15 نوفمبر 2024
"لماذا يكرهوننا؟"
بعد اعتداءات "11 سبتمبر" عام 2001، تم تداول سؤال بين الأوساط الثقافية والإعلامية والسياسية في الولايات المتحدة: لماذا يكرهوننا؟ في إشارة إلى الصدمة التي أحدثتها الاعتداءات في الداخل الأميركي البعيد كلياً عن الممارسات الكولونيالية للولايات المتحدة، والتي على أساسها برّر تنظيم القاعدة هجومه الإرهابي. أعاد السؤال فتح أنظار بعض الأميركيين على هذه الممارسات، لكنه، في النهاية، لم يؤدّ إلى تغيير في السياسة الأميركية بعد الاعتداءات، بل أوصل إلى مزيد من التدخل في الخارج، سيما في المنطقة العربية. ولكن مجرد طرح السؤال في ذلك الوقت كان تحولاً في الداخل الأميركي، وأطلق العنان لمجموعةٍ من الأصوات المطالبة بكفّ اليد عن التدخلات.
مناسبة استعادة هذا السؤال الآن المشاهد التي تم تداولها في مناطق كثيرة، عربية، في أعقاب اغتيال الولايات المتحدة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ومن معه. مشاهد شملت حالات ابتهاج وتوزيع حلويات احتفالًا باغتيال سليماني، فيما حفلت مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى بعض وسائل الإعلام، بكتابات كثيرة تحمل معنى الشماتة بإيران بعد الضربة الأميركية التي تلقتها. وتكرّر الأمر نفسه، سيما في ما يخص الكتابات، بعد ما قيل إنه رد طهران على اغتيال سليماني، والذي جاء عبر صواريخ لم تؤد إلا إلى إسقاط 180 قتيلاً، معظمهم إيرانيون، إثر إسقاط طائرة أوكرانية بالخطأ، وهو ما اعترفت به طهران. فإضافة إلى القناعة المسبقة لدى كثيرين بمسؤولية إيران عن إسقاط الطائرة، كان الإجماع على السخرية والتقليل من الرد الإيراني، على الرغم من أنه، في الاستراتيجية والتكتيك، كان مقصوداً أن يكون بهذا الشكل، ولا يؤدي إلى سقوط قتلى أميركيين، والانجرار إلى حرب استنزاف تكون إيران خاسرة فيها، وهذا ليس موضوع المقال.
بعد كل هذه المشاهد والكتابات، والتي وصلت إلى الإيرانيين مباشرة أو عن طريق وكلائهم في المنطقة، لا بد أن يستعيد الإيرانيون، على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، سؤال: لماذا يكرهوننا؟ الأمر بالتأكيد ليس مبالغة، فحالة الغضب ضد إيران في المنطقة العربية، ولا سيما على الصعيد الشعبي، تجاوزت المناكفات السياسية، المستمرة، بين طهران وبعض الأنظمة الخليجية. وللمفارقة أنه في أثناء هذه المناكفات سابقًا كانت الحالة الشعبية بشكل عام متعاطفة مع إيران، وترى فيها سندًا تحرّرياً لقضايا الشعوب. ولكن هذا الأمر كان في السابق، قبل أن تقرّر إيران السير على النهج الإمبريالي نفسه الذي كانت تقول إنها تحاربه، وتمدّد نفوذها في المنطقة، وتدمر بعض دولها، فما آل إليه الوضع اليوم في لبنان وسورية واليمن والعراق، في جزءٍ كبير منه، هو نتيجة الفكرة الإمبراطورية الإيرانية التي أرادت أن توسّع مدى قدرتها، وتخوض حروبها بالوكالة، حتى لو كان ذلك على حساب شعوب تلك المنطقة، وهو ما يمكن تلمّسه بوضوح في سورية، حيث ارتكبت القوات الإيرانية والمليشيات المتحالفة معها مجازر بحق الشعب السوري، لضمان بقاء بشار الأسد تابعاً للنظام الإيراني وأهدافه في المنطقة. ولا تختلف الأوضاع في العراق واليمن ولبنان كثيرا بالنتيجة، وإنْ تمت عبر ممارسات أخرى.
"لماذا يكرهوننا؟" قد يكون سؤالاً إيرانياً واجباً، خصوصاً على المستوى الشعبي، والذي يمكن أن يصنّف أيضاً ضمن ضحايا هذا النظام وممارساته، وهو الذي يعاني تبعات الحصار الاقتصادي الخانق، ويواجه إجراءات القمع عند كل محاولات رفع صوت الاحتجاج. يتلطّى النظام دائماً في ممارساته، في الداخل والخارج، خلف مسمّى مواجهة "المؤامرة"، متناسياً أنه قد يكون جزءاً منها بالنسبة لبقية الشعوب.
بعد كل هذه المشاهد والكتابات، والتي وصلت إلى الإيرانيين مباشرة أو عن طريق وكلائهم في المنطقة، لا بد أن يستعيد الإيرانيون، على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، سؤال: لماذا يكرهوننا؟ الأمر بالتأكيد ليس مبالغة، فحالة الغضب ضد إيران في المنطقة العربية، ولا سيما على الصعيد الشعبي، تجاوزت المناكفات السياسية، المستمرة، بين طهران وبعض الأنظمة الخليجية. وللمفارقة أنه في أثناء هذه المناكفات سابقًا كانت الحالة الشعبية بشكل عام متعاطفة مع إيران، وترى فيها سندًا تحرّرياً لقضايا الشعوب. ولكن هذا الأمر كان في السابق، قبل أن تقرّر إيران السير على النهج الإمبريالي نفسه الذي كانت تقول إنها تحاربه، وتمدّد نفوذها في المنطقة، وتدمر بعض دولها، فما آل إليه الوضع اليوم في لبنان وسورية واليمن والعراق، في جزءٍ كبير منه، هو نتيجة الفكرة الإمبراطورية الإيرانية التي أرادت أن توسّع مدى قدرتها، وتخوض حروبها بالوكالة، حتى لو كان ذلك على حساب شعوب تلك المنطقة، وهو ما يمكن تلمّسه بوضوح في سورية، حيث ارتكبت القوات الإيرانية والمليشيات المتحالفة معها مجازر بحق الشعب السوري، لضمان بقاء بشار الأسد تابعاً للنظام الإيراني وأهدافه في المنطقة. ولا تختلف الأوضاع في العراق واليمن ولبنان كثيرا بالنتيجة، وإنْ تمت عبر ممارسات أخرى.
"لماذا يكرهوننا؟" قد يكون سؤالاً إيرانياً واجباً، خصوصاً على المستوى الشعبي، والذي يمكن أن يصنّف أيضاً ضمن ضحايا هذا النظام وممارساته، وهو الذي يعاني تبعات الحصار الاقتصادي الخانق، ويواجه إجراءات القمع عند كل محاولات رفع صوت الاحتجاج. يتلطّى النظام دائماً في ممارساته، في الداخل والخارج، خلف مسمّى مواجهة "المؤامرة"، متناسياً أنه قد يكون جزءاً منها بالنسبة لبقية الشعوب.