استعرضت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، في عددها الصادر اليوم السبت، أسباب ما يجري في الغوطة الشرقية، من قصف مركّز وغارات لا تتوقف للطيران الروسي والسوري، أدّى خلال أسبوع واحد إلى مقتل 229 مدنياً، محملة روسيا مسؤولية فشل مجلس الأمن في وقف إطلاق النار، خصوصاً أن المفاوضات تسير في نفق مظلم.
ولفت الصحافي لوك ماثيو إلى انتشار فيديوهات تنقل مأساة الغوطة، وصور أجسادٍ ممزقة وأطفال تغمرهم الدماء وآباء يبكون ويصرخون. إذ لا يتوقف النشطاء عن توثيق ما يجري في الغوطة يومياً عبر الإنترنت، ذاكرين أعداد القتلى والجرحى، والبلدات التي استهدفتها غارات جيش الأسد وحليفه الروسي.
وأشار الصحافي الفرنسي إلى أن الغوطة الشرقية لم تتعرّض للقصف بتلك الحدّة منذ عام 2015. وتساءل عن سبب الإصرار السوري والروسي على استهداف تلك المنطقة، مجيباً بأنها "آخر منطقة لا تزال تحت سيطرة المعارضة على مقربة من العاصمة. كما أنها منطقة خصبة. وكان سكانها السبّاقين، في ربيع 2011، إلى التظاهر ضد بشار الأسد. وواجههم النظام بالعنف، وقتل وجرح في الأشهر الأولى المئات منهم".
ونقلت الصحيفة الفرنسية عن المدير التنفيذي لمؤسسة "بيتنا سورية"، أسعد العشي، قوله إن القوات الروسية تنتقم من جراء فشل المفاوضات في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني في سوتشي، نتيجة رفض المعارضة المشاركة فيها. وأضاف: "لهذا السبب يشارك الطيران الروسي في القصف الواسع، بعد أن كان محصوراً في السابق بطيران النظام السوري".
وأدرجت الصحيفة الفرنسية سبباً ثالثاً، وهو أن القصف الروسي جاء بعد إسقاط مقاتلي "هيئة تحرير الشام" طائرة حربية روسية.
النظام ورجاله يحاصرون حتى الأنفاق
وعرّج التقرير على الوضع الإنساني في الغوطة الشرقية الذي وصفته الصحيفة بـ"المأساوي". وأوضحت أن نحو 400 ألف شخص يعيشون في الغوطة يتعرضون للقصف والجوع، وهم محاصَرون منذ 2013، ولم يقِهم من الموت في السابق سوى الأنفاق التي دخل عبرها الغذاء والدواء من المناطق التي يسيطر عليها النظام.
واعتبرت الصحيفة أن المأساة تضاعفت بعد إقدام القوات الموالية للنظام على تدمير تلك الأنفاق، في الصيف الماضي. وأصبح طريق الإمداد الوحيد تحت سلطة الجيش السوري، الذي يسمح عسكريوه الفاسدون لرجال أعمال بنقل مواد أساسية إلى الغوطة مقابل أموال وعمولات، تضاف إليها الخوات التي تحصل عليها الجهات المسلحة في الجهة المقابلة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار ارتفاعاً جنونياً.
ولفتت إلى تقرير منظمة "يونيسف" في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، الذي أحصى 1100 طفل يعانون من سوء حادّ في التغذية، 700 منهم في حالة الخطر التي تتطلب نقلهم خارج الغوطة على وجه السرعة. وأشار إلى نقص الأدوية والمواد الطبية اللازمة في المستشفيات، وإلى منع مرور القوافل الإنسانية، التي كان آخرها في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، التي حملت الطعام والدواء لنحو 40 ألف شخص فقط.
ردود الفعل الدولية الخجولة أمام المأساة
وعن ردود الأفعال الدولية التي اعتبرتها الصحيفة "قليلة وغير مؤثرة"، أشارت إلى الاتصال الهاتفي الأخير بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي طلب فيه ماكرون ببذل كل الجهود حتى "يضع النظام السوري حدّاً لتفاقم الوضعية الإنسانية، التي أصبحت لا تطاق"، وإلى انشغال الأميركيين بالقصف ومطالبتهم بوضع حد للقصف أيضاً، وانضمام الأمم المتحدة للمطالبين بـ"وقف فوري للاشتباكات خلال شهر على الأقل، في كل أنحاء سورية".
ورأت الصحيفة الفرنسية أن تلك النداءات كافة لم تلق آذاناً صاغية، كما أن اجتماع مجلس الأمن يوم الخميس الماضي لم يؤدّ لشيء، والسبب تقف خلفه روسيا الداعمة لنظام دمشق، بحسب الصحيفة. كما أن "الحلّ في سورية سياسيٌّ، وليس قانونياً"، وفق تصريح موظف أممي أوردته "ليبراسيون". السلاح الكيميائي
وتابعت "الشيء الوحيد المتبقي الذي يمكن أن يطلق ردّة فعل دولية هو استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية". لكن منذ 13 يناير/ كانون الثاني الماضي سُجّلت ثلاث حالات قصف استخدم فيها نظام الأسد مادة الكلور في الغوطة وفي محافظة إدلب، وهو ما أكده وزير الخارجية الفرنسية، دان إيف لودريان. في حين أن وزيرة الدفاع، فلورنس بارلي، حكمت بعدم وجود "يقين" بهذا الشأن.
النفاق الفرنسي سرعان ما يعارضه أسعد العشي الذي يستشهد بآراء الأطباء والممرضين الذين عالجوا ضحايا القصف وجزموا بأن "كل الأعراض تتفق على أن الأمر يتعلق بغارات استخدم فيها الكلور".