"لعبة الكتابة": من موقع التفاعل لا من موقع الخبراء

11 أكتوبر 2017
(من فعاليات "لعبة الكتابة")
+ الخط -

في تجربة مغايرة عن نمط "ورش الكتابة" المعتاد، تعمل الشاعرة المصرية أميمة عبد الشافي، بالتعاون مع عدد من الكتاب والمبدعين في الإسكندرية، على تطوير برنامج عمل يُركّز على ثلاثة محاور: الأدب واللغة، والأدب والثقافة، والأدب والمجتمع، مستهدفاً تطوير مهارات وأدوات الكتاب والكاتبات غير المحترفين.

"إذا أردت أن تكون كاتباً/ كاتبة فعليك إجادة استخدام عدد من المهارات منها اللغة، إجادةٌ تضمن لك الحفاظ على صياغتك وصورك وجماليات نصّك، وقبل اللغة مخزونك البصري والذهني والمعرفي الذي يُشكّل طين الكتابة الرئيسي" تقول عبد الشافي لـ "العربي الجديد"، بينما تُراجع مجموعة من النصوص لمناقشتها في اللقاء الأسبوعي لورشة الكتابة.

تبدو الشاعرة متحفّظة على استخدام تعبير "ورشة للكتابة" نظراً لما شكّله من التباس خلال السنوات السابقة عبر تنميط نماذج محدّدة أقرب ما تكون للكتابة المدرسية، وتضيف: "نفضّل أن نستخدم مفردة "معمل الكتابة" أو "حلقة الكتابة"، خصوصاً مع تخلّينا عن وجود مدرب على رأس اللقاءات".

تعتمد "لعبة الكتابة" على منهج تشاركي، تقوم فيه عبد الشافي مع الكاتب والفنان ماهر شريف بدور تسيير المناقشات، لا بدور التدريب. "يشاركنا بعض الضيوف ذوي الخبرة كالروائي عادل عصمت، والشاعر عبد الرحيم يوسف، وكلاهما له كتب عديدة منشورة، لكنهما يشاركان في المناقشات من موقع التفاعل نفسه لا من موقع الخبراء" يقول شريف.

بدأ المشروع في العامين الماضيين من خلال برنامج عمل بعنوان "حلقة الوصل/ كيف نرى اللغة؟"، تضمّن مناقشات حول اللغة عموماً، واختيار لغة الكتابة خصوصاً، إضافة إلى تقديم مادة علميّة في النحو العربي والتدقيق اللغوي والإملائي، بهدف تحسين قدرة الكاتب على ضبط نصّه بنفسه.

تُوضّح عبد الشافي أنه مع بداية عام 2017، وتحت عنوان "لعبة الكتابة"، انتقلت التجربة لمساحة أوسع: من التركيز على اللغة فقط إلى الانفتاح على علاقة الكتابة بالفنون الأخرى وكذلك بالمجتمع، عبر مجموعة من الأنشطة المتنوعة من أبرزها: التعريف بأهم الكتّاب في الأدب العربي/ المصري الحديث، والعروض السينمائية والقراءات المفتوحة لبعض الكتب، إلى جانب استضافات أدبية للكتّاب، وبالطبع العمل على تطوير مشروع كتابة لكل مشارك.

في "دكّان" صغير يتوسط شارع "أديب باشا" بالإسكندرية، دائرة مستديرة من الكتاب والكاتبات من أعمار مختلفة، يناقشون عدة نصوص كتبوها على مدار الأسبوع الماضي. تتداخل أصوات الحضور ونقاشهم الهادئ مع الأصوات القادمة من الشارع، دون أن يطغى أحدهما على الآخر، هذه الألفة بين نبض الشاعر، ونقاشات الحاضرين، تُصاحبها مسحة أخرى من الألفة والونس بين الكتابة والفنون البصرية، تعكسها جدران "الدكان" الممتلئة بالصور واللوحات الفنية وبوسترات الأفلام.

"الدكان هو مساحة للفن والمجتمع مفتوحة على الشارع، في قلب منطقة المنشية التجارية والحيوية، المفتقرة لمثل هذا النوع من الأنشطة. يُوفّر فرصة عرض أعمال تشكيلية وتقديم عروض مسرحية وموسيقية وقراءات أدبية"، تقول عبد الشافي إنهم اختاروا هذا المكان لما يمثّله من مساحة للانفتاح على المجتمع.

ورغم هذه التجربة التي يُوفرها فضاء "الدكان"، حيث التفاعل بين المتدربين والمجتمع المحيط، إلا أن جزءاً كبيراً من أنشطة "لعبة الكتابة" انتقل لمقر آخر منذ عدة أشهر وهو "وكالة بهنا"، نظراً لزيادة عدد المشاركين وتنوّع الفعاليات، مما تطلّب وجود مقر بديل أكثر هدوءاً وأوسع مساحة.

أكثر ما يُميّز تجربة "لعبة الكتابة" قدرتها على التطوّر، والانفتاح على مختلف أنواع الكتابة الأدبية، والقدرة على تجاوز العقبات والمتغيّرات الطارئة، إضافة للرغبة المستمرة في بناء دوائر أوسع عبر استضافة عدد من المبدعين في نقاش مفتوح حول تجربتهم الأدبية، في لقاء شهري يُعقد مع أعضاء الورشة.

الشاعر والروائي المصري علاء خالد (1960) كان ضيف شهر أيلول/ سبتمبر المنقضي، في لقاء مفتوح تحدّث خلاله عن رحلته في الكتابة وبدايات تفكيره في التفرّغ لها، حتى تنفيذ ذلك مع بداية التسعينيات، وتطرّق كذلك إلى تجربة روايته الأولى "ألم خفيف كريشة طائر تتنقل بهدوء من مكان لآخر" التي صدرت عام 2009، وكيف أنها تُمثّل بشكل ما سيرة عائلية، يتقاطع فيها الخاص مع العام، والأدب مع السيرة.

أشار خالد إلى أنه خلال هذه المرحلة ظهرت فكرة مجلة "أمكنة"، كمحاولة للخروج من عزلة المثقف والتعامل مع المجتمع المحيط، ومحاولة تمثيله عبر كتابات أدبية مغايرة أكثر براحاً من الأفكار النمطية للكتابة الأدبية، ومستلهمة مباشرة من التاريخ الشفاهي والحوار مع الناس في المجتمع؛ هؤلاء الذين لم يكن هناك صوت ليمثلهم.

الحوار الذي امتد لساعتين تطرّق إلى الحديث عن الإسكندرية، التي تُمثّل العقل الباطن لمصر كما يراها خالد، هي مدينة قادرة على احتمال مشاريع إبداعية، ولا تُعاني من كونها هامشاً بل لطالما كانت الإسكندرية مقصداً.

في حديثه أكد علاء خالد أهمية الاستقبال الأدبي للكاتب في بدايته، لكي يتمكّن من الاستمرار أو ليجد دافعاً قوياً وحاضنة لمشروعه الكتابي، متذكراً خطاب التشجيع الذي تلقاه من الكاتب الراحل إبراهيم أصلان (1935-2012)، بعد صدور مجموعته الأولى "الجسد عالق بمشيئة حبر" عام 1990. وكيف أثّر ذلك فيه قبل أن يخرج كتابه النثري الأول "خطوط الضعف" في 1995، لتكون محطة للتفكير في جدوى المشروع الشعري.

دلالات
المساهمون