تصرّ المؤسسة الرسمية والمنابر الإعلامية في مصر على ربط افتتاح "متحف نجيب محفوظ" اليوم بما تُطلق عليه "احتفالات ثورة 30 يونيو"، كأنها بذلك تربط بين السلطة والمثقف على طريقتها، وتظهر في رداء سلطة تقدّر مفكريها وأدبائها، بل وحتى رموز البلاد الوطنية.
لكن ذاكرة الشعوب قوية، وحقيقة نظرة النظام إلى المثقف ليست ظاهرة في افتتاح متحف يحمل اسم الروائي المصري والعربي الوحيد الحاصل على نوبل، بل إنها مكشوفة في اعتقاله الكتّاب والصحافيين والناشرين ومحاكمتهم، وزجّهم في السجون لسنوات لأسباب لا يمكن أن تصنّف إلا تحت ممارسة "إرهاب الدولة".
غير أن هذا النظام نفسه، يستعيد المفكر علي عبد الرازق وفرج فودة وعباس محمود العقاد، ويحتفي بمئوية جمال عبد الناصر، وها هو اليوم يفتتح "متحف نجيب محفوظ" في القاهرة، بعد أن جرى التذرّع بتأجيل افتتاحه في آذار/ مارس الماضي لتحسين القاعات، بينما يكشف سياق التعامل مع الافتتاح بأن يرتبط بذكرى الانقلاب الذي يسميه "ثورة".
لا يتردّد نظام السيسي في استخدام اسم صاحب "ثلاثية القاهرة" وآخرين غيره، كعنصر في حملة علاقات عامة تحسّن في صورته الظلامية التي تكره المثقف وتقتل الباحث وتخيف الإعلامي، ومفهوم طبعاً أن استعادته لهذه الأسماء لا تخلو من تذكير بصدامها ومواقفها من الإسلام السياسي.
إنه نظام لا يحتفي إلا بالأموات، وبمن فقدوا أصواتهم الحقيقية والتحقوا بحملة الترويج له، الأموات أفضل المرشحين لتكريم نظام السيسي لأنهم بلا صوت، لكن المفارقة أن روائي مثل نجيب محفوظ صاحب صوت حي دائماً.
صحيح أن صاحب "زقاق المدق" لم يكن يوماً معارضاً، لكن أعماله لطالما انتصرت للحرية والإنسان، وبين طيّات رواياته وفي شخصياته قصص المصريين، ورفض السلطة، وهجاء الاستبداد.
أخيراً يفتتح المتحف الذي طال الحديث عنه، ويظهر في فيديو نُشر عنه قبل أيام أنه مازال ينتظر الكثير من التطوير، ثمة أوسمة كثيرة، وبعض المتعلّقات الشخصية مثل أدوات الحلاقة والقبعة وبعض الملابس ونظارته، ثمة أوراق رسمية وصور فوتوغرافية، وهناك محاكاة للحجرة التي كان يعمل ويكتب فيها صاحب "الحرافيش"، إلى جانب الكلمة التي كتبها لحفل تسليم جائزة نوبل، وهناك معرض من صور وملصقات الأفلام المقتبسة من رواياته.