"لمسات أولى": سينما المتوسّط نحو جمهور مغاير

26 سبتمبر 2017
(من ورش التظاهرة، تصوير: مصطفى أسماعيل)
+ الخط -

لعل القليل من التظاهرات السينمائية العربية يقدم رؤية مختلفة، ويهتم بصنع حالة سينمائية تفاعلية يتجاوز تأثيرها اللحظة الآنية. "ملتقى لمسات أولى.. سينما شباب المتوسط" أحد أبرزها، إذ يقوم على التفاعل وتبادل الخبرات والمعرفة بين صناع الأفلام، والنقاد، والمؤسسات الثقافية، والجمهور، بهدف تسليط الضوء على سينما الشباب وخاصة الأفلام المستقلة التي لا تجد مساحة للعرض.

التظاهرة عقدت دورتها الثانية في الإسكندرية في الفترة من 16 إلى 20 أيلول/ سبتمبر2017 الجاري، بالتعاون بين عدد من المؤسسات الثقافية العربية والفرنسية، ومُهّد لها منذ عدة أعوام بمجموعة من العروض السينمائية، وورش عمل متفرقة نظمها ثلاثة نقاد تونسيين: الطاهر الشيخاوي، وإنصاف ماشطة، وهاجر بودان، قبل أن تتحوّل في العام الماضي لتظاهرة سينمائية.

تسعى التظاهرة لصناعة حالة من الدمقرطة السينمائية، تتيح للجمهور أن يكون شريكاً في صناعة هذه السينما، وفاعلاً ومؤثراً فيها. في هذا السياق يقول الناقد الطاهر الشيخاوي: "روح التظاهرة تكمن أولاً في مرافقة سينمائيين اخترناهم لالتزامهم المتفرّد، في استكشاف فضاءات جديدة، وثانياً في تجميعهم طوال أسبوع ليتعارفوا و يتواصلوا مع المشهد السينمائي والفني فى مدن مختلفة، وثالثاً في التوجه بمعيتهم نحو جمهور مغاير من أجل إرساء علاقات جديدة معه، ورابعاً بالاستعانة بهم في توفير فرص التمرس على الإبداع السينمائي لبعض الشباب، وأخيراً في تبادل الرأي حول مسألة تُشغلنا: سينما شمال أفريقيا المعاصرة".

ويضيف الشيخاوي: "روح الفاعلية تتمثل أيضاً وبالأساس، في حركية متنقّلة حيث بدأنا من تونس، ثم انتقلنا إلى الإسكندرية، ومنها إلى بيروت ثم ورزازات (المغرب) والجزائر. سعياً نحو رسم فضاءات جديدة للعيش المشترك"، موضحاً أن معظم الأنشطة الثقافية العربية تعاني من سيادة مفهوم الإتاحة على حساب مفهوم المشاركة، وهذا ما يحاولون تغييره في تظاهرتهم السينمائية: "غالباً ما يتم تنظيم تظاهرات تتيح للجمهور المشاهدة والاستمتاع بالعروض الفنية، وهي خطوة مهمة لكنها ليست كافية، لذلك نحرص على وجود العديد من ورش العمل في النقد والإخراج".

تهدف التظاهرة أيضاً إلى تحقيق مفهوم الشراكة والتعاون و"التشبيك" الثقافي، عبر التعاون بين أكثر من مؤسسة ثقافية بهدف التكامل، وخلق كيانات تساعد صناع السينما الشباب على الإبداع والتواصل مع الجمهور، في هذ السياق تشير الناقدة هاجر بودان، إلى أن السنوات الماضية شهدت طفرة كبيرة في صناعة السينما في العالم، يقودها الشباب عبر إستخدام الكاميرا الرقمية، التي ساعدت بصورة كبيرة على خلق فضاءات متعددة ومغايرة للمبدعين، وتضيف: "واحدة من السمات المميزة للتظاهرة، هي اختيار الأفلام بعناية، ودعوة مخرجيها ليكونوا حاضرين ويتفاعلوا مع الجمهور، وفيما بينهم أيضاً، كمخرجين شباب من بلدان البحر المتوسط، ويساهموا في تطوير ورش العمل سواء في الإخراج أو النقد".

انطلقت التظاهرة هذا العام تحت عنوان "فضاءات للعيش المشترك"، بمشاركة ثلاثة عشر فيلماً تتنوع ما بين الروائي والتسجيلي والقصير، تعددت مواضيعها بين الهوية والهجرة والإرهاب والإنسان والطبيعة. بالموازاة مع ورشتي عمل، الأولى حول الإخراج السينمائي مع ثلاثة مخرجين فرنسين: نينا خادة، ودافيد يون، ولورون تيفول. والثانية حول النقد السينمائي مع النقاد الطاهر الشيخاوي وهاجر بودان وعلي العدوي.

ورغم نجاح القائمين على التنظيم، في تجاوز التحديات الخاصة بالتنظيم والدعم والتكلفة المادية، إلا أن أكبر التحديات تتعلق بالسياق السياسي والاقتصادي المضطرب. فمن جهة تعاني كافة مؤسسات المجتمع المدني في مصر، تضييقاً وحصاراً من السلطة، ومن جهة أخرى تدفع الظروف الاقتصادية الداعمين المحليين عن وقف دعمهم، كما حدث مع مقر "الكابينة"، وهو أحد المراكز الثقافية التي استضافت العديد من العروض السينمائية في البدايات الأولى للتظاهرة، إلا أن مالكي المقر وهو مبنى قديم كان مهجوراً، قرّروا استعادته.

المساهمون