرق اندماجهم بالمجتمع، فهذه الفئة تهمَّشت بسبب الحرب، ومن واجبنا مساعدتهم في توفير مساحات آمنة لهم".
ويكتب وليد النصوص، ويمثلها بمساعدة أصدقائه، وعند تنفيذ عروضه، يختار أطفالاً ليكونوا جمهوراً وممثلين، في الوقت ذاته، فهو بذلك يخرجهم من غياهب الحرب والدمار إلى ألوانِ المسرح وأزيائه المبهجة. وعن ذلك يقول: "الأطفال لديهم وعيٌ قابل لاستقبال أي فكرة، وأسعى إلى شغل ذهنهم بهذا المسرح، وإخراجهم من جو الحرب، حتى لو كان بجزءٍ بسيط، لأنَّ من حقّ أطفالنا أن يعيشوا ويلعبوا ويضحكوا مثل كل أطفال العالم".
وشارك وليد أيضاً في افتتاح المركز الثقافي في إدلب بمناسبة الذكرى الثامنة للثورة السورية، وأوضح لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "دُعيتُ قبل أسبوع إلى افتتاح المركز الثقافي، ولبَّيْت الدعوة بعرض خيال الظل، وعندما وقفت على خشبة المسرح كنت أرتجف وأمامي الجمهور. وتذكرت عام 2011 عندما وقفت، وجرى تكريمي بأفضل ممثل مسرحي على مستوى إدلب وريفها، قبل اندلاع الثورة بشهرين".
وتابع: "بعد ثماني سنوات من الثورة، أقف مرَّة أخرى على هذه الخشبة، وأقدِّم عرضي الأول في المركز الثقافي، وأتحدث عن المأساة التي عانينا منها جميعاً، فإعادة الافتتاح والنشاطات في هذا المكان، هي رسالة للعالم بأننا هنا شعب واعٍ ومثقف يحب الحياة. فأينما يوجد مسرح، يوجد أيضاً مجتمع واعٍ". ولا تقتصر مشاركة وليد لعروضه مع الأطفال فقط، بل قدّم أيضاً موضوعات تطرَّقت إلى تحديات المعيشة في الشمال السوري. كذلك عالجت مسرحياته قضايا المعتقلين، إذْ قدّم مسرحيَّة "خيال كورديللو" بصالة "باريش" في سراقب، بالتزامن مع عرضها في صالة "زيكو هاوس" في بيروت، وذلك بمشاركة فرقة "مياس" المسرحية للمخرج عمر بقبوق.
ويعتبر الممثل والمخرج المسرحي، زكي كورديللو، المعتقل منذ أغسطس/ آب عام 2012 الوريث الشرعي وأبرز المحافظين على مسرح خيال الظل، بعد وفاة آخر المخايلة، وهو عبد الرزاق الذهبي. وخيال الظل عبارة عن فن شعبي يستخدم دمى، يُسلَّط الضوء عليها، وتُحرَّك وراء ستارة من القماش الأبيض، ما يجعل ظلها يظهر إلى المشاهدين.
وأدرجت "اليونسكو" في عام 2018 مسرح خيال الظل على قائمة التراث غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، معتبرةً أنَّ انتشار التكنولوجيا الحديثة والترفيه الرقمي، وما تشهده سورية من حربٍ لا يخمدها خامدٌ، كل هذا أدَّى إلى تهميش هذا الفن الشعبي. لكن وليد استمر في محاولاته لإعادة إحياء هذا الفن في مدينة، إذ لم يعد هناك شيء كفيل ببعث الحياة فيها، بعد كل ما شهدته من حرب ودمار.
وليد الآن ترك خياله وراءه في سراقب المدمرة، وأخرج بعضاً من أغراضه ودمى مسرحه ليتوجه مع عائلته إلى الشمال السوري، سعياً إلى ملاذٍ آمن بعدما اشتدَّ القصف. فخلال الأيام القليلة الماضية شهد ريف إدلب الجنوبي والشرقي أكبر نزوح منذ بداية التصعيد العسكري على المدينة، وبحسب "اليونيسف"، تجاوز عدد الأطفال النازحين 60 ألف طفل.