"ما قصة كرفانات المثنى" مكان احتجاز الناشطين والمتظاهرين العراقيين؟

04 فبراير 2020
تغيرت وظيفة مطار المثنى مع الزمن (مرتضى السوداني/ الأناضول)
+ الخط -

منذ الأسبوع الأول لتفجر الاحتجاجات الشعبية العراقية، عاد مجددا إلى الواجهة مطار المثنى الواقع بجانب الكرخ من بغداد، لتتردد على الألسن عبارة "كرفانات المطار"، أو "كرفانات المثنى"، بعد كل عملية اعتقال أو اختطاف لناشطين.


ومطار المثنى أقدم مطار بالعاصمة تأسس إبان العهد الملكي، وتحول عام 2004، إلى معسكر كبير ومقر متقدم لإدارة العمليات العسكرية، قبل أن يقتطع رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي أجزاء واسعة منه كمقر لقناة فضائية يملكها وأنشطة حزبية لحزب "الدعوة الإسلامية"، بينما بقي الجزء الأكبر خاضعا للاستخبارات العسكرية العراقية، وبعض الأجهزة الأمنية الأخرى بسبب مساحته الكبيرة التي حول قسم منها أيضا إلى معتقل مؤقت أو ما يعرف في العراق اصطلاحا "التسفيرات".

المطار الواقع بين المحطة العالمية للسكك وحديقة الزوراء ومحكمة المنصور في الكرخ يعود مجددا للواجهة، وكان أول من كشف عن احتجاز الناشطين والمتظاهرين فيه للتحقيق، ثلاثة شبان عراقيين تم اعتقالهم من على جسر الجمهورية لعدة أيام، مؤكدين أنهم خضعوا للتحقيق بدون الضرب في المطار داخل كرفانات تستخدم كسجون مؤقتة.


وبعدها صار مشهد وقوف أولياء أمور الشبان العراقيين أو السيدات كبيرات السن بحثا عن أبنائهم المختطفين مألوفاً عند بوابة المطار، سواء تلك المطلة على حديقة الزوراء أو بوابتها الجانبية التي يحرسها الانضباط العسكري بقبعاتهم الحمراء.

وفي هذا الإطار أكد مسؤول عسكري عراقي بأن "كرفانات المطار"، موقع تحقيق رسمي من بين عدة مواقع، زاعما أنه "محظوظ من يصل إليه كونه سيخرج ولا يتعرض لإخفاء مثل ضحايا اختطفوا على يد جهات مجهولة"، على حد تعبيره.

وتابع في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المكان اكتسب سمعة سيئة من أيام حكومة نوري المالكي، حيث كان أحد رموز الانتهاكات بحكومته لكن الآن الموضوع مختلف، والمعتقلون الذين يتم استقدامهم يكون التحقيق معهم وفقا لمذكرات قضائية بالعادة، إذ هناك من يعتبرون مندسين في التظاهرات"، على حد تعبيره.


وختم بالقول "المفترض أن تكون سمعة شارع فلسطين والطالبية هي الغالبة وليس هذا الموقع"، في إشارة إلى منطقة شارع فلسطين والطالبية التي تنتشر فيها مكاتب ومقرات لمليشيات عراقية تعرف على أنها مرتبطة بإيران، وتتهم بتنفيذ سلسلة عمليات اعتقال وخطف لناشطين ومتظاهرين.

من جانب آخر، فإن "الكرفانات" المنتشرة في موقع غربي المطار والمحاطة بكتل إسمنتية رغم تهالكها، ما زالت تعمل وفقا لناشط عراقي بالتظاهرات، قال إنها تتبع الاستخبارات وبالعادة كانت بالفترة الأخيرة لاحتجاز إرهابيي تنظيم "داعش"، بفترة محاكمتهم قبل نقلهم إلى السجون المحصنة.


وفيما يخص أعداد المعتقلين من المتظاهرين فهي ما تزال غير معلومة، حيث يصعب إحصاؤها في ظل تعدد الجهات الرسمية وغير الرسمية التي تنفذ الاعتقالات. وقال في هذا الصدد، عضو "الحزب الشيوعي"، جاسم الحلفي، لـ"العربي الجديد"، إن "الإحاطة بعدد المعتقلين من المتظاهرين غير ممكنة، إذ هناك مجاميع وقوى مختلفة تقوم بالاعتقال، بينها قوى رسمية وأخرى غير رسمية، وهناك من يتم اعتقاله ويطلق سراحه فوراً، وآخرون تطول مدة اعتقالهم لأيام وأسابيع"، مضيفا أن "الكثير ممن اعتقلوا لم يعرف مصيرهم حتى الآن".


وأشار إلى أن "الاعتقالات تجري بشكل يومي، ولم تنقطع منذ اندلاع الانتفاضة في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وحتى الآن"، لافتاً إلى أن "الاعتقالات تتم بدون أمر قضائي، وهناك اعتقالات عشوائية، إذ أن جميع الذين اعتقلوا لم يعرف مكان اعتقالهم".


وأكد "صحة المعلومات التي تحدثت عن إيداع المعتقلين في مطار المثنى، أو قرب مطار بغداد"، مشيرا إلى أن "المعتقلين أنفسهم لا يعلمون أماكن اعتقالهم، إذ يتم عصب أعينهم ويوضعون تحت تهديد السلاح عندما ينقلون إلى تلك الكرفانات".

ومنتصف العام الماضي أعلنت لجنة حقوق الإنسان البرلمانية برئاسة النائب، أرشد الصالحي، عن إجراء أول زيارة لها إلى سجن مطار المثنى، ووفقاً لبيان آنذاك فإن الزيارة كانت للاطلاع على أوضاع السجناء والاستماع لهم. وأكدت اللجنة أن أغلب الموقوفين (آنذاك) كانوا متهمين بالإرهاب.


من جهته، قال النائب السابق، جوزيف صليوا، إن "المليشيات المنفلتة وبعض القوى الأمنية التي تتحرك بأجندات خارجية إقليمية تتعامل مع المتظاهرين بسلوك عصابات مافيوية، وهناك جهات أخرى غير عراقية ترتدي الزي الأمني، تقوم باعتقال الناشطين"، مبيناً أن "عدداً من المعتقلين تعرضوا للتصفية الجسدية".

أما السياسية العراقية، شروق العبايجي، فقد تحدثت عن تواطؤ جهات حكومية باختطاف المتظاهرين، وقالت لـ"العربي الجديد"، إن "المتظاهرين تعرضوا للخطف وتم إيداع بعضهم في كرفانات مطار المثنى، واحتجز بعضهم في مقرات بعض القوى، وفي أماكن تابعة للدولة"، مبينة أن "الأمر يدل على تواطؤ جهات رسمية حكومية بعملية خطف المتظاهرين وملاحقتهم واغتيالهم".

وحمّلت الحكومة المستقيلة ورئيسها عادل عبد المهدي، مسؤولية هذه الانتهاكات، مؤكدة أنه "ستتم محاسبته في محاكم دولية"، مشيرة إلى أن "الجهات الحقوقية والمتظاهرين والمنظمات العراقية ستعمل على كشف تفاصيل تلك الانتهاكات، التي لا يمكن أن تمر من دون عقاب"، مؤكدة أن "الانتهاكات موثقة".

مفوضية حقوق الإنسان العراقية، من جهتها نفت علمها بوجود تلك "الكرفانات" لاحتجاز المتظاهرين. وقال عضو اللجنة فاضل الغراوي، لـ"العربي الجديد" إن "جميع المعتقلين متواجدون في أماكن احتجاز معلومة، أو في أماكن توقيف خاضعة للسجون التابعة لوزارة العدل"، مؤكدا أن "المفوضية والادعاء العام الدولي يقومون بزيارات للمعتقلين ومقابلتهم ومتابعة أوضاعهم عن كثب".


واستدرك بالقول إن "الاعتقالات التي تحدث بين الحين والآخر من قبل القوات الأمنية قد تكون انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وحقوق التظاهر السلمي"، مؤكدا أنه "تم إطلاق سراح العديد من المتظاهرين المعتقلين، وخصوصاً المتظاهرين السلميين، أما الذين تثبت إدانتهم بأفعال تخرج عن إطار التظاهر السلمي، فإن القضاء هو المعني بملفاتهم".

المساهمون