ولم يحدث أيضاً أن احتفت السلطات المتعافبة بشخصيات وطنية وتنويرية كما هو الحال مع نظام السيسي، الذي يرتجل فعاليات لتكريمها ربما لحاجته لاستحضار منجزاتها باعتباره امتداداً لها، ما يمنحه شرعية أمام خصومه.
استعادت السلطة المفكّر الراحل علي عبد الرازق في احتفالية بذكرى رحيله الخمسين نُظّمت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وجرى التركيز على رفضه لفكرة الخلافة الإسلامية وتجاهل معارضته للاستبداد، وكذلك في إحياء 125 عاماً على ميلاد عباس محمود العقاد، كما يجري العام المقبل الاحتفال بمرور 30 عاماً على تسلّم نجيب محفوظ جائزة نوبل للآداب.
غير أن مئوية عبد الناصر تبدو مختلفة عن سابقاتها، حيث تواصلت اقتراحات نواب في البرلمان المصري لتنظميها خلال الشهور الماضية، طالبوا خلالها "استثمار الحدث بإقامة احتفالية كبرى يُدعى إليها رؤساء وملوك الدول العربية والأفريقية".
ولم تخل خطابات النوّاب من استذكار الزعيم الراحل كـ"نموذج في محاربة الإرهاب"، و"في مواجهة قوى إقليمية تعمل بقوّة لضرب مصر مثل تركيا وإيران"، وغيرها من شعارات التعبئة التي تفترض مزيداً من الأعداء الذين يكيدون لبلادهم ويسعون إلى إهانة رموزها.
ولم يخطر ببال هؤلاء أن الدولة المصرية نفسها هي التي أبقت منزل جمال عبد الناصر في حي منشية البكري في القاهرة مهملاً منذ عام 1990 حتى بدأت أعمال الصيانة فيه قبل أعوام قليلة لتحويله إلى متحف، ولم يُنجز إلا في أيلول/ سبتمبر الماضي، كما كان افتتاحه فرصة لظهور السيسي والتقاط الصور التذكارية وتصريحاته حول تضحيات الدولة المصرية.
ومن المتوقّع لبرنامج الاحتفالية التي لم يُعلن عنها بعد، أن لا يخرج عن هذا السياق حيث تظلّ الشخصيات التاريخية مهملة ومنسية على الدوام، وحين لا تجد السلطة منجزاً حقيقياً لها على الأرض تسارع إلى استذكارها تعويضاً عن عجزها المزمن.