"لمعلم" وضربة المعلّم

27 اغسطس 2015
المغني سعد لمجرد (مواقع التواصل)
+ الخط -
متجاوزاً كل الأرقام القياسية تربع فيديو كليب "لمعلم" للمغني الشاب سعد على عرش الأغنية المصورة، حيث تجاوز عدد مشاهداته في عام أكثر من 105 ملايين مشاهدة لحد كتابة هذه الأسطر، والرقم مرشح لتجاوز ذلك، وهذا ما لم يتمكن منه كبار المغنين وأشهرهم.


مثل هذا الفيديو كليب ضربة معلم من حيث الأغنية وألحانها وما رافقها من لقطات مصورة استطاعت أن تلقى القبول لدى شرائح شبابية واسعة في طول الوطن العربي وعرضه.

ولعل المفكر الإسلامي الكبير عبدالوهاب المسيري رحمه الله أشار في مقاله "الفيديو كليب والجسد والعولمة" إلى تأثيرات الفيديو كليب العميقة على الوجدان بعيداً عن الطرح الوعظي السطحي المخل والبسيط، فتقوم هذه الأغاني المصورة بتشكيل وصياغة العديد من القيم والتصورات والمبادئ في المجتمع، وتؤثر على إدراك الفرد لنفسه والعالم المحيط به، حيث إنها تتناول موضوعات العاطفة والجسد والجنس، وتقتحم على المشاهد وعيه وتخترقه بقوة الصورة مخاطبة رغباته وغرائزه ومحيدة عقله في ذات الوقت، خصوصاً حينما صارت الراقصات والرقصات في كل مكان يألفه المشاهد ويعيش فيه.

كما أن الفيديو كليب يختزل الأنثى والإنسان ككل في بعد واحد هو "الجسد" ولا شيء غيره، حتى باتت المرأة شيئاً مادياً، أو سلعة تباع وتشترى ولا قيمة لروحها وعواطفها وعقلها، ومرسخة لقيم المجتمع الذكوري، الذي تدور المرأة في فلكه، وتخاطب فيه غرائزه الجنسية.

وبالعودة إلى فيديو كليب "لمعلم" وبتحليل بعض ما عرض فيه، سنلاحظ أن ما ذكره المسيري ينطبق حذو القذة بالقذة، فقد صُور الفيديو في مناطق مألوفة على المشاهد العربي: أشجار نخيل، أزقة وحوارٍ، قهوة شعبية، زي شعبي ساتر لغالب جسد الراقصات والراقصين، ممثلين كبار في السن، مسنة عجوز تخيط الملابس، خلفيات بأقمشه محلية ذات ألوان مزركشة. 
تمت تأدية الرقصات بأماكن عامة في محيط مفتوح يعرفه الشاب العربي، وهي رقصات وإن كانت غربية انسابت بشكل متناسق مع الكلمات البسيطة الألحان العصرية والخلفيات الشعبية مما شكل سردية متكاملة تلقاها المشاهد بشكل غير حيادي.

وعند الحديث عن الإثارة الجنسية نجد أن الراقصات استطعن أسر المشاهد وتحفيز مخيلته الجنسية بحركات إثارة غير صادمة ظهرت في هزات الخصر، وعلى الشفاه، وبغمزات العيون، بشكل هادئ منساب، تنوعت فيه أشكال الراقصات وألوانهن بما يعطي إيحاء أنه تم مراعاة أكثر من ذوق!

هذه الحركات المثيرة غير الفجة تقدم نوعاً من راحة الضمير للمشاهد الذي قد لا يتمكن من رؤية صور عري فاضحة أو صادمة كما تفعل بعض المغنيات، وهذا لعله يعطي تفسيراً لأحد أسباب انتشار الأغنية على وجه التحديد.

وهنا نحتاج التوقف قليلاً عند فنون إثارة الغريزة الجنسية، حيث إن الإثارة الأقوى ليست المباشرة الفجة التي تقتحم الشاشة، بل التي انتقلت من مرحلة الصورة المباشرة إلى الإثارة بالإيحاء، فهذا النوع من الإثارة يمكنه أن يلبي أذواق المشاهدين من خلال الخيالات التي تتفاعل في رؤوسهم.

ولعل هذا التحليل محاولة لتفسير سبب انتشار هذا الفيديو كليب، ويبقى التساؤل المشروع دائماً هل سنشاهد في المستقبل أعمالاً فنية مصورة جادة وهادفة يمكنها أن تمتزج بالمشاهد العربي بقوة وتساعده على المضي قدماً بشكل إيجابي وبناء ليؤدي دوره المنشود بعد تجاوز كل سلبيات الأغنية المصورة في خطابها للغرائز بدلاً من لعن الظلام آلاف المرات؟!

(البحرين)