"ماكينة لجوء" في لاهاي

07 يناير 2017
من داخل المتحف (العربي الجديد)
+ الخط -
قبل نحو ستّة أشهر، أطلق في أحد متاحف العاصمة السياسيّة الهولندية لاهاي معرض يتناول واقع اللاجئين، من خلال تقديم عروض بصرية وسمعية تتيح للناس التعرّف إلى ما تعرض إليه طالبو اللجوء، والإجراءات التي تفرض عليهم، ومعاناتهم في أمور كثيرة، منها حصولهم على منزل أو نيلهم حق اللجوء في هولندا.

وتقول مديرة متحف "بيت الإنسانية" في لاهاي، ليسته ماتار، إنّ الجولة من خلال "ماكينة اللجوء" موجهة بشكل أساسي للشباب، وتهدف إلى "شرح" معاناة الرحيل عن الوطن، أي لاهاي وهولندا. تضيف: "حاولنا سرد قصة حول الناس الذين يضطرون إلى مغادرة بيوتهم وبلادهم وعائلاتهم وهوياتهم، سعياً إلى جعل الناس تتعرف عن قرب إلى ما يعنيه اللجوء، وذلك ليس من خلال الحديث عن المسألة، بل عن طريق خوض التجربة وعيش المشاعر الناتجة عنها". وتشير إلى البعد العاطفي لهذه الجولة، رغم كونها غير حقيقية، مضيفة أنّ أشخاصاً كثيرين تغيّرت فكرتهم ونظرتهم عن اللاجئين والمسائل المتعلقة بهم.

ويشكّل تلاميذ المدارس الابتدائية الهولندية وطلاب الجامعات (أي ما بين العشر سنوات والرابعة والعشرين عاماً) الشريحة الأكبر من الزوار والمتفاعلين مع الجولة والتجربة، والتي يطلق عليها "ماكينة طالبي اللجوء"، بحسب ماتار. ونظّمت زيارات جماعيّة على مدار الأشهر الستة الماضية، علماً أنه يمكن للجميع المشاركة، سواء أكانوا يقيمون في لاهاي أم خارجها.



وتقول ماتار إنّ الجانب التعليمي والتثقيفي للجولة أظهر نجاحاً ملموساً، وقد بدأت بالتوجّه إلى سكان لاهاي، وتحديداً طلابها وتلاميذها. تضيف أنّ الساعات التي يقضونها في الجولة، والمعلومات التي يتلقونها من خلالها حول عدد اللاجئين وبلدانهم الأصلية، بالإضافة إلى التواصل مع اللاجئين بشكل مباشر، كان لها أثراً كبيراً على موقف الزوار، هم الذين خاضوا تجربة مختلفة. من هنا، تصف البرنامج والجولة بالناجحة، كونها تسمح للمشاركين بتكوين رأي شخصي حول قضية اللاجئين، بعيداً عن صخب النقاش السياسي.



خلال الجولة، يعيش الزائر تجربة اللجوء منذ اللحظة الأولى. يسأل عن اسمه وبلده، وتأخذ صورة لوجهه، ثم يحصل على ورقة مطبوعة عليها بياناته وصورته، تشبه الوثائق التي توزعها سلطات اللجوء في البلاد على طالبي اللجوء، لكن من دون أخذ بصمات للأصابع. بعدها، يضع قلادة فيها شريحة تتدلى على الصدر، لتتعرّف عليه أجهزة سمعيّة وبصريّة، ويخاطب باسمه خلال مراحل التجربة، التي يخوضها المشترك منفرداً.

من خلال تجربة "ماكينة اللّجوء"، لوحظ أنّ هناك اختلاف في أعمار الزائرين وخلفياتهم. وفي وقت يمضي الصبيان والفتيات وقتاً طويلاً في العروض البصرية أو السمعية، يلاحظ اهتمام كبار السن بالاستماع إلى الشهادات المصورة. بشكل عام، يختبر جميع المشاركين بعضاً من تلك الشهادات والقصص، ويتعرّفون على وطن اللاجئ الأصلي، وبعضاً من رحلته. هؤلاء سيرون بيوت اللاجئين، وغرف جلوسهم، والمشاهد الأخيرة قبل هروبهم إلى خارج بلادهم.

وفي لحظات أخرى، يزداد توتّر المشاركين، حين يمرون أمام مرايا لا تعكس خيالاتهم، بل كل شيء آخر في المكان، ليعودوا فجأة إلى البيوت الهولندية، بعدما يمرون بغرف تحقيق ويخضعون لاستجواب قاس. كذلك، يمرّون قرب عشرات الأبواب الموصدة والتي لا تفتح، ثم تنتهي الجولة وقد اكتسبوا صفة لاجئ.



حين ينتهي المشاركون من التجربة، يلقون بالطوق الإلكتروني في مكان ليتسلموا ورقة تشبه بطاقة الإقامة التي يحصل عليها طالبو اللجوء من السلطات بعد الموافقة على طلبهم، ثم على أسرّة تتيح للمشاركين التمدّد والجلوس والنظر للمرّة الأولى إلى الشارع والحركة فيه، والاستماع من خلال سماعات الأذن إلى قصة من قصص اللاجئين الذين وصلوا إلى هولندا، وتجربة الخروج من البلد الأصلي وأسبابها، وبدء الحياة في هولندا، وتأثير ذلك على حياتهم.
بعد انتهاء الجولة، يلتقط المشاركون أنفاسهم في صالة المتحف. يجلس بعضهم بصمت والوجوم بادٍ على وجوههم، في وقت يسترجع آخرون التجربة وتفاصيلها. مارك (21 عاماً)، وهو طالب في لاهاي، يقول لـ "العربي الجديد" إنه شعر بالتيه بعد مرور ساعة على انتهاء جولته. لاحقاً، شعر بأنه بات لديه تجربة شخصية مع اللجوء، بعدما كانت بالنسبة إليه مجرّد قضية عامة.

دلالات
المساهمون